لا يزال موقف زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، حول رفض حكومة محمد شياع السوداني طلب غلق السفارة الأمريكية، غامضًا، خاصة وأنه قال في طلبه: "نحن ننتظر جواب الحكومة وفعلها وتجاوبها مع هذه المطالبة (غلق السفارة الأمريكية في العراق)"، محذّرًا من "لنا موقف آخر سنعلنه لاحقًا" في حال "لم تستجب الحكومة والبرلمان".
وفي 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، طالب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بغلق السفارة الأمريكية في بغداد، على خلفية دعم واشنطن للاحتلال الصهيوني في عدوانه ضد غزة.
ورفض المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، طلب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لإغلاق السفارة الأمريكية في العراق، وقال إنّ الإقدام على مثل هذه الخطوة يعني "تدمير" البلاد.
قال عضو في التيار الصدري إنّ مقتدى الصدر سيتخذ قراره النهائي بشأن السفارة الأمريكية وإغلاقها وفقًا للمتغيرات السياسية في العراق وغزة
وعبّر عضو التيار الصدري، عصام حسين، عن استغرابه الكبير من رفض الإطار التنسيقي وحكومته، لطلب زعيم التيار مقتدى الصدر بغلق السفارة الأمريكية احتجاجًا على استمرار الحرب والاعتداءات في غزة، مبينًا أنّ "وصول الاعتراضات على هذا المطلب للمستوى الحالي ليس له أي مبرر".
وقال حسين، في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "مطلب الصدر وطني وشعبي، وهو أقل رد يفترض على سقوط أكثر من 11 ألف شهيد في غزة يستحقون الوقوف أمام السفارة الأمريكية والتعبير عن الرفض لتلك الجرائم الإسرائيلية المدعومة أمريكيًا، بل وحتى إغلاقها"، مشيرًا إلى أنّ "الطلب جاء من حقيقة وجود دعم أمريكي يتحكم بخطوات إسرائيل في غزة".
وقال حسين إنّ "رفض الإطار والحكومة لطلب الصدر قد كشف حقيقة وجود اتفاقات لديهما مع الولايات المتحدة بكل الخطوط السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية وأمن السفارة الأمريكية، ولا يمكنه الخروج عنها، لأن ذلك يعرض حكومته للسقوط وفق تجارب سابقة بحكومات شكلوها ويعتقدون أنها سقطت بفعل الخيوط الأمريكية التي يمكن تحريكها هذه الأيام أيضًا".
وبحسب عضو التيار الصدري، فإنّ "الصدر سيتخذ قراره النهائي بشأن السفارة الأمريكية وإغلاقها وفقًا للمتغيرات السياسية في العراق وغزة، وما ينتج عنها خلال الأيام المقبلة".
وفي الأثناء، قال المقرب من التيار الصدري، رئيس مركز بغداد للدراسات الاستراتيجية، مناف الموسوي، إنّ "الأحداث في غزة بحاجة لاستجابة عراقية وطنية لمطلب الصدر بغلق السفارة الأمريكية لكونها عنصر ضغط كبير سيكون على الولايات المتحدة التي تسيطر على الخطوات الإسرائيلية، وما تقوم به من جرائم بحق الإنسانية".
واعتبر الموسوي في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "تحرك الصدر المقبل بشأن إغلاق السفارة مرهون به وهو سيتخذ ما يراه مناسبًا للأوضاع بشكل عام".
أما رئيس المركز العربي- الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، أحمد الياسري، رأى أنّ زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، يريد وضع الإطار التنسيقي بمساحة الحرج السياسي بطلبه غلق السفارة الأمريكية لدى العراق، مبينًا أنّ "الإطاريين كانوا يصدرون صراعهم مع التيار على أساس صراع مبدئي، يخص المقاومة ووجود الأمريكان، لكن الصدر يريد إسقاط تلك الأوراق".
ويقول الياسري لـ"ألترا عراق"، إنّ "الصدر ينظر للأحداث الآن بعد مغادرته فكرة الاستحقاقات في المرحلة المقبلة وأهمها انتخابات مجالس المحافظات وهذا يجعل من ظهر الإطار التنسيقي مكشوفًا للجماهير مع اقتراب الحكومة الأمريكية برئاسة بايدن من الإسرائيليين وعدوانها على الفلسطيين الذي استفز مشاعر العراقيين".
ويرى الياسري أنّ "رفض الإطار لغلق السفارة الأمريكية يضيق عليهم مساحة الإحراج ليس أمام العراقيين فقط، بل أمام جماهيرهم وجماهير القوى الشيعية وهو ما قد حققه الصدر من طلبه".
وأشار الياسري إلى أنه "لن يكون هناك مصلحة ستتحقق من إغلاق السفارة الأمريكية للعراق، لأن الأخير بحاجة الدعم الأمريكي أمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا، ولذلك يجب خلق حالة من التوازن بوجود داعم يعوض الوجود الأمريكي من خلال حلف مع الصين أو روسيا كي يضغط العراق على الجانب الأمريكي كما فعلت السعودية التي تمتلك مؤهلات اقتصادية عالية، بينما العراق يعتبر من قوى الطاقة المؤثرة لكنه لا يمتلك المؤهلات الأخرى من الأدوات والاستقرار السياسي الداخلي الذي يؤهله الآن لقطع العلاقة مع أمريكا".
واستدرك الياسري بالقول: "لكن بالمستقبل يمكن تحقق ذلك للعراق بحال أصبح قوة محورية وقراره مستقل في المنطقة، وتوفر أكثر من مرجعية على مستوى الصعيد السياسي، وبعكسه، فإغلاق السفارة أو قطع العلاقة مع الولايات المتحدة يمثل ضربًا للمصالح العراقية، ولهذا، فإنّ دعوة الصدر لا يمكن للإطار تحقيقها".
رأى مراقبون أن الصدر في طلبه غلق السفارة الأمريكية أسقط أوراق الإطار التنسيقي في تصديرهم على أن صراعهم معه هو "مبدئي من أجل المقاومة"
وأوضح الياسري أنّ "التفاعلات داخل العراق مرتبطة بما يحدث في غزة، حيث إذا اتسعت دائرة الحرب هناك ستزداد رقعة الرد الأمريكي والدعم لإسرائيل"، مبينًا أنّ "الجميع الآن ملتزم بقواعد الاشتباك، خاصة في العراق رغم وجود استهداف للقواعد الأمريكية لكنها تمثل رسائلًا، ولم تصل لمستوى تصعيد مرتفع لكون الإطار التنسيقي يريد ضبط البوصلة وعدم إعلان المواجهة الكاملة بحصوله على مكاسب سياسية كبيرة لا يريد التضحية بها من أجل أحداث خارجية".
وأشار الياسري إلى أنّ "الإطار التنسيقي لو كان بفترة حكومة مصطفى الكاظمي، وحدث ما يحدث في فلسطين الآن والتطورات في العراق، لكان موقفه قد تغير لأنه سيرغب بتحقيق مكاسب خارجية، خاصة بعد تعرضه لخسارة في الانتخابات التي لم تأت بنتائج تعكس تطلعاته في حينها".
لكنّ رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، رأى أنّ زعيم التيار الصدري قد تحرك مبدئيًا وبشكل فعلي لإغلاق السفارة الأمريكية عبر تظاهراته المليونية التي دعا لها في ساحة التحرير وإثبات وجود قوته، مبينًا أنّ "المواقف المتتالية تؤكد بما لايقبل الشك إلى اضطراره لاتخاذ فعل سياسي أكبر من الاحتجاج بعد دعوته الحكومة والبرلمان وعدم الاستجابة لها".
وقال الشمري لـ"ألترا عراق"، إنّ "عدم تعاطي الحكومة والبرلمان مع دعوة الصدر لغلق السفارة الأمريكية قد يدفعه لاتخاذ خطوة جديدة بينها الاعتصام المفتوح، بل وربما قد يندفع ولا يكون الاعتصام بهدف التواجد في الشارع بقدر ما سيكون اتجاهًا لكشف حقيقة الطروحات السياسية والشعارات التي رفعها الإطار التنسيقي وبعض فصائل المقاومة بشأن القضية الفلسطينية والأحداث في غزة".
وأشار الشمري إلى أنّ "الصدر لن يذهب باتجاه ذات السيناريو الذي اتخذته بعض الفصائل والقوى السياسية في السابق باقتحام السفارة الأمريكية، لأن هناك حدود لهذا الجانب قد يدفع الحكومة والبرلمان لاتخاذ إجراءات بحق أي طرف سيقوم بذلك".
وبحسب الشمري، فإنّ "إغلاق السفارة الأمريكية له تبعات على الداخل العراقي، حيث سيدفع باتجاه غلق كل مقار البعثات الدبلوماسية الأجنبية وحتى العربية، وبالتالي سيصبح العراق في عزلة كبيرة".
وبالنسبة للشمري، فإنّ "خصوصية السفارة الأمريكية حيث لديها بعد استراتيجي وأمني واتفاقية بين البلدين، ولهذا، فالعراق بإغلاقها سيخسر جهدًا دوليًا حصل عليه بالملف الأمني الذي يمكن تعريضه للخطر كما هو حال الملف الاقتصادي وأمواله المودعة لدى البنك الفيدرالي الأمريكي".
رأى مراقبون أن عدم تعاطي الحكومة والبرلمان مع دعوة الصدر لغلق السفارة الأمريكية قد يدفعه لاتخاذ خطوة جديدة بينها الاعتصام المفتوح
ولفت الشمري إلى أنّ "واشنطن تسيطر على الدولار الذي يأتي للعراق ويمكنها النظر بعدائية للعراق، ما سيجعله يتأثر بقوة من الناحية الاقتصادية بحال إقدام أي طرف على المساس ببعثاتها ومصالحها في الأراضي العراقية".