لم تهدأ شوارع العاصمة بغداد خلال الأيام القليلة الماضية من الاحتجاجات الشعبية المستنكرة لحوادث حرق المصحف، حتى تعود مشاهد المظاهر المسلحة لتنتشر فيها وتحدث توترًا أمنيًا كاد أن يتسبّب بأزمة سياسية بين التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر والحكومة العراقية.
أظهرت مقاطع مصور انتشار عجلات مسلّحة فجر 24 تموز في بغداد وقرب المطعم التركي
وبدأت من برقية سرية تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية حول وجود "نوايا لمجاميع خارجة عن القانون" استهداف المنطقة الخضراء بنيران غير مباشرة خلال هذه الأيام، قبل أن تخرج قيادة عمليات بغداد وتنفي صحة هذا الكتاب جملة وتفصيلا.
بعدها، تداولت بعض المنصات تغريدة منسوبة إلى الصفحة الناطقة باسم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والمعروفة باسم "صالح محمد العراقي" تدعو عناصر سرايا السلام إلى الانسحاب من المطعم التركي المقابل لساحة التحرير وسط العاصمة بغداد، وتسليمه إلى القوات الأمنية.
وكذبت صفحة "التقنية من أجل السلام" المختصة بكشف الأخبار المزيفة على مواقع التواصل، صحة هذه التغريدة واعتبرتها "مزورة".
وأظهرت مقاطع فيديو تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي لعجلات قيل إنها تابعة لسرايا السلام في ساحة التحرير ومدينة الصدر شرقي بغداد، قابلها انتشار لقطعات من الجيش والشرطة الاتحادية قبل أن تنسحب بعد ساعات من التحرك.
ونفى مقربون من التيار الصدري، أن يكون لسرايا السلام ما سمي بـ"الانتشار المسلح"، معتبرين أنّ ما حصل في الشارع هو انسحاب وليس انتشارًا.
ويقول المحلل السياسي المقرب من التيار الصدري غالب الدعمي، إنّ "سرايا السلام لم تنتشر بسلاحها في الشارع أو بمحيط المطعم التركي وسط بغداد وإنما هم متواجدون في هذا المكان وجرى الانسحاب منه بعد التنسيق مع قوات الشرطة الاتحادية".
وأضاف الدعمي أنّ "التظاهرات الأخيرة التي أطلقها جمهور التيار الصدري، كانت تخص القرآن والاحتجاج على حرق المصحف في دول أوروبية، أي بمعنى أن تلك التظاهرات كانت عقائدية وليس لها صلة بالمشهد السياسي الداخلي".
وبينما ينفي الدعمي وجود أي موقف واضح للتيار من الحكومة الحالية، يؤكد أنّ "التيار غير داعم لحكومة السوداني ومنذ انسحابه من العملية السياسية لم يعطي موقفه الواضح من تلك الحكومة"، كما يعتبر أنّ صمت التيار الصدري لا يدل على "تأييده لحكومة السوداني أو بالضد منها".
ولفت إلى أنّ "التيار انسحب من العملية السياسية بعدما لم يشكل حكومة الأغلبية الوطنية وهو موقفه في الوقت الحالي إصلاحي بحسب التغريدات التي ينشرها الصدر".
فتيل الأزمة قد يشتعل
مراقبون للمشهد السياسي يحذرون من فتيل أزمة قد يشتعل في أي لحظة في حال استمرت "الاستفزازات" بين الفصائل المسلحة التابعة للتيار الصدري أو الإطار التنسيقي.
ويؤكد المحلل السياسي علي الصاحب في حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ "الاحتكاك والتوتر الذي يحصل بين الحين والآخر بين جمهور التيار الصدري وحتى فصائله المسلحة كسرايا السلام والقوات الأمنية أو بعض الفصائل المحسوبة على الإطار التنسيقي قد يشعل فتيل أزمة حقيقية".
ويقول الصاحب إنّ الطرفين "التيار الصدري والإطار التنسيقي، يمتلكان الكم الهائل من الأفراد والأسلحة المتوسطة، بالإضافة إلى الأسلحة الثقيلة التي قد تؤدي إلى كارثة حقيقية"، على حد وصفه.
ويستدرك الصاحب بالقول: "لكن ما يطمئن الموقف أن الجانبين ملتزمان بتوجيهات وتعليمات قياداتهم، وهذا معناه ليس هناك انفلات أو تمرد على الأوامر الصادرة لهم".
وعن فرضية "حصول صدام مسلح"، يؤكد الصاحب عدم وجود "الرغبة في ذلك لدى الطرفين، بالإضافة إلى تواجد القوات الأمنية التي تعتبر بمثابة صمام الأمان لعدم وقوع مثل تلك المشاكل".
ويحذر من أن "الموضوع خطر ومقلق، لاسيما وسط الأوضاع المتردية والاتهامات المتبادلة بين القطبين المتنافرين وغير المتجاذبين في الإطار والتيار".
استشعار الخطر
ويرى الخبير الاستراتيجي عبد الرحمن الجنابي، وجود مخاوف لدى التيار الصدري من محاولات تحجيمه سياسيًا بعد أن غادر العملية السياسية، فضلًا عن "الاستفزازات" التي تحدث عنها قياديون في التيار خلال الأيام الماضية.
رأى ماراقبون أن تواجد سرايا السلام في بناية المطعم التركي "رسالة من الصدر" إلى القوى السياسية
ويقول الجنابي لـ"الترا عراق"، إنّ "التيار الصدري استشعر الخطر من استبعاده من قبل الإطار التنسيقي عن الساحة السياسية ما بعد الانتخابات الأخيرة".
ولفت الجنابي إلى أنّ "هناك محاولات من قبل بعض الكتل من داخل الإطار تحاول تحجيم التيار الصدري وتحاول شق صف الصدريين".
وبحسب الجنابي، فإنّ الصدر "سبق له وأن أعلن موقفه بأنه سيراقب أداء حكومة السوداني، مبينًا أنّ "زعيم التيار الصدري لاحظ أن شعارات حكومة السوداني بتقديم الخدمات هي كوعود الحكومات السابقة، ولاحظ معاناة المواطن من نقص الخدمات وأهمها الوضع المعيشي والكهرباء ونقص المياه بالإضافة إلى أزمة الدولار".
ويعتبر الجنابي أنّ اتهام الصدر بالتآمر مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني لإسقاط حكومة الإطار، بالإضافة إلى محاصرة مدينة الصدر من قبل القوات الأمنية بأنها "استفزاز له".
وعن تواجد سرايا السلام في بناية المطعم التركي، يرى الجنابي أنها "رسالة من الصدر إلى القوى السياسية والشعب أيضًا بأن الحكومة الحالية زائلة وأن المطعم التركي هو بمثابة رمز للتظاهرات والاحتجاجات الشعبية".
وتتواجد عناصر سرايا السلام في مبنى المطعم التركي المطل على المنطقة الخضراء منذ أن سيطرت عليه خلال احتجاجات تشرين في عام 2019 والتي أدت إلى إسقاط حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي.