12-أبريل-2023
الدين

لا يمكن أن يكون شرط الوجود هو الكراهية (تعبيرية/Getty)

كيف نفهم شخصًا يهاجم الإلحاد بشراسة وهو ينطلق من أفق غاطس في كراهية الآخر الذي يشاركه نفس الدين؟ ماذا نفسر نفور جميع المذاهب الإسلامية من الإلحاد، على سبيل المثال وليس الحصر، في حين لا يدل السلوك العملي لكثير منهم على محبة الله؟

حتى أن الكثير منهم ربما يعتبر الكتابة عن مخاطر الإلحاد من الواجبات. وأيًا ما يكن الأمر، فالمسلمون بعمومهم يواجهون خطر الإلحاد الذي يهدد عقائدهم بالتثقيف والحجاج والاستدلال بالطرق المسموعة والمرئية والمكتوبة.

الظاهرة الشهيرة بين عموم المذاهب الإسلامية هي نفورهم الشديد من بعضهم البعض لدرجة التكفير

معلوم ثمة جهود أكاديمية بخصوص هذا الشأن تندرج في عداد الحجاج الفلسفي؛ فحين يتصدى باحث فلسفي مرموق، مثل الطيب بو عزة على سبيل المثال، ويكتب عن الإلحاد فهو يمارس دوره الفلسفي والإيماني وينطلق من إيمانه العميق بمفهوم الاختلاف والمثاقفة.

لكن حين يمارس هذا الدور تكون جعبته فارغة تمامًا من كراهية الآخر المذهبي، وينطلق من دوافع صادقة، وجهده الأكاديمي وندواته الفلسفية المستمرة يدلان على ذلك. إنه صادق مع الله والدين ولا يرى الله محصورًا في زاوية مذهبية، ولا توجد صكوك غفران خاصة بمذهب معين.

المهم في الأمر، إن دفع شبهة الإلحاد لها نشوتها الخاصة، حتى أن السلفيين، على وجه الخصوص، يتطاولون بأعناقهم وهم يرون الداعية الإسلامي "ذاكر نايك" كيف يطيح بخصومه بأسلوبه اللبق.

 لنأخذ ظاهرة شهيرة بين عموم المذاهب الإسلامية وهي نفورهم الشديد من بعضهم البعض لدرجة التكفير. لقد أجمعت المذاهب الإسلامية كراهية بعضها البعض وأضحت هذه الحقيقة غير قابلة للنقاش، بل حتى الجنة مشروطة برضا هذه المذاهب، وحين تريد الدخول للجنة، فما عليك سوى المصادقة على هذا المذهب أو ذاك لكي يرضى عنك الله، وبخلافه فستنال سخطه، وتذهب أعمالك سدى.

يشترط المذهب الشيعي ولاء الإمام علي لضمان الجنة، والقصة معروفة. لا أعمال دينية يمكنها أن تشفع لك ورطة التفريط في ولاية علي بن أبي طالب، وللسلفيين شروطهم أيضًا؛ فينبغي عليك ألّا تلقي السلام على"رافضي"، بل يجب الاستفتاء حول تلك "الورطة". وقد شاهدت مقطعًا مصورًا لرجل يستفتي أحد رجال الدين السلفيين عن شرعية الزواج من "رافضية"، وتهمة "التشيّع" بين المذاهب الدينية كفيلة بأنْ تلحق بك العار طوال حياتك.

في أحد اللقاءات طلب مقدم البرنامج من المقرئ العراقي الشهير وليد الفلوجي أن يسمعه شيئًا عن رثاء الإمام الحسين، وقبل أن يقرأ الفلوجي بصوته الشجي الحزين، نوّه على أن من الممكن أن يفهمه الآخرون فهمًا خاطئًا ويتهمونه بالتشيّع، لذلك كان عليه أن ينوّه لتلك الشبهة قبل الشروع بالقراءة! بيد أن مقدم البرنامج استدرك سريعًا ليوضح بديهة دينية وهي أن الإمام الحسين لجميع المسلمين وليس للشيعة وحدهم.

هكذا، يمكن لأي مذهب من المذاهب الإسلامية أن يقرر مصير المذاهب الأخرى. وتلك الدوّامة يستمتع بها المسلمون، بحيث تجد رواجًا منقطع النظير بين عموم العاطلين عن العمل، وذوي الاضطرابات النفسية، هؤلاء الذين يطلّون علينا من الميديا بوجوههم الشاحبة وبملامحهم التي أتعبتها الكراهية، ويوجهون الناس عن المذهب المناسب لدخول الجنة.

يبدو أن شرط الوجود عن عموم هذه المذاهب السعيدة هو الإجماع على الكراهية. إضفاء معنى لوجود الإنسان لا يتحقق بالقرب الروحي لله عن طريق الحب؛ ينبغي عليك أولًا وقبل كل شيء أن تعلن ولاءك المطلق للكراهية قبل أي ولاء، لماذا؟ لأنها المحرك الوحيد الذي يضمن اتساع رقعة الجمهور والثبات على الإيمان.

 إن الحب، لا سمح الله، يرقق قلبك نحو التسامح، و قد يكشف لك أفقًا طالما كان محجوبًا في ذاكرة الطائفيين وهو الاعتراف بالآخر. أكثر من ذلك، الانفتاح على الله بمحبة خالصة يلطف القلب لدرجة الإيمان بحق الاختلاف كقيمة وجودية. فهذه مشكلة كبيرة، إذ ماذا يبقى لتجار صكوك الغفران؟ لا يبقى سوى إضفاء المعنى والقيمة التي يعززها الدين، وهذا ما لا يرتضيه السلفيون بإطلاق. إنهم يجهدون أنفسهم لإعلاء راية الكراهية كشرط "وجودي" أصيل، وما عداه ليس واجبًا.