لم يتمكَّن معظم الّذين عارضوا نظام ما قبل عام 2003، وأخصُّ بالذكر منهم دعاة الإسلام السِّياسي، مِن إخفاء "تأثُّرِهم" المباشر بأساليب القمع السِّياسي والاجتماعي الّذي مُورِسَ ضدهم مِن قِبَل حزب البعث العربي الاشتراكي. وقد تبيَّن ذلك بشكل جلي للشعب العراقي والعالم بعد أن سَلَّمت الولايات المتحدة الأمريكية العراق وشعبه وموارده على طبقٍ من ذهب لإيران وأدواتها السِّياسيَّة والعسكرية من العراقيين، بغزوٍ لم تكن كواليسه خفيةً على النظام الإيراني الّذي تلقى هذه المبادرة التي اِستباحت تأريخ العراق وحاضره ومستقبله، على أنَّها ثمن كان على الشَّعب العراقي دفعه عاجلاً أم آجلاً لأسباب تاريخية بحتة وأقربها: ثأر حرب الخليج الأولى بين البلدين (1980-1988م).
شبح حزب البعث تسبب لمعارضيه بالوهواس القهري رغم سقوطه إلى غير رجعة منذ عقدين
إنَّ العقليَّة التي اِتَّكلَ عليها مُعظم مَن حَكم العراق بعد الاجتياح الأمريكي الإيراني هي عقليَّة المُنتَقِم. الانتقام من أجل الانتقام. أمّا الديمقراطية التي أكلوا رؤوسنا بها في المنفى، فلا تعدو كونها طُعم مُمهِّد لافتراس الشَّعب الّذي قُدِّرَ له أن يكون ذرَّة رمل في عواصف السُّلطات المتعاقبة. وصفَ "جورج أورويل" هذي الزُّمرة وأشباهها، بقوله إن "السِّياسيين والحكام كالنملِ الَّذي يرى الصغائر ولا يرى الكبائر"، فما أن تُتاحَ فرصة لدعاة الإسلام السِّياسي المتمركز في المنطقة الخضراء وشبيهاتها لسقي العراقيين السُّم إلّا ويستغلونها بكلِّ ما أوتوا من تأثُّرٍ بقامعهم القديم، وأشد من ذلك بدرجاتٍ لا تُحصى. وحمّامات الدم التي حدثت في التظاهرات الشعبية في 2011- 2015- 2018 وآخرها في احتجاجات تشرين 2019، دليل حيّ ودامِغ على ما ذُكِر.
أن تُدار الدولة بعقليَّة المُعارِض المُنتَقِم لا الحاكم العادل هو أحد أهم أسباب فشل وعدم جدوى فِكر الإسلام السياسي منذ 2003 حتى الآن. فشبح حزب البعث العربي الاشتراكي قد تسبب لمعارضيه بالوهواس القهري، رغم سقوطه إلى غير رجعةٍ منذ عقدين. لكن في بعض الأحيان لا بد للسلطان من خلق شبح يطارده في مخيلته كي يستمر في البطش بكلِّ المعترضين عليه بحجة أنَّهم امتداد لذلك الشَّبح. وبذلك حُكِمَ على العقلاء أن تتسيَّدهم مجموعة من المعتلين نفسيًا ودينيًا.