في ظل نزول أنصار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر إلى الشارع واقتحام المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان، وبموازاة الخلاف القائم بين الحزبين الكرديين ـ الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني ـ تبدو مهمة تمرير المرشح محمد شياع السوداني متعسرة للغاية، إذ لم يوضع أي مرشح لرئاسة الحكومة على مدى العقدين الماضيين في سياق معقد ومتوتر، كما يوضع مرشح "الإطار التنسيقي" الآن، وفقًا لعديدين.
من أكبر العقبات أمام وصول محمد شياع السوداني رئيسًا للحكومة العراقية المقبلة هي الخلافات بين الحزبين الكرديين
ولكن برغم الوقائع السياسية الراهنة لا زال العديد يرون أنّ هناك إمكانية لتمرير السوداني، نظرًا لمقاعد الإطار التنسيقي وحلفائه في القدرة على تحقيق نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي المضي في تكليف السوداني، وبإزاء هذا السيناريو؛ يتساءل مراقبون للشأن السياسي حول ماذا لو مرّت حكومة السوداني؟ وما هي المسارات التي ستسلكها في ظرف استثنائي تعيشه البلاد منذ اندلاع احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019؟
وشهد يوم الأربعاء الماضي اقتحامًا لأنصار التيار الصدري للمنطقة الخضراء عقب أيام من إعلان الإطار التنسيقي تسمية شياع السوداني مرشحًا لرئاسة الحكومة، فيما يستعد أنصار الصدر لجولة أخرى من الاحتجاجات على أعتاب المنطقة الخضراء إثر حملة تحشيد تقودها منصات مقربة من التيار الصدري وبدعم من قياديين في التيار الصدري.
الصدر، بارزاني، تشرين.. عقبات في الطريق
وتبرز أكبر العقبات أمام تمرير حكومة السوداني المتمثلة بالخلاف الكردي ـ الكردي بين الحزبين الرئيسين، إذ لم تفض المفاوضات الجارية بعد انسحاب التيار الصدري إلى أي تسوية مقبولة للطرفين، حيث يبدو الخلاف بين "البارتي" و"اليكتي" موكولًا لحسبة الأرقام تحت قبة البرلمان، إضافة إلى عقبات أخرى كموقف التيار الصدري ومديات الضغط عبر الشارع التي يخطط لها، فضلًا عن إمكانية نزول القوى التشرينية إلى الشارع، وفقًا لمراقبين للشأن السياسي.
ويرى المحلّل السياسي باسل حسين أنّ تمرير السوداني متوقف على ثلاثة جوانب، أهمها "اعتراض الصدر، إضافة إلى عدم الاتفاق الكردي الكردي، والذي سيهدد بشكل كبير انعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، فضلًا عن "موقف قوى تشرين المؤثر أيضًا، إذا ما قرّرت نقل اعتراضها إلى الشارع".
وعلى فرض تجاوز السوداني للمسار المتعرج لمواقف القوى السياسية غير الحليفة للإطار التنسيقي، يؤشر المحلل السياسي باسل حسين في حديثه لـ"ألترا عراق" على عامل مهم آخر سيواجه السوداني، ويتمثل بـ"صناعة التوازنات مع الأحزاب بعد التكليف، أثناء المفاوضات حول توزيع الحصص والوزارات والمناصب، وهو محدد غاية في الأهمية في عملية تشكيل حكومة السوداني".
وعلى ما يبدو، أنّ من الصعب صمود حكومة السوداني في ظل التشظي الذي تشهده الخارطة السياسة وهشاشة التحالفات التي ستقوم عليها الحكومة، وبإزاء واقع كهذا يطرح محللون سيناريو شبيه بسيناريو سقوط حكومة عبد المهدي التي لم تدم إلا سنة واحدة.
