في ظل تناقضات كبيرة، سيحاول رئيس الحكومة محمد شياع السوداني تقديم نفسه "منقذًا" للعراق أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع، وسيستعرض ما يصفها بـ "الإنجازات"، لحصد دعم في قضايا معقدة وبالغة التأثير على العراقيين، من بينها المناخ وملف الطاقة والاستثمارات الأوروبية والخليجية.
السوداني الذي يقول إنّ بقاءه في الداخل طوال فترة حكم النظام السابق، مكنه من "معرفة ما يريده العراقيون"، يأمل وفق مقابلة مع نيويورك تايمز، ترجمها "الترا عراق"، أنّ يقنع دول العالم بقدرته على "تحجيم الفساد"، وتأمين الحماية للمستثمرين والشركات، في وقت تبدو فيه الميليشيات أقوى من أي وقت مضى بعد أن نجحت أجنحتها السياسية في إجبار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على الاعتزال وتفردت بتشكيل الحكومة تحت مظلة الإطار التنسيقي.
سيتحدث السوداني عن نجاح زيارة الأربعين وعقد توتال لنيل دعم الجمعية العامة للأمم المتحدة في قضايا حساسة وبالغة التأثير على العراقيين
وفي المقابلة تجنب السوداني، كما هي عادة رؤساء الوزراء في العقد الأخير، المساس بالفصائل المسلحة التي تحكم سيطرتها على مفاصل حساسة في الدولة، وتتهم بالمسؤولية عن انتهاكات واغتيالات وصفقات فساد، فضلاً عن أدوارها في تعيين كبار المسؤولين والموظفين.
وقال السوداني في تعليق على قضية المختطفة الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف، إنّ "أي جماعة لم تعلن رسميًا مسؤوليتها حتى الآن عن اختطاف المرأة الروسية، وحتى معلوماتنا لم تحدد بعد أي مجموعة معينة". وأضاف أنّ "الحادث يضر بسمعة استقرار العراق وقدرة أجهزتنا الأمنية".
وتتهم حكومة الاحتلال الإسرائيلية وأجهزة مخابرات غربية أخرى، فضلاً عن بعض مسؤولي الأمن العراقيين الذين تحدثوا سرًا، وفق نيويورك تايمز، كتائب حزب الله، أكبر وكلاء إيران المسلحين في العراق، باختطاف تسوركوف، في حين يجلس السوداني مع الجناح السياسي للجماعة المسلحة بشكل دوري خلال اجتماعات الإطار التنسيقي.
وحول الفساد، يقول السوداني، إنّه "واقعي ولن يدعي أنّه سيقضي عليه تمامًا"، ويرى أنّ المهم "هو أنّ هناك إرادة حقيقية وعدم تردد في محاسبة أي شخص متورط في الفساد".
ومع كلّ هذه التناقضات، يتحدث السوداني عن جملة "إنجازات"، يمكن أنّ يطرحها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في قمتها 78 التي ستعقد الثلاثاء 19 أيلول/سبتمبر، على أمل نيل دعم دولي في قضايا المناخ والطاقة، من بينها "نجاح زيارة الأربعين"، واستكمال إجراءات التعاقد مع "توتال" الفرنسية.
نص المقابلة وتقرير نيويورك تايمز دون تصرف:
عندما يخاطب رئيس الوزراء العراقي الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك هذا الأسبوع، فإنه يأمل في إقناع العالم بأنه الزعيم الذي يمكنه أخيرا حلّ مشاكل بلاده المستمرة المتمثلة في الفساد وعدم الاستقرار السياسي، وجعلها شريكًا موثوقًا للمنطقة.
ويؤكد أنه كأول زعيم عراقي منذ الغزو الأمريكي في عام 2003 يقضي حياته كلها داخل البلاد، فهو أكثر قدرة على فهم ما مر به العراقيون، وإجراء تغييرات.
أمضى كل رئيس وزراء آخر بعد الإطاحة بصدام حسين سنوات في المنفى أو العمل في الخارج، لكن محمد شياع السوداني، 53 عامًا، لم يفر أبدًا من العراق، على الرغم من أن صدام حسين أمر بإعدام والده وغيره من أقاربه المقربين.
وقال السوداني في مقابلة أجريت معه مؤخرًا في بغداد: "أنا نتاج مؤسسات الدولة، وأنا أفهم المواطنين وأولوياتهم". ووصف نفسه بأنّه جزء من "الجيل الثاني" من السياسيين في مرحلة ما بعد صدام حسين، وقال إنّ أولئك الذين لديهم خلفيته كانوا أقرب إلى الناس وفهموا أنّ "الشارع يريد التغيير".
إنّ تقييم سوداني ناتج عن 20 عامًا من شغل وظائف حكومية، من رئيس البلدية إلى الوزير. وخلال ذلك الوقت، تمكن من كسب العراقيين من جميع المشارب السياسية تقريبًا، وظهر على أنّه صريح - بل جاد - وعملي.
قال السوداني إنّ بقاءه داخل البلاد في ظل النظام السابق وتدرجه في الوظائف جعله "أقرب إلى الناس" ومكنه من فهم مطالب التغيير
لكنه يواجه عقبات هائلة، نظرًا للتحديات التي تواجه العراق. ومن بينها ظاهرة الاحتباس الحراري، والنفوذ المستمر والمتنامي لإيران، ونظام الفساد الراسخ في بلد توجد فيه نسبة عالية من الوظائف في الحكومة، وحيث يتعين على المتقدمين في كثير من الأحيان دفع رشوة أو أن يكون لديهم اتصال سياسي حتى بالنسبة للوظائف ذات الأجور المنخفضة.
عززت انتخابات عام 2022 التي أسفرت عن تولي السوداني منصب رئيس الوزراء قوة ائتلاف من الأحزاب الإسلامية الشيعية، والعديد منها قريب من إيران ومرتبط بجماعات مسلحة لها صلات بالحرس الثوري الإيراني القوي. فاز الحزب الشيعي ذو الهوية القومية - حزب رجل الدين الشعبوي مقتدى الصدر - بأكبر عدد من الأصوات في عام 2022 لكنه أجبر على الخروج من العملية السياسة.
وقد تم اختيار السوداني، وهو نفسه مسلم شيعي، في نهاية المطاف لأنه كان مقبولاً من جميع الأطراف، بما في ذلك الأحزاب السنية والكردية في العراق، على الرغم من أنه منذ انتخابه يواجه انتقادات من بعض مؤيديه السياسيين الشيعة، وهو يحاول تأكيد أولوياته.
أحد الأهداف الرئيسية للسوداني في الأمم المتحدة هذا الأسبوع هو إطلاق المزيد من الاستثمارات من أوروبا والولايات المتحدة، فضلاً عن تعزيز الجهود مع الدول العربية السنية للمساعدة في بناء بنية تحتية لإنتاج الغاز الطبيعي. وقد يؤدي ذلك في نهاية المطاف إلى جعل العراق أكثر اكتفاءً ذاتيًا من الطاقة وأقل اعتمادًا على إيران، التي توفر الآن حوالي 35 إلى 40% من احتياجات العراق من الطاقة.
وتخشى الشركات الغربية من الاستثمار في العراق بسبب الفساد المستشري والعقبات البيروقراطية وانعدام الأمن السياسي. ويحذر المحللون الذين راقبوا العراق منذ فترة طويلة من أنّ البعض في تحالف السوداني السياسي قد لا يدعمون تواصله مع كلّ من الدول الغربية والدول العربية السنية.
يريد السوداني وفق نيويورك تايمز إطلاق المزيد من الاستثمارات الأوربية والأمريكية والخليجية في العراق خاصة بما يتعلق بالطاقة
"السوداني يتفهم مشكلة الطاقة. إنه يدرك أن العراق بحاجة إلى الارتباط بدول أخرى وأن العراق لا يمكن أن يعتمد على الغاز الإيراني إلى الأبد. لكن الأطراف الأخرى الأكثر ارتباطًا بإيران ليست حريصة على أن يصبح العراق أكثر استقلالية"، قالت لهيب هيغل، محللة مجموعة الأزمات الدولية لشؤون العراق.
وقالت رند الرحيم، رئيسة مؤسسة العراق التي تتخذ من واشنطن مقرًا لها، والتي تروج للديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق، إنّ الصعوبة تكمن في أنه حتى الآن، "يحاول السوداني الابتعاد عن المنافسات والنزاعات السياسية - وهذا موقف لا يمكن الدفاع عنه.
وقالت الرحيم: "إذا كان يريد حقًا أن ينجح، فسيتعين عليه اتخاذ موقف بشأن عدد من القضايا"، من بينها الفساد، وحل الخلافات مع الأقلية الكردية في العراق، وتعزيز العلاقات مع الحكومات العربية السنية في المنطقة.
