يتجدد الجدل كل عام في ذكرى غزو العراق من قبل القوات الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة، إذ يصادف اليوم 9 نيسان/أبريل الذكرى العشرين لسقوط العاصمة بيد الاحتلال.
حصد العراق أزمات كبرى بعد العام 2003 كان الدستور من بينها
سنوات مرت والأزمات تتعاقب على البلاد، بين السياسة، الاقتصاد، الأمن، المياه، فضلًا عن الطائفية والاقتتال والحروب والتدخل الخارجي، وغير ذلك.
ومن بين متغيرات، العام 2003، كان الدستور الذي كُتب بعد سنتين من سقوط نظام صدام حسين، على يد مجموعة من السياسيين والخبراء بإشراف أمريكي.
ثلاثي الدستور
مع حل مؤسسات الدولة ودستورها، سعت ثلاث جهات ليصاغة الدستور الجديد "كدستور دائم في العراق لمرحلة انتقالية"، بحسب أحد أعضاء لجنة كتابة الدستور، البروفيسور نديم الجابري.
أولى الجهات كانت الإدارة الأمريكية، والثانية هي التحالف الكردستاني (الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني)، "الساعي لتحقيق أهدافه بانفصال كردستان وضمان حقوق الأكراد"، والجهة الثالثة هي "التحالف الشيعي الذي سعى لاغتنام الفرصة وتثبت قدمه في هرم السلطة"، على حد تعبيره الجابري.
وحول أجواء كتابة الدستور، يضيف الجابري في حديث لـ"ألترا عراق"، "كانت مهمة كتابة الدستور في ذلك الوقت صعبة للغاية نتيجة الظروف المحيطة بها وضعف العقلية التأسيسية للإدارة الأمريكية الراعية للعملية برمتها في العراق، بالإضافة لقلة الخبرة لدى القوى السياسية الصاعدة".
اختلالات: غياب سني ورئاسة غير متخصصة
جملة من "الاختلالات" رافقت الدستور العراقي الذي أُقر عام 2005، أولها "رئاسة لجنة كتابة الدستور" بحسب العضو فيها نديم الجابري، إذ لم تكن الرئاسة "من ذوي الاختصاص بالقانون الدستوري"، كما أن "أغلب الأعضاء هُم من جهات سياسية ولا يعرفون بالقانون الدستوري أيضًا".
غاب ممثلو المكون السني عن كتابة الدستور ولم تكن رئاسة اللجنة متخصصة
هذه العوامل أسفرت عن أزمات من بينها "عدم دقة في اللغة [التي] جاءت بمصطلحات ومفاهيم غير واضحة مثل الكتلة الأكبر بالمادة 76 والأغلبية المطلقة الواردة في مواد عدة وأبعاد مختلفة".
أما القصور الآخر في كتابة الدستور، والحديث للجابري، "تمثل بغياب المكون السني"، إذ حتى بعد إضافة 15 عضوًا منهم في وقت لاحق "لم يكن لهم حق التصويت وهم من مكون أساسي" لذلك إذ تم "حرمانهم من حق التصويت لكونهم تعينوا من خارج المجلس التشريعي"، فالأجواء كانت تسودها "نزعة ثأرية وشكوك متبادلة لدى القوى السياسية أسست لقواعد الخلافات والفرقة بدل أن يكون عمل لجنة كتابة الدستور وفق التوافق الوطني والأمن والسلم المجتمعي".
"تقوقع" قومي
ومن الأخطاء التي رافقت كتابة الدستور أيضًا، "كانت منح العلوية لسلطات إقليم كردستان على حساب السلطة الاتحادية وهذا مبثت في الباب الرابع من الدستور، في حين اُهدرت حقوق المكون التركماني والمحافظات الاتحادية الأخرى مقارنة بالإقليم"، بحسب الجابري.
وفي الباب الرابع من الدستور، أقر "إقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليمًا اتحاديًا"، كما أنه أعطى لسلطات الإقليم "الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية" وكذلك الحق في "تعديل تطبيق القانون الاتحادي في الإقليم، في حالة وجود تناقض أو تعارض بين القانون الاتحادي وقانون الإقليم بخصوص مسألةٍ لاتدخل في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية".
قال عضو لجنة كتابة الدستور إن اللغة الكردية فُرضت أسوة بالعربية والدستور أعطى لكردستان سلطات علوية على السلطات الاتحادية
ويضيف السياسي نديم الجابري: "كما كان فرض استخدام اللغة الكردية أسوة بالعربية بمثابة التقوقع القومي حول الذات في المادة الرابعة وهو ما عزز النزعة الانفصالية لدى المكون الكردي وأسفر لاحقًا عن مصطلح المناطق المتنازع عليها الذي هو أصلًا موجود بالقانون الدولي ويمثل الحدود السياسية لدولتين أو ثلاثة بينها نزاع ولا يمكن تطبيقه على الشأن المحلي بين المحافظات وإقليم كردستان".
ونصت المادة 4 من الدستور العراقي على أن "اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق".
نظام مكونات لا ديمقراطية
العديد من المشاكل التي يشخّصها باحثون في الدستور العراقي، لعل أبرزها ما ذكره نديم الجابري، وبالتالي، لم يجد العراق بعد العام 2003 "نظامًا سياسيًا ديمقراطيًا، بل وجد دولة تأسست على أساس المكونات".
