30-يونيو-2024
رحلات الى الدوحة

هناك أبوية سياسية في العراق تستند على التوافقات السياسية (فيسبوك)

يعاني العراق منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، من أزمة غياب أبوية المؤسسات التي تتأطر فيها الاختلافات المذهبية والقومية، مع حضور الأبوية السياسية التي تنشط الهويات الفرعية والفردية السلطوية، على حساب الهوية الوطنية عبر منطلقاتها الأيديولوجية.

تستند الأبوية السياسية على التوافقات السياسية التي تعرقل عمل  المؤسسات وتقوض شرعيتها

بدأت ملامح الأبوية السياسية في النظام السياسي خلال العهد الملكي، مع وجود توجه لبناء بعض المؤسسات التي تعطلت مع العهد الجمهوري الأول والعهود التي تلت بترسيخ الأبوية السياسية، وبعد عام 2003 هيمنت الأبوية السياسية على النظام السياسي العراقي بنهجها العقائدي سواء أكان مذهبيًا أو قوميًا، وكان ذلك عبر الأحزاب السياسية التي رسخت هذا النهج عن طريق النصوص الدستورية للدولة العراقية، وهذا نتاج طبيعي لغياب أبوية المؤسسات، التي تعمد نظام ما قبل عام 2003 على تعطيلها وإبدالها بأبوية الفرد، الذي رسخ هذه الثقافة في المناهج الدراسية وجميع مفاصل الدولة.

تستند الأبوية السياسية على التوافقات السياسية التي عرقلت عمل  المؤسسات وبعض الأحيان قوضت شرعيتها، حتى أصبحت غير قادرة على استيعاب التحديات التي يمر بها النظام السياسي، فمثلاً في عام 2010 وعقب الانتخابات البرلمانية، مارست الأبوية السياسية ضغوطها على المؤسسات لتفسير المادة 76 من الدستور المتعلقة بالكتلة الأكبر بما يتفق ومصالحها، بشأن تشكلها قبل  نتائج الانتخابات أم بعدها، ومع ذلك؛ تستطيع كتلة نيابية واحدة من تشكيل الحكومة إلا عبر اتفاق أربيل الذي تم بموجبه توزيع السلطة بين الكتل السياسية المكوناتية، ومنذ هذا التفسير؛ لم تعد الكتلة التي تحصل على أغلبية المقاعد  بعد نتائج الانتخابات من تشكيل الحكومة، وهو ما حصل في انتخابات 2014، و2021، أما في انتخابات 2018، فقد عطلت الأبوية السياسية النص الدستوري المتعلق بالكتلة الأكبر في مخالفة واضحة للدستور.

لذا، فإنّ التحديات التي تواجه بالنظام السياسي كثيرة، والسكوت عنها يهدد المجتمع الذي يعاني بالأساس من التفكك، ومعالجتها يتطلب الركون إلى أبوية المؤسسات التي تعرض فيها الآراء ولا تفرض، وتحدد المصالح لجميع أفراد المجتمع لا مصالح فئة معينة، فضلاً عن ذلك، يمكن عبرها إعادة الثقة بالنظام السياسي عبر الخيار الانتخابي، وشعور الناخب بأن خياره لن يذهب عبر توافقات الأبوية السياسية، بل يبقى محفوظًا تعكسه المؤسسات الراعية، والتي حتمًا ستكون بلا لون مذهبي أو قومي أو عرقي، كما أن في أبوية المؤسسات يمكن أن تعالج التحديات المثيرة للجدل، والتي قد تهدد الاستقرار السياسي والمجتمعي الهش، ولعل أهم هذه التحديات: قضية الانسحاب الأميركي من العراق، إذ أصدر البرلمان العراقي قرارًا بالانسحاب بتصويت القوى السياسية الشيعية وامتناع القوى السياسية السنية والكردية، ولو كانت لدينا أبوية المؤسسات، لما حصل هكذا خلاف يتعلق بمستقبل العراق، على أساس أن المؤسسات تعطي رأيًا فنيًا لا يخضع لمصالح واعتبارات سياسية.

ويمكن  تعزيز أبوية المؤسسات عبر قرارات وقوانين، وأهم هذه القوانين: هو القانون الانتخابي الذي لا بدّ أن تتم صياغته بالشكل الذي يعزز هذه المؤسسات، وليس كما هو حاصل  في خدمة الأبوية السياسية، وهذا يتطلب في واقع الأمر إيجاد أحزاب سياسية تأخذ على عاتقها القيام بهذه المهمة، والبحث عن هذه الأحزاب، سواء من ناحية التأسيس الجديد أو تغيير توجهات بعض الأحزاب المرنة، وفي كلا الحالتين، يتوقف هذا على النخب المتنفذة في هذه الأحزاب، ووجود رأي عام داعم لفكرة الأبوية المؤسساتية.