انغمست الأطراف الحكومية في بغداد وأربيل خلال الأيام القليلة الماضية، بحرب كلامية وبيانات متبادلة يتهم كل طرف فيها الآخر بـ"التنصل" عن التعهدات وعدم الإيفاء بالالتزامات، بالرغم من الإعلانات المتتالية خلال الأشهر الماضية عن الاتفاق الذي وصف بـ"التاريخي" بين بغداد وأربيل تحت حكومة محمد شياع السوداني.
ما تنتظره بغداد من إقليم كردستان هي أموال 400 ألف برميل يوميًا من النفط فضلًا عن نصف الإيرادات غير النفطية
و"المعركة الكلامية" هذه، انخرط فيها متحدثون ومستشارون بحكومة السوداني، مقابل رئيس حكومة كردستان مسرور بارزاني وبعض أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفي خضم هذه المعركة، تطرح الأسئلة عن "الطرف المحق" فيها، إذ أن أصل المشكلة الحقيقية ما زالت غير واضحة، خصوصًا وأن كل طرف يدعي الالتزام بتعهداته ويتهم الطرف الآخر بالتنصل عنها.
وعلى سبيل المثال، يقول إقليم كردستان إنه التزم بجميع بنود قانون الموازنة والاتفاق السياسي وقام بتسليم بغداد كل ما يطلبه منه، إلا أنّ بغداد لم ترسل رواتب الموظفين أو مستحقات كردستان من الموازنة حتى الآن، بالمقابل، تؤكد بغداد أنّ إقليم كردستان "ليس له شيء" لدى بغداد، فما حصل عليه وما هو بذمته، يفوق حصته من الموازنة.
وتسبّب تصريح المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي الذي جاء فيه، أنه "لغاية نهاية شهر حزيران/ يونيو بلغت الأموال في ذمة كردستان أكثر من ثلاثة أضعاف حصة الإقليم، حسب الإنفاق الفعلي للدولة، في حين لم تسلم حكومة الإقليم الإيرادات النفطية وغير النفطية كما أوجب تسليمها قانون الموازنة الاتحادية"، وهو ما جعل الأزمة أكثر غموضًا من ذي قبل.
ويحاول "ألترا عراق"، تفكيك الأرقام المعلنة للوصول بالقارئ إلى صورة واضحة عما يجري من خلاف بين بغداد وأربيل.
"ما بذمة الإقليم 3 أضعاف استحقاقه".. كيف؟
ولتفكيك هذه المسألة، فإنّ ما تنتظره بغداد من إقليم كردستان هي أموال 400 ألف برميل يوميًا من النفط، فضلًا عن نصف الإيرادات غير النفطية، وفيما يخص الـ400 ألف برميل يوميًا، فيمكن احتسابها للأشهر الثلاثة الأولى، أي قبل أن يتم إيقاف تصدير النفط عبر ميناء جيهان في 25 آذار/مارس.
ما يعني أنّ حصيلة تصدير 400 ألف برميل يوميًا لمدة 84 يومًا من مطلع العام الحالي وحتى 25 آذار/مارس، وبمعدل سعر برميل يبلغ 82 دولارًا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، ستكون إيرادات الاقليم النفطية 2.7 مليار دولار، وما بعد هذا التاريخ، من المفترض أن تصدير الإقليم توقف بالكامل، ولم يتبق سوى الإيرادات غير النفطية، ويبلغ معدلها شهريًا أكثر من 250 مليار دينار، ما يشير إلى 1.5 تريليون دينار خلال 6 أشهر.
وبذلك تصبح إيرادات كردستان النفطية وغير النفطية خلال الـ 6 أشهر الأولى من العام، أكثر من 5 تريليون دينار عراقي، فضلًا عن أنّ ما أرسلته بغداد إلى الإقليم منذ مطلع العام الحالي يبلغ نحو 2.6 تريليون دينار، ليكون المجموع 7.6 تريليون دينار في ذمة الإقليم.
وبالمقابل، تبلغ حصة الإقليم من الموازنة 16.5 تريليون دينار عراقي، ما يعني أنّ حصة الإقليم خلال 6 أشهر من الموازنة تبلغ 8.25 تريليون دينار عراقي، ما يجعل تقدير العوادي بأن ما في ذمة الإقليم ثلاثة أضعاف حصته من الموازنة حتى حزيران/يونيو "أمر مستغرب".
لا خلافات حقيقية.. والأمر "انتخابي"
القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي كريم، "لا يفهم بالضبط" ما تتحدث عنه بغداد، مستغربًا من المقارنة التي أوردها المتحدث باسم حكومة السوداني، قائلًا إنّ "كل الأرقام وكل شيء أصبح بيد بغداد، فمن أين يأتي الإقليم بهذه الأموال التي تعادل ثلاثة أضعاف حصته؟".
ويضيف كريم في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنّ "كردستان سلم جزءًا من النفط إلى بغداد، لأن توقف تصدير النفط عبر تركيا هي ليست مشكلة الإقليم، مع ذلك فالإقليم مستعد لتسليم الـ400 ألف برميل نفط يوميًا كاملة إلى بغداد ولكنها هي من لا تستطيع تسلم هذه الكمية، لأنها لا تعرف كيف تصرفها".
