مع وصول الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان إلى بغداد، في زيارة رسمية هي الأولى منذ 13 عامًا في 22 نيسان/أبريل الماضي، وتوقيع مذكرات تفاهم، واتفاق إطار إستراتيجي، تنطلق الأسئلة حول تفسيرات وأسباب استمرار الهجمات التركية على مواقع حزب العمال الكردستاني في شمال العراق على الرغم من الزيارة التي وصفتها الحكومة العراقية بـ"التاريخية".
قال عضو في لجنة الأمن والدفاع النيابية إن الاتفاق الأخير بين العراق وتركيا خلال زيارة أردوغان غير معلن بشكل كلي
وكان رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، قال في كلمة مشتركة مع أردوغان، إنّ "الاتفاق الاستراتيجي يمثل خارطة طريق لتعاون مستدام، وستنبثق عنه لجان دائمة في مجالات الأمن والطاقة والاقتصاد ومجالات أخرى"، مبينًا أنّ الجانبين وقعا بحضور أردوغان "24 مذكرة تفاهم".
وأعلنت وزارة الدفاع التركية في وقت سابق، إلحاق "خسائر بشرية جسيمة" بمقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
ويكشف عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، النائب علي البنداوي، عن اتفاق حاصل بين العراق وتركيا على تشكيل لجنة لـ"نزع سلاح حزب العمال الكردستاني ومحاصرته عسكريًا"، لكنه يؤكد بالوقت نفسه، على أنّ "الهجمات التركية الأخيرة ضد حزب العمال هي استمرار للهجمات غير المنسقة مع بغداد".
ويقول البنداوي لـ"ألترا عراق"، إنّ "القصف والعمليات التركية لشمال العراق كاستهداف لحزب العمال هي مستمرة منذ عام 1987 وتعد خرقًا للسيادة العراقية بكل الأحوال، كما توجد 5 قواعد عسكرية وانتشار للجيش التركي على طول الشريط الحدود داخل الأراضي العراقية، بمسافة 220 كيلو مترًا، إضافة لعمق يصل 5 كيلو متر"، مبينًا أنّ "الهجوم الأخير للأتراك على حزب العمال هو خارج العمليات المنسقة بين البلدين ولا جديد في ذلك".
ويتحدث البنداوي عن أن "الاتفاق الأخير بين البلدين خلال زيارة أردوغان غير معلن بشكل كلي، مستدركًا بالقول: "لكن سبقه بفترة 6 أشهر اتفاق على تشكيل لجنة عليا لنزع سلاح عناصر حزب العمال ومحاصرته عسكريًا يرأسها مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي"، مبينًا أنّ "ذلك على غرار الاتفاق الذي حصل سابقًا بين العراق وإيران وحقق النتائج المرضية لطهران في عدم تعرض أراضيها للخطر من الأراضي العراقية والجماعات المعارضة فيها".
ومطلع العام 2024، كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيراني، ناصر كنعاني، عن اتفاق بين طهران وبغداد على نزع سلاح المسلحين المعارضين في إقليم كردستان وإغلاق مقارهم العسