مع مرور عام على تشكيل الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني، فإنّ الكثير من الأسئلة تنطلق حول أدائها وتنفيذها للمنهاج الحكومي الذي وعدت بتطبيقه خلال فترات زمنية مختلفة، وبشكل واضح وصريح، يعتقد العديد من الأكاديميين والمراقبين، أن حكومة السوداني فشلت في الاشتباك مع القضايا الجذرية التي يعاني منها العراق، مثل السلاح والميليشيات والفساد وملفات أخرى، على الرغم من "نجاح نسبي" في ملفات معينة.
رأى مراقبون أن حكومة السوداني أخفقت بالكثير من التشريعات التي وعدت بها لمدة 3 و 6 أشهر وأيضًا خلال سنة كاملة
ولا يعتقد أستاذ الدبلوماسية والسياسات الخارجية في جامعة جيهان، مهند الجنابي، بـ"إمكانية إجراء تقييم لحكومة السوداني وإخراجه كاملًا بشكل سلبي أو إيجابي، مبينًا أنه "يجب تقييمها حسب عدة محاور مختلفة".
وفي حديث مع "ألترا عراق"، يوضح الجنابي أنه "في حال أردنا تقييم حكومة محمد شياع السوداني يجب النظر لمختلف المحاور مثل التنفيذي والتشريعي"، لافتًا إلى أنّ "الحكومة أخفقت بالكثير من التشريعات التي وعدت بها لمدة 3 و 6 أشهر وأيضًا خلال سنة كاملة مرّت عليها".
وبالنسبة للجنابي أيضًا، فإنّ "الحكومة لم تنفذ ما ورد في منهاجها وورقة الاتفاق السياسي حول إجراء الانتخابات المبكرة خلال عام، وهذا يعني انتخابات برلمانية وليس لمجالس المحافظات كما خرج للعلن".
ووعد الانتخابات المبكرة، جاء مع إنجاز قانون الانتخابات في الأشهر الثلاثة الأولى من تشكيل الحكومة، وبالتالي "هو إخفاق كبير"، كما يصفه الجنابي.
ويقول الجنابي إنّ "من جملة إخفاقات الحكومة هو قانون النفط والغاز، بالإضافة لقانون المحكمة الاتحادية، كما يوجد مجلس الاتحاد".
ويرى الجنابي أنّ "الحكومة لم تجيء بما هو مغاير، بل تقليدية جدًا بمدخلاتها، كما "من الخطأ انتظار متغيرات تكون مختلفة منها، لأن مدخلاتها تشبه الحكومات السابقة، ولذلك لا يجب منحها المزيد من الوقت، لأن من يريد العمل وإحداث التغييرات بمدة عام فهي كافية جدًا لخلق أي هدف".
ولم تنجح حكومة السوداني بمختلف المجالات، كما يعتقد الجنابي، بالإضافة إلى أنها "لا تمثل ائتلاف إدارة الدولة بل الكثير من مواقفها لم تعبّر عنه، خصوصًا بما يتعلّق بالعلاقة بين بغداد وأربيل"، كما أنها "لا تمثل الإطار التنسيقي الشيعي، بل تمثل أجنحة محدودة داخله، وهي الأجنحة المسلحة المتنفذة سياسيًا".
ويتحدث الكثير من مقربي الحكومة عن "استقرار" تشهده، لكن الجنابي يختلف في ذلك بالقول إنّ "الحكومة حين تعبّر عن نفوذ سياسي ومسلح، فالتهدئة الموجودة والسلاح خارج نطاق الدولة، لا يمكن اعتبارها ملفات تمت معالجتها حكوميًا لأنها جزء منه".
وكذلك، فمن مصلحة "المحور صاحب النفوذ السياسي والمسلح داخل الإطار حلول الأجواء الهادئة والمستقرة".
ومع ذلك، فإن حكومة السوداني نجحت بالنسبة للجنابي، في ملفين، الأول "التوازن بالعلاقات الخارجية، لأنها حافظت نوعًا ما على سياسة التوازن باستكمال سياسات الحكومة السابقة في الانفتاح على المحيط الإقليمي والدولي"، أما الثاني، فإنها كما يزعم الجنابي "قطعت شوطًا كبيرًا بمجال الخدمات وحاولت إيجاد مشاريع اقتصادية وجيوستراتيجية عبر طريق التنمية الذي إن تحقق سيتسبب بنهضة على مستوى العراق".
ويستدرك الأكاديمي بالقول: "لكن الكثير من الأمور التنفيذية تسجل أيضًا في خانة الإخفاق الحكومي مثل الفشل بإعادة النازحين، وإعمار المناطق المحررة من داعش، والسيطرة على أزمة سوق العملة الموازي وتطورات الدولار، حيث كل ماجرى بشانها مجرد قرارات لم تطبق واقعيًا".
تتبع حكومة السوداني كما رأى مراقبون الأجنحة المسلحة المتنفذة سياسيًا داخل الإطار التنسيقي
ويرى الكاتب والأكاديمي، عقيل عباس، بعد مرور عام على حكومة محمد شياع السوداني، أنّ إيجابياتها "نسبية"، وذلك لأنها غير قادرة على مكافحة الفساد والميليشيات.
وبالنسبة لعباس، فإنّ حكومة السوداني "لا تستطيع الإنجاز" لأن "أغلب تحدياتها اقتصادية والوعود بقت في خانة عدم التنفيذ".
ويقول عباس لـ"ألترا عراق"، إن "حكومة السوداني تمثل الإطار التنسيقي الشيعي، أما إدارة الدولة فهو تحالف عام فضفاض، وكل القرارات والسياسات تظهر من اجتماعات الإطار وليس إدارة الدولة".