ويحاول السوداني البدء في معالجة إحباط الشباب العراقي عندما يحاولون الحصول على وظائف حكومية من خلال إنشاء مجلس للخدمة الاتحادي، حيث سيتم نشر الوظائف الشاغرة. لكن من المرجح أن تكون معركة شاقة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنّ مثل هذه التغييرات من شأنها أن تقوض نظام المحسوبية الفاسد الذي يخصص الوظائف الحكومية حسب الطائفة والحزب.
وقال في المقابلة: "أنا واقعي، ولن أدعي أنني سأقضي على الفساد تمامًا". وأضاف أنّ المهم "هو أنّ هناك إرادة حقيقية وعدم تردد في محاسبة أي شخص متورط في الفساد".
الكلمات قوية، ولكن حتى الآن كان من الصعب على السوداني أن يكون له تأثير كبير.
كما يخطط السوداني لطلب المساعدة في الأمم المتحدة من أجل "أهم تحد في العصر الحديث"، والذي قال إنّه "التغير البيئي الشديد الذي يسبب الجفاف والتصحر".
سيطلب السوداني دعمًا دوليًا لمواجهة أزمة الجفاف التي بلغت ذروتها في العراق والشرق الأوسط
تصنف الأمم المتحدة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أنها المنطقة الأكثر إجهادًا للمياه في العالم.
ويعاني العراق من عامه الرابع من الجفاف، وهو موضوع يهتم به السوداني، لأسباب ليس أقلها أن عائلته تنحدر من العمارة، وهي مدينة في جنوب العراق كانت محاطة ذات يوم بالأراضي الزراعية الغنية وشهدت الآن تحول حقولها إلى صحراء. لديه شهادة في العلوم الزراعية ويمكنه أن يفهم إحصاءات المحاصيل والري بسهولة.
وأشار السوداني إلى بعض العلامات الإيجابية الأخيرة في حملته لتحقيق الاستقرار في العراق وجعله جذابًا للشركات الأجنبية.
تمكنت البلاد من التعامل مع ملايين الحجاج الذين يأتون من جميع أنحاء العالم إلى المواقع الدينية. أعادت النمسا مؤخرًا فتح سفارتها. وتمضي شركة الطاقة الفرنسية العملاقة توتال قدمًا في شراكة مع قطر والعراق في مشروع طاقة كبير في البلاد.
إيران، وبدرجة أقل تركيا، كلاهما ما يزالان جارين صعبين. وفي حين كانتا داعمتين في بعض الأحيان، فقد تدخلتا باستمرار في جهود العراق لتحقيق الازدهار.
في وقت مبكر من ولاية السوداني، قصفت إيران شمال العراق مرارًا وتكرارًا، مستهدفة المسلحين المناهضين لإيران الذين يحتمون في إقليم كردستان الشمالي، في إشارة إلى السهولة التي يمكن أن تنتهك بها سيادة العراق. وتفعل تركيا الشيء نفسه مع الأكراد الأتراك المتشددين في العراق.
كما تورطت إيران في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي عندما قتل مدني أمريكي يعيش في حي الكرادة الذي تقطنه الطبقة الوسطى في بغداد. وأدانت المحاكم العراقية إيرانيًا وأربعة عراقيين على صلة بميليشيا شيعية لم يتم الكشف عن اسمها.
يقول السوداني إنّ حكومته "لم تكتشف بعد" الجهة المسؤولة عن اختطاف الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف
ثم في آذار/مارس، اختطفت إليزابيث تسوركوف التي تحمل الجنسيتين الروسية والإسرائيلية في نفس الحي.
وتقول الحكومة الإسرائيلية وأجهزة مخابرات غربية أخرى، فضلاً عن بعض مسؤولي الأمن العراقيين الذين تحدثوا سرًا، إنّها اختطفت من قبل كتائب حزب الله، وهي جماعة مسلحة في العراق تعتبر وكيلة لإيران. جناحها السياسي هو جزء من ائتلاف السوداني.
وبعد ستة أشهر، لم تظهر أي علامة على إحراز تقدم في القضية.
وقال السوداني في المقابلة: "لم تعلن أي جماعة رسميًا مسؤوليتها حتى الآن عن اختطاف المرأة الروسية، وحتى معلوماتنا لم تحدد بعد أي مجموعة معينة". وأضاف أنّ "الحادث يضر بسمعة استقرار العراق وقدرة أجهزتنا الأمنية".
وأضاف أنّ هذا الاستقرار أمر بالغ الأهمية لآماله في التنمية الاقتصادية والاستثمار الأجنبي، مشيرًا إلى أنّ المسؤول يقوض أهداف حكومته لمستقبل العراق.