02-سبتمبر-2023
السوداني

مدح السوداني قبل أن يتسلم المنصب في 2022 (ألترا عراق)

خلال الأيام الأخيرة، انتشر مقال مترجم نقل عن "مركز دراسات"، يمتدح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بشكل صريح ومباشر، فيما نشرته وكالة الأنباء الرسمية، ووسائل الإعلام المقربة من الحكومة، فضلًا عن صحفيين ومدونين، أشاروا إلى "أهمية المقال" كونه صدر عن "مركز دراسات رصين"، وفق اعتقادهم. 

المقال الذي تم تداوله على أنه صادر من مركز بحثي جاءت فيه جمل مباشرة وقطعية عن السوداني منها: "لا أحد، ولا حتى أشد منافسيه، يشكك فيه أو في مصداقيته أو وطنيته أو في قدرته على أن يكون رجل دولة وزعيمًا في الشرق الأوسط"

وتم تداول المقال بين محللين ومدونين بطريقة احتفائية وهجومية في آن واحد، حيث قال المحلل السياسي المقرب من الحكومة، علي البيدر، في حديثه عن معارضي حكومة السوداني الذين وصفهم بـ"المأزومين"، إنّ "هذا المقال سيجعلهم يصمتون طويلًا قبل أن تخرسهم نجاحات السوداني المقبلة". 

المركز الذي يدعى "ستراتيجيكس" والذي نشر مقاله باللغة الإنجليزية، شكّل علامات استفهام لدى المهتمين والمختصين وأوساط المحللين السياسيين، الذين طرحوا التساؤلات عن أصل وحقيقة مركز الدراسات، خصوصًا بعد تداوله من مدونين وصحفيين. 

مديح مباشر.. وأحكام قطعية

وقبل أن يتتبع "ألترا عراق" المعلومات عن هذا المركز، يستعرض أبرز ما جاء في هذا المقال بعد ترجمته، حيث جاء فيه عبارات وصف ومدح مباشر للسوداني بطريقة رآها باحثون أنها "ليست لغة مركز دراسات"، والتي غالبًا ما تكون متحفظة وحذرة في استخدام العبارات، وكذلك استعراض المعطيات والأمثلة التطبيقية على كل حكم أو استنتاج تطرحه.

يقول المقال الذي كتب من قبل "فريق تحرير المركز"، إنّ "السياسي العراقي القادر على بناء علاقات جيدة مع الغرب والشركاء الأمريكيين، ويبعث في الوقت نفسه برسائل إيجابية إلى طهران، وإلى محيطه العربي، هو بلا شك رجل الدولة الذي يحتاجه العراق ويستحقه"، فيما وصف السوداني بأن ترشيحه جاء "لشهرته بالنزاهة وتاريخه السياسي الناصع، وعدم وجود إمكانية للطعن في نزاهته أو إلقاء الشكوك حياله".

ويزعم المقال أنّ "الإطار التنسيقي بالرغم من سيطرته على البرلمان، إلا أنه لا يستطيع أن يسيطر على السوداني"، في حكم مباشر لم يتطرق إلى أمثلته التطبيقية، فيما اعتبر أنّ "السوداني مستقر بقراره على النقيض من العديد من رؤساء الوزراء العراقيين الآخرين".

ويرى المقال أنه "إذا كانت واشنطن والغرب يرغبان في الاعتماد على حليف مناسب، فقد يكون السوداني هو خيارهم المناسب"،  واصفًا السوداني بأنه "غريب عن منظومة الفساد في العراق".

ويشير إلى أنّ "السوداني يعمل بصمت، ولا يظهر إعلاميًا إلا وفقًا لمقتضيات منصبه، وبدلاً من تقديم الوعود الفارغة قام بالتركيز على دعم لا مركزية السلطة".

وتضمن المقال عبارة لا تأتي في مقالات مراكز دراسات وتحليلات، حيث جاء فيه: "أدعو الله أن تلقى الجهود الكبيرة التي يبذلها رئيس الوزراء العراقي اليوم الترحيب والتشجيع الإيجابي من نظرائه العرب".

السوداني

ومن الجمل المباشرة والقطعية التي جاءت في المقال هي: "لا أحد، ولا حتى أشد منافسيه، يشكك فيه أو في مصداقيته أو وطنيته أو في قدرته على أن يكون رجل دولة وزعيمًا في الشرق الأوسط".

مغالطات ومعالجات غير مرتبطة

لم يتضمن المقال عبارات مديح مباشرة وأحكام قطعية تجاه السوداني فحسب، بل تضمن أيضًا بعض المغالطات، فبينما تحدث عن تسبب توظيف أكثر من نصف مليون موظف جديد في الموازنة، بزيادة كلفة الرواتب لأكثر من 58 مليار دولار، اعتبر أنه "لتمويل ذلك، تضمنت الميزانية إجراءات لحل المسائل العالقة بين العراق ومنطقة إقليم كردستان، حيث سيتم وضع إيرادات النفط في حساب تابع للبنك المركزي العراقي".

وتعتبر هذه المعالجة مغالطة وفق مختصين، حيث أنّ عائدات نفط إقليم كردستان، لن تذهب لتمويل هذه الفاتورة المرتفعة من الرواتب، بل أنّ الإقليم سيتسلم حصة كاملة من الموازنة تفوق ما تدره براميل النفط هذه، إذ تبلغ عائدات 400 ألف برميل نفط يوميًا وبسعر 80 دولارًا للبرميل الواحد، دون احتساب كلف النقل والاستخراج والشركات وغيرها، 11.6 مليار دولار طوال عام كامل، بالمقابل، تبلغ حصة إقليم كردستان من الموازنة 19.2 مليار دولار، وكان العراق عندما لا يتسلم النفط من كردستان، فإنه لا يرسل له هذه الأموال، أي أن الكلفة بعد الاتفاق مع الإقليم ستكون أكبر على بغداد.