أما فيما يخص الإيرادات غير النفطية، يشير كريم إلى أنّ "وفد ديوان الرقابة المالية كان في الإقليم واطلع على كل الأرقام والإيرادات النفطية وغير النفطية والإقليم مستعد لتسليم نصف الإيرادات غير النفطية وفق قانون الإدارة المالية بشرط أن يتسلم مستحقاته أولًا".
وحول نقطة الخلاف الحقيقية، يقول كريم إنه "لاتوجد نقطة خلاف واضحة، فجميع ما طلبته بغداد قمنا بالإيفاء به"، معتبرًا أنّ تلخيص جميع ما يجري هو أنه "متعلق بقرب الانتخابات المحلية القادمة، وأن ما يجري دعايات وإبراز عضلات وهنالك أطراف داخل الحكومة تقوم بذلك".
وفق تصريحات رسمية فإنّ إيرادات الإقليم خلال الأشهر الـ6 الأولى من العام الحالي بلغت 8 ترليونات و80 مليار دينار
وبالرغم من أن الاتفاق بين بغداد وأربيل ينص على تسليم بغداد 400 ألف برميل يوميًا، لكنّ الإقليم يسلم بغداد أقل من 80 ألف برميل يوميًا، وذلك بسبب توقف التصدير عبر ميناء جيهان، فضلًا عن تراجع إنتاج الإقليم، حيث لا ينتج الإقليم حاليًا سوى ربع الكمية التي تطلبها بغداد، حيث تشير التقارير المختصة إلى أنّ إنتاج كردستان في حزيران/يونيو الماضي بلغ 104 آلاف برميل يوميًا فقط.
عودة إلى الارقام
وبالعودة إلى الأرقام، كشف عضو اللجنة المالية النيابية معين الكاظمي عن جزء مما جرى في اجتماع مع وزيرة المالية طيف سامي فيما يخص مشكلة الإقليم، ونقل الكاظمي عن الوزيرة قولها إنّ "إيرادات الإقليم خلال الأشهر الـ6 الأولى من العام الحالي بلغت 8 ترليونات و80 مليار دينار "8.08" وهي عبارة عن إيراداتهم النفطية وغير النفطية من المنافذ"، مبينًا أنّ "حقيقة الأمر أنّ ما حصل عليه الإقليم أكثر من استحقاقهم".
وهذا الرقم يقارب ما توصل إليه "ألترا عراق" بالعملية الحسابية، والذي توصل إلى أنّ إجمالي إيرادات إقليم كردستان بلغت 7.6 تريليون دينار، لكنه يبقى لا يعادل ولا يفسر تصريح المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي بقوله إنّ "ما بذمة الإقليم ثلاثة أضعاف استحقاقه"، مع ضرورة الإشارة إلى أنّ أكثر من 35% من هذه الإيرادات تذهب كأجور تشغيل وإنتاج ونقل.
بدوره، يستغرب الخبير في القطاع النفطي وأستاذ الاقتصاد نبيل المرسومي من الأرقام الحكومية الصادرة من بغداد بهذا الشأن، ويشير في حديث لـ"ألترا عراق" إلى أنه "لا يعرف كيف حسبتها وزيرة المالية".
ويقول المرسومي إنه "حسب نشرة ديلويت لإيرادات نفط كردستان خلال الربع الأول من العام الحالي بلغت 2.2 مليار دولار الإيرادات الاجمالية، حصة كردستان منها بعد خصم تكاليف الإنتاج والنقل والتشغيل 965 مليون دولار فقط خلال 3 أشهر، أي ما يعادل تريليون و250 مليار دينار فقط".
وبعد ذلك ـ والكلام للمرسومي ـ "توقفت الإيرادات النفطية بعد توقف التصدير عبر ميناء جيهان التركي، ومن نيسان/أبريل أصبح التصدير فقط عبر الصهاريج وبكمية لا تتجاوز الـ 50 ألف برميل يوميًا، وإذا حسبنا هذا المبلغ سيكون مبلغًا قليلًا جدًا والواقع يشير إلى أنّ الإيرادات النفطية لا تتجاوز الـ2 تريليون خلال 6 أشهر، وإذا أضفنا 1.8 تريليون إيرادات غير نفطية، يكون المجموع أقل من 4 تريليون هي الحصة الصافية لكردستان خلال 6 أشهر"، مبينًا أنّ "هذا يحتاج إلى إيضاح من وزيرة المالية".
ويقول المرسومي إنّ "تكاليف الإنتاج تخصم من حصة كردستان لتكون حصته الصافية 16.5 تريليون دينار في الموازنة، والبرلمان أخطأ عندما حسب تكاليف إنتاج النفط لكردستان التي تعد عقودًا مشاركة وتبلغ كلفة الإنتاج والنقل 19 دولارًا بنفس طريقة وتكاليف الإنتاج في عقود العراق بالوسط والجنوب التي تعد عقود خدمة وكلفة إنتاج ونقل البرميل لا تتجاوز الـ10 دولارات".
واعتبر المرسومي أنه "لو كان هناك مستشارون اقتصاديون أكفاء في الإقليم، فيجب أن يدافعوا عن وجهة نظرهم، أما فيما يخص أرقام وزيرة المالية لا أريد أن أقول إنها غير دقيقة لكن لا أعرف أصلها ومن أين أتت".