لكنّ عباس يزعم أنها "حكومة ناجحة مقارنة بسابقاتها بالنظر لملف علاقاتها الخارجية، على الرغم من أن حكومة الكاظمي، تعتبر الأنجح منها، أما بقية الحكومات فقد ابتعدت كثيرًا عن هذا النجاح باتجاه آخر".
وقال عباس إنّ "بعض الإصلاحات في القطاعات المالية التي حصلت تبدو جريئة، مثل العلاقة المالية مع الولايات المتحدة، إضافة لرفضها ضرب القواعد العسكرية الأمريكية".
ويشخّص عباس ما يسميه "الفارق الأساسي في حكومة السوداني، وهو "ابتعادها عن الصراع الداخلي"، لكن مع ذلك ـ والكلام لعباس ـ فإنّ الحكومة "حتى إذا أخذت وقتًا أطول، فلن تنتج تغييرات حقيقية لأن أسباب ذلك بنيوية مفهومة لا تتعلق بإرادة السوداني نفسه، بل في القوى السياسية المهيمنة في الإطار التنسيقي الشيعي".
واعتبر عباس أنّ "الإيجابيات في هذه الحكومة نسبية، بينما الملفات الأساسية التي تصنع الفارق لم يحصل التغيير فيها لعدم قدرتها على ذلك، مثل مكافحة الفساد والميليشيات، كما يعد إنجازها للخدمات المقدمة للمواطنين متواضعًا جدًا".
رأى مراقبون أن حكومة السوداني غير قادرة مكافحة الفساد والميليشيات في العراق
وبالنسبة للكاتب والأكاديمي، سليم سوزه، فإنّ حكومة السوداني غير مختلفة عن الحكومات السابقة، كما أنها مستمرة بالسير بحذر بين النفوذين الأمريكي والإيراني في العراق.
ويقول سوزه لـ"ألترا عراق"، إنّ "حذر حكومة السوداني بين إيران والولايات المتحدة سيتعرض إلى تحديات كبيرة مع ما يجري في غزة هذه الأيام، لأنها ستكون على مفترق طرق بين محور الممانعة والمعسكر الأمريكي"، مبينًا أنّ "ما سيحدد ذلك هو تصرفات القوى والفصائل المسلحة التابعة للإطار التنسيقي فيما إذا كانت ستنجر لمعارك مع واشنطن ومصالحها في العراق والمنطقة، حيث سيفرض واقعًا جديدًا يستدعي تعامل الحكومة معه".
وأضاف سوزه أنه "بتدخل أطراف مسلحة من العراق بقضية غزة والهجوم على المصالح الأمريكية في العراق، فهذا سينتج التحدي الأكبر لحكومة السوداني ويجب عليها تحديد وقوفها مع الفصائل أو مع الإدارة الأمريكية بكبح جماح الفصائل".
ويرى سوزه أنّ "إداء السوداني لم يختلف عن الحكومات السابقة، بل هي حكومة ترقية لأطراف دون أخرى، فالتوازن حذر بين المكونات خارج وداخل الإطار التنسيقي كالمكون السني والكردي".
وما يجري حاليًا "هو ذات السلوك الحكومي منذ 2003 بوجود حكومة ترضية علاقات وتمشية حال، وتأجيل للمشاكل وعدم التصدي للملفات الحقيقية"، كما أنّ "ما يحصل هو عكس البرنامج الحكومي، وإذا فعل السوداني عكس ما يفعله حاليًا فهو سيخل بالتوازن الهش بين الأطراف الداخلية من جهة، والفاعل الخارجي الإيراني أو الأمريكي"، وفقًا لسوزه.
تجاوز سعر الصرف في وجود حكومة السوداني 160 ألف دينار لكل 100 دولار
وعبر سوزة عن اعتقاده بأن "لا نجاح سياسي لحكومة السوداني ولن تنفذ ما أطلقته من وعود ببرنامجها".
اما في المجال الاقتصادي بالنسبة لحكومة السوداني، فإنّ قوى الإطار التنسيقي الموجودة اليوم، ـ والكلام لسوزه ـ هي "ذاتها كانت تستخدم ورقة الدولار في حكومة مصطفى الكاظمي وفشلت بخفض قيمته أمام الدينار العراقي"، مستدركًا بالقول: "لكن ما يجري اليوم قد أنسى الجميع ما حصل في الحكومة السابقة حيث وصل سعر الصرف إلى فوق 160 ألف دينار لكل 100 دولار وهذا فشل مالي ذريع للحكومة".
وقال سوزه إنّ "مكافحة الفساد كان لها قيمة كبيرة في وعود حكومة السوداني، ولكن أبسط دلائل فشلها بتمثل بأن كل الرموز بقضية سرقة القرن الذين ألقي القبض عليهم في حكومة الكاظمي قد تم إطلاق سراحهم بحكومة السوداني، ما يجعل عدم وجود واقع ملموس لنجاح هذا الملف"، منتقدًا "قيام الحكومة بعقد صفقات مباشرة مع الفاسدين لإطلاق سراحهم مقابل تسليم ما سرقوه مثل النائب هيثم الجبوري، ورجل الأعمال نور زهير من خلال الضغط الحكومي على القضاء، في وقت لم تسترد ربع ما تمّت سرقته".
رأى مراقبون أن حكومة السوداني عقدت صفقات مباشرة مع الفاسدين لإطلاق سراحهم
ويرى سوزه أنّ "مقدمات حكومة السوداني لم تثبت قدرتها على إحداث التغيير المطلوب بقدر تأجيلها لخطوات مهمة وصعبة لمحافظتها على وجودها بفشل سياسي واقتصادي وبمجال مكافحة الفساد".