ومن المعالجات التي تضمنها المقال أيضًا، وبعد الحجم الكبير من الأحكام المباشرة، توصل إلى القول إنه "بالطبع، من المبكر تصنيف إجراءات السوداني على أنها ناجحة بشكل قاطع، ولكن خطواته سواء على الصعيدين الداخلي أو الإقليمي تستحق الإشادة"، كما يشير إلى أنه "من يبحث عن انتصارات سريعة خلال الأشهر العشرة الأولى من ولاية السوداني لن يجدها بكل تأكيد، فالوضع الحالي للعراق لا يسمح بهذه النتيجة". 

معلومات عن مركز "ستراتيجيكس"

تتبع "ألترا عراق" المعلومات عن هذا المركز، والذي يعرف نفسه بأنه "أحد مراكز الأبحاث الرائدة والمؤثرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأول مركز بحثي عربي مستقل".

وبحسب الموقع الإلكتروني لهذا المركز، فإنه تأسس وانطلق في تشرين الأول/أكتوبر 2018 ومن العاصمة الأردنية عمّان، كمنصة متخصصة في إجراء البحوث والدراسات التحليلية حول السياسة الخارجية والعلاقات الدولية والقضايا الأمنية والاقتصادية والسلوك الاجتماعي.

ويعود الموقع لرجل أعمال وملياردير أردني يدعى حسن إسميك، وهو رئيس مجلس الأمناء فيه، وكذلك يشغل منصب رئيس مجلس إدارة مجموعة "ماريا" للمشاريع الرائدة في الإمارات، وهي محفظة تمتلك أصولًا ومشاريعًا مختلفة بقيمة أكثر من مليار دولار، ويترأس عضوية ورئاسة مجالس عدد كبير من الشركات الأخرى في الأردن والإمارات، وكذلك يمكن وصفه بمالك نادي ميونخ 1860 الرياضي بصفته أكبر ممول ومساهم فيه، ويعد ثالث أصغر ملياردير في الشرق الأوسط.

حسن إسميك

رائد الأعمال ومالك مركز "ستراتيجيكس" حسن إسميك

وفي عام 2011، صدر حكم في الأردن ضد إسميك بحجز أمواله بتهمة غسيل الأموال بقيمة 100 مليون دولار، وتم إعادة تداول هذه القصة مع قيامه بتوقيع عقد مع الجيش المصري عام 2014 لبناء مليون شقة لمحدودي الدخل.

إسميك
إسميك وعبد الفتاح السيسي بعد توقيع عقد بناء مليون وحدة سكنية عام 2014

ويُتهم اسميك بأنه "يغازل الصهيونية" وله مقترحات من بينها ضم فلسطين إلى الأردن، وغيرها من التصريحات المثيرة للجدل.

امتدح السوداني قبل أن يتسلّم المنصب

ولعله ليس من المصادفة أو الغريب أن يأتي مقال "ستراتيجيكس" مادحًا للسوداني حتى مع اعترافه بأنه ما زال "الأمر مبكرًا ولن نجد هنالك انتصارات في الواقع العراقي"، حيث أن إسميك كان قد امتدح السوداني حتى قبل أن يتسلّم رئاسة الوزراء أساسًا، وتحديدًا عندما كان مرشحًا من قبل الإطار التنسيقي.

ومن غير المعلوم ما إذا كان هذا الأمر يفكك لغز المقال الأخير باسم "ستراتيجيكس" أم يزيد الغموض عن علاقة إسميك بالسوداني، خصوصًا وأن إسميك وبمقاله الذي نشر على صحيفة النهار في 4 تشرين الأول/أكتوبر 2022، أي قبل تكليف السوداني بنحو 10 أيام، اعترف بالقول: "أجد في ما يقوم به محمد السوداني، مرشح "الإطار التنسيقي" لمنصب رئيس الوزراء العراقي، ما يستحق الإشادة والتقدير حقًا".

مقال رأي وليس بحثيًا

وعلى الرغم من نشر المقال باسم "فريق تحرير المركز"، ووجود المغالطات فيه، إلا أنّ العديد من الباحثين والمحللين داخل العراق وخارجه، رفضوا التعليق حين وجه "ألترا عراق" سؤالًا عن المقال والمغالطات فيه، وأسباب احتفاء الوكالة الرسمية، فضلًا عن العديد من المدونين والصحفيين على مواقع التواصل الاجتماعي. 

لكنّ الأكاديمي عقيل عباس، قال إنه لم يطلع على المقال، وحين عرض "ألترا عراق" عليه أبرز العبارات والجمل المستخدمة، استبعد صفة المقال البحثي عنه أو كونه صادرًا عن مركز دراسات.

ويقول عباس لـ"ألترا عراق"، إنه "من الاقتباسات المؤشرة، لا يبدو المقال مقالًا ذا طابع بحثي وإنما مقال رأي".

وفي مقالات الرأي ـ والكلام لعباس ـ بالإمكان إطلاق أحكام القيمة، وهي "أحكام طابعها شخصي وليس مؤسسيًا أو بحثيًا".