عن هذا السيناريو والآلية التي يعد لها الإطار التنسيقي لتجنب تكرار تجربة عبد المهدي، يقول باسل حسين إنّ "قوى الإطار التنسيقي سوف تعمل على مأسسة نفوذها السياسي والأمني والإداري عبر تمكين شخوصها في المناصب العليا للدولة من جهة، ومن جهة أخرى ستسعى قوى الإطار إلى تشريع عدة قوانين تمكنهم من الهيمنة على مفاصل الدولة، كقانون انتخابات".
أجندات السوداني.. ماذا سيحل بمنجزات تشرين؟
في ذات السيناريو الذي يتحدث عنه محللون سياسيون، والذي يطرح تصورًا لحكومة يقودها السوداني ويكون على رأس سلم أولوياتها تغيير قانون ومفوضية الانتخابات كجزء من تصفية أهم منجزات احتجاجات تشرين/أكتوبر 2019، يقول الباحث السياسي عقيل عباس إنّه "في حال مضت حكومة السوداني، سنكون إزاء تفكيك انجازات تشرين، مضيفًا "هم يريدون أن يعودوا إلى العد اليدوي دون العد الالكتروني، والعد الالكتروني كان إنجازًا كبيرًا ساهم كثيرًا في تقليص ومحاصرة التزوير".
ويعتقد عقيل عباس، في حديث تلفزيوني تابعه "ألترا عراق"، في حال وصول قوى الإطار إلى تلك المرحلة، سيكون "هناك رد فعل قوي من الشارع من التيار الصدري لأن هذا معناه إعادتنا إلى المنظومة القديمة، ليس فقط كوجوه وإنما كسياسات وممارسات واحتكار نتائج الانتخابات، فعندما نعود إلى التصويت اليدوي سنفتح الأبواب الكبيرة للتزوير".
أما عن الدوافع المحتملة للإطار التنسيقي لإجراء تغييرات على منظومة العملية الانتخابية، يقول الباحث عقيل عباس إنّ "قوى الإطار التنسيقي متصالحة مع فكرة حل البرلمان لنفسه والذهاب إلى انتخابات مبكرة لكنهم يريدون تغير شروط هذه الانتخابات، هم لا يتخيلون فكرة صمود الحكومة بوجود التيار الصدري في الشارع إلى العام 2025".
ويستدرك عباس: "بكل الأحوال هذا شيء استفزازي للشارع، وللمرجعية التي طالبت بقانون انتخابي عادل، إضافة إلى كونه أحد أهم مطالب تشرين" مؤكدًا أنّ "الأمم المتحدة ومنظمات دولية أشادت بنزاهة العملية الانتخابية الأخيرة واعتبرت إدخال التصويت الالكتروني إنجازًا وتطورً كبيرًا، فمعظم الدول الكبيرة الراسخة فيها تصويت الكتروني، أما الآن، فيبدو أن الإطار التنسيقي يريد أن يفكك كل ذلك وهذا شيء سيئ للعراق".
وشهدت الفترة التالية لإعلان انتخابات تشرين/أكتوبر الماضي الكثير من المطالب التي طرحتها قوى سياسية شيعية خاسرة، انضوت معظمها تحت مسمى "الإطار التنسيقي"، بتعديل قانون الانتخابات الفردي والدوائر المتعددة، إضافة إلى الطعن بالعملية الانتخابية والتشكيك بمجلس المفوضين.
"حكومة إطارية".. ما هو الدور المفترض لـ"القوى الناشئة"؟
أهم دور يمكن للقوى الناشئة والمستقلين فعله هو الحفاظ على إنجاز القانون الانتخابي الفردي واستخدام العد الالكتروني في الانتخابات، بحسب الباحث السياسي الفضل أحمد الذي يقول لـ"ألترا عراق"، إنّ "القوى الجديدة والمستقلين إذا لم يتحركوا من أجل الدفاع عن هذين المنجزين، فلن يكون لهم مكان في البرلمان في الانتخابات القادمة، بل ستكون الساحة للقوى التقليدية الكبيرة فقط".