فالديمقراطية - والحديث لعضو لجنة كتابة الدستور - فكرتها تتمثل بوجود أحزاب مدنية وفرص متكافئة وتوزيع عادل للثروات، لكن ما يجري الآن هو تحفظ الأحزاب على مبادئ الديمقراطية باستثناء الآلية التي تجري بها الانتخابات وهي لا تجري بالشكل السليم أيضًا".
وتشهد الانتخابات في العراق مقاطعة كبيرة من قبل المواطنين، تصل في بعض الأحيان إلى ما نسبته 80 بالمئة ممن يحق لهم التصويت.
بدأ النظام العراقي يتهاوى لحصول التغيير من الخارج وفقد المواطن الثقة به وبات يرى ديكتاتورية في كل مفاصله
أدى التأسيس على هذا النحو إلى أن "النظام السياسي الحالي بدأ يتهاوى ودفع المواطن لفقدان الثقة به، كما لم يعد يؤمن بالديمقراطية ويرى الديكتاتورية تطبق في كل المفاصل، مثل ضياع صوته الانتخابي"، وذلك "نتيجة واضحة لحصول التغيير في 2003 من الخارج وليس الداخل"، كما يؤكد الجابري.
نجح نسبيًا ثم فقد قدرته
يرى عضو لجنة كتابة الدستور نديم الجابري، أن الدستور العراقي "بكل ما فيه نجح بشكل نسبي في تنظيم العملية السياسية من 2006 إلى 2010 بوجود الصراع حول السلطة والنفوذ".
لكن الدستور بدع ذلك "أصبح غير قادر على تنظيم العملية السياسية خاصة في 2010 إلى 2018 لتحول الصراع إلى اجتماعي بالاستحواذ على الأرض والإنسان، ما يستوجب وجود التعديلات الجوهرية في الوقت الحاضر والمستقبل لضمان الاستقرار".
فقد الدستور قدرته على تنظيم العملية السياسية في 2010 إلى 2018
وبين الحين والآخر، تُطرح فكرة التعديل على الدستور، خصوصًا حين تتفاقم الأزمات الناجمة عن بعض فقراته، من أبرزها تفسير الكتلة الأكبر التي تشكّل الحكومة بعد الانتخابات.
وقبل عام، اعترف رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان ذاته بـ"مخالفة المحكمة الاتحادية بشكل صريح للدستور، عبر بقاء رئيس الجمهورية في منصبه لحين انتخاب رئيس جديد" وأكد "ضرورة تعديل النص الدستوري الوارد في المادة (64/أولًا)".
كذلك فعل رئيس اللجنة القانونية النيابية حاليًا، محمد عنوز، حين قال إنّ الكثير من النصوص الدستورية كانت مصدرًا للأزمات في العراق.
دستور العراق جامد
ومن بين أكبر المشاكل في الدستور هي "إحالة النصوص الدستورية إلى القوانين العادية، بوجود أكثر من 50 مادة دستورية تحال إلى تشريع قانوني في حين يجب تثبيتها في الدستور"، بحسب عضو لجنته نديم الجابري.
يعتبر الدستور العراقي من الدساتير الجامدة التي يصعب تعديلها
وفي مطلع العام 2023، كلّف رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني، حسن الياسري مستشارًا للشؤون الدستورية، بهدف "رسم ملامح خارطة طريق لإجراء التعديلات الدستورية المطلوبة" استنادًا إلى "اتفاق الكتل السياسية حول الحاجة إلى إجراء تعديلاتٍ دستوريةٍ" و"تجنبًا لتكرار حالات الانسداد السياسي التي حصلت بمراحل مختلفة، خصوصًا في الفترة الأخيرة"، في إشارة إلى أزمة التيار الصدري والإطار التنسيقي.
وقبل عامين، أعلن إسماعيل الحديدي، مستشار رئيس الجمهورية آنذاك برهم صالح، إنجاز جميع المقترحات الخاصة بتعديل الدستور.
مقترحات عديدة لتعديل الدستور "مُختلف عليها"، فالحاجة الحالية بحسب وجهة نظر البعض هي "تعديلات طفيفة"، بينما يدعو آخرون إلى "إلغاء الدستور ونتائجه التي أسفرت عنه منذ تشريعه". أما الرأي الثالث الذي يراه نديم الجابري "الأصح"، فيتمثل "بالعمل على تعديلات جوهرية تنهي الجدليات الموجودة في الدستور".
لكن الدستور العراقي، بحسب الجابري، ليس من الدساتير "المرنة التي تتيح إمكانية إجراء التعديلات عليها وعبر طرق سهلة وهي اشتراط موافقة أغلبية البرلمان وموافقة الحاكم كما هو الحال في الأنظمة الاستبدادية"، بل هو من النوع الثاني، أو "الدساتير الجامدة"، التي اتخذها العراق نموذجًا، وهي "تشترط موافقة أغلبية ثلثي البرلمان والرجوع للشعب للتعبير عن رأيه باستفتاء ناجح، فضلًا عن وجود إجراءات الطعن بالتعديلات المتاحة فيما بعد ضمن الأسس الديمقراطية والتوافقية".