01-أغسطس-2024

قد تنذر بتفكيك النظام السياسي في العراق (فيسبوك)

مقدمة:       

 يعاني  النظام السياسي العراقي من  ثنائية معقدة، تتمثل بثنائية التمثيل وفرض الإرادة، وهي قد تنذر بتفكيك النظام السياسي.. هذه الثنائية ليست وليدة اللحظة، بل مرادفة منذ تأسيس النظام، إذ تكمن خطورتها في حدتها وتأثيرها على البنية السياسية والاجتماعية والدينية في المكون الواحد، وهي بهذا تفسح المجال لمزيد بين التشظي والصراع، وهو ما حصل في أحداث المنطقة الخضراء، والصراع المستمر بين "القوى السنية"، على منصب رئيس البرلمان، وقبلهما صراع الأحزاب الكردية بعد أزمة الاستفتاء عام 2017.

أزمة التمثيل وفرض الإرادة في المكون السني 

بدأت ملامح أزمة التمثيل بين الأحزاب السياسية السنية  بعد عام 2018، وتجذرت  بشكل عملي بعد الانتخابات البرلمانية في عام 2021، واصطفاف الكتل السياسية السنية بن محورين، محور الحلبوسي - الخنجر محور أحزاب الحسم والعزم، وازدات حدة الأزمة بعد إقالة الحلبوسي من رئاسة البرلمان، ومحاولات  فرض إرادة كل طرف على الآخر في تمرير مرشحه لرئاسة البرلمان، وهو ما امتد لتقديم التنازلات إلى الأطراف الشيعية والكردية في المواقع الحكومية المحلية وما تزال هذه الأزمة قائمة. 

فرض الإرادة هنا وإن كان عنوانه العام فرض إرادة الشخوص؛ إلا أنه يتعلق أيضًا بفرض منهج، وهنا نشير إلى صراع بين اتجاه مدني ليبرالي محافظ، واتجاه إسلامي تقليدي يحاول عبر عناوين مختلفة إعادة نفوذه داخل المكون، الذي سبق وأن سيطر على سياساته قبل أزمة "داعش". واستمرار هذا الصراع قد يدفع بعض الأطراف بمحاولات تسريبه إلى القواعد الاجتماعية، سواء أكانت دينية، وهو الصراع بين التيار السلفي والصوفي الذي بدأت ملامحه تظهر إلى العلن، أو عشائرية يتمثل بصراع الوجاهة داخل العشيرة الواحدة.   

 أزمة التمثيل وفرض الإرادة في المكون الشيعي

عبرت انتخابات 2021 عن صورة واضحة عن أزمة التمثيل على المستوى السياسي الشيعي، عبر فرض الإرادات بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، بين إرادة صدرية عملت على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، مستثنى منها بعض قوى الإطار التنسيقي، التي ترى بوجوب تشكيل حكومة توافقية تستوعب الجميع، ويأتي هذا الصراع عبر اعتقاد التيار بأنه من يمثل "الأغلبية الشيعية"، بيد أنه لم يستطع تشكيل الحكومة بعد وجود الثلث المعطل، الذي جعل الصدر ينسحب من العملية السياسية واستقالة أعضاء كتلته البرلمانية. إلا أنه عاد من جديد عبر التيار الوطني الشيعي الذي حث أعضاء البرلمان على تشريع عيد الغدير، وهو ما حققه له خصومه من الإطار في البرلمان، خشية أن يحتكر التيار الإرادة الشيعية،  وهي الخطوة التي جعلت  التيار الصدري يسوق فكرة أن يكون صاحب التمثيل والإرادة الشيعية الوحيدة عبر لقاءاته المتكررة مع المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، الذي يرفض لقاء السياسيين منذ سنوات، وربما يريد الصدر من هذه اللقاءات كسب مزيد من القواعد الاجتماعية غير المقلدة لتياره.

واستمرار هذه الثنائية في المكون الشيعي قد يدفع نحو مزيد من الصراع بين الأطراف السياسية، وربما يمتد هذا الصراع إلى القواعد الاجتماعية التي تشهد بين الحين والآخر صراعًا عشائريًا تستخدم فيه الأسلحة الثقيلة، ولاسيما اختراق بعض الأطراف السياسية للبنية العشائرية، وقد نجحت في تأسيس زعامات عشائرية وفق علاقة المصلحة والمنفعة المتبادلة على غرار الأحزاب السنية. 

أزمة التمثيل وفرض صراع الإرادة على المستوى الكردي 

صراع فرض الإرادة بين الأطراف الكردية ليس جديدًا في عراق ما بعد 2003، إلا أن حدته خفت بعد ذلك العام وحتى عام 2018؛ إذ كانت الأطراف الكردية تتصارع بينها داخل حكومة الإقليم، ويختفي هذا الصراع أمام المركز في بغداد، وهذه الاستراتيجية قد جعلت من هذه الأطراف بيضة القبان في تشكيل الحكومات الاتحادية، وتفرض شروطها وتمرير القوانين التي تخدمها، مثل: قانون الموازنة الاتحادية التي يأخذ الإقليم حصته منها، دون أن يعطي شيئًا للحكومة الاتحادية من الإيرادات النفطية وغير النفطية، بعد عام 2018 انتهت هذه الاستراتيجية وتصاعد صراع الإرادة بينها بشأن تمثيل الكرد، حتى وصلت إلى مستوى اتهام الأطراف الكردية لبعضها البعض بالخيانة.

واستمر هذا الصراع في ملف اختيار رئيس الجمهورية الذي كان وما يزال من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني، والذي عبره يرى الحزب أن وجوده في هذا الموقع يعني الأحق في تمثيل المكون الكوردي داخليًا وخارجيًا، ويبدو أن الحزب الديمقراطي الكردستاني ، كان يصر على أن يكون موقع وزارة الخارجية من حصته للغرض ذاته، وبما أنه لم يحقق من هذا الموقع ما يريد، حتى أخذ يصارع على موقع رئاسة الجمهورية، لذا فإن  جوهر هذه الأزمة يكمن في تمثيل الكرد داخليًا في مناطق الإقليم وخارجيًا، وهو ما يتيح له فرض الإرادة بما ينسجم مع تحقيق مصالحه.

خاتمة 

هذه الثنائية أوقعت النظام السياسي في أزمات كثيرة لم تستطع القوى السياسية تفكيكها وحلها، وإنما اعتمدت على أسلوب ترحليها، حتى أصبحت مهددة للاستقرار السياسي والاجتماعي بغياب التوافق السياسي، وما يبدو واضحًا في ملف تشكيل حكومتي ديالى وكركوك المحلية بعد مرور ستة أشهر من إجراء الانتخابات المحلية، على الرغم من ذلك لم تستطع القوى السياسية من عقد جلسة واحدة لاختيار المحافظين، أو مباشرة الأعضاء الفائزين في المجلس، نتيجة الصراع الشيعي الشيعي في ديالى، والصراع الكردي الكردي في كركوك.