تريد قوى الإطار التنسيقي أن تغير شروط الانتخابات التي استخدمت في تشرين الأول/أكتوبر وأهمها إلغاء العد الالكتروني
أما عن الشكل المتوقع للحكومة القادمة ومدى قدرتها على معالجة الملفات الكبرى، يرى الفضل أحمد أنه "في ظل النظام المحاصصاتي القائم تم إفراغ منصب رئيس الوزراء من محتواه، إذ أصبح القائد العام للقوات المسلحة محاطًا بميليشيات وفصائل تقوض سلطته وتعمل بالضد من الدولة التي يديرها، بالإضافة إلى مسؤولين حزبيين غير موالين لمنصب الرئيس، بل وظيفتهم رفد الماكنات الاقتصادية للأحزاب بالأموال على حساب خزينة الدولة".
ولا يمكن كسر هذه المعادلة التي تضعف منصب الرئيس ـ والكلام لأحمد ـ إلّا من "خلال وجود كتلة نيابية متماسكة داعمة لقرارات الرئيس وموالية له، وذات أجندات واضحة بدعم الدولة وليس الميليشيات والماكنات الاقتصادية الحزبية، مؤكدًا "مثل هكذا كتلة لا توجد في حالة الإطار التنسيقي، لذا من المرجح أن حكومة السيد السوداني إن مررت لن تكون مختلفة عن الحكومات التي سبقتها".
هل تستطيع القوى الناشئة إنقاذ مكتسبات "احتجاجات تشرين"؟
ورغم العدد الضئيل الذي حصدته القوى المنبثة من احتجاجات تشرين على مستوى مقاعد مجلس النواب، إلا أنّ حالة التناقض الشديد بين القوى التقليدية المهيمنة أعطت للقوى الجديدة داخل البرلمان مساحة وقوة تفاوضية كبيرة تستطيع عبرها أخذ بعض المكتسبات السياسية، بحسب محللين سياسيين.
ولكن على العكس من وجهة النظر هذه، يطرح الناشط السياسي علاء ستار تصورًا آخر عن واقع القوى الناشئة في ظل صراع القوى التقليدية، حيث يقول إنّ "الكيانات السياسية المنبثقة من حراك تشرين 2019 أصبحت أداة بيد اللاعبين الأساسيين في هذا النظام، فلا هم قادرون على أخذ زمام المبادرة ولا هم معنيون في الصراع الصدري - الولائي، مستدركًا "لكن يتم استخدامهم عادةً للمناورة من قبل الطرفين وهذا ما حدث وسيحدث".
وفي حديثه لـ"ألتراعراق"، يقول ستار إنّ "الصدريين سيناورون كثيرًا بهذه القوى الناشئة في الأيام القادمة، خصوصًا في حال حدوث نقمة شعبية على الإطار وحكومته، وهذا بالمحصلة سيضعهم تحت نار السلاح الميليشياوي الذي خرج من جيب الحكومة بسقوط عادل عبد المهدي وسيعود مجددًا عن طريق محمد شياع السوداني".
ويعتقد علاء ستار أنّ مهمة حماية قانون الانتخابات الحالي ليست مهمة مفصلية بالنسبة لدعاة التغيير، إذ لا جدوى للحديث عن الانتخابات برمتها مع وجود ما وصفه بـ"سلاح الدولة العميقة".
ويبرر ستار تصوره هذا بالقول إنّ "قانون الانتخابات أو النظام الانتخابي سيظل حالة لا تعني شيئًا للطامحين لتغيير هذا النظام بدستوره وأعرافه المحاصصاتية وبكل حياته السياسية المبنية على السرقة والقتل"، مضيفًا أنّ "التجربة أثبتت أن أرقام الفائزين في كل الانتخابات التي أقيمت سابقًا لا تعني شيئًا أبدًا أمام الدولة العميقة الميليشياوية والسلاح الميليشياوي الذي يفرض معادلته في كل مرة على الفائزين والخاسرين على حدٍ سواء، بالتالي يصبح الحديث عن أي قانون انتخابات غير مجدي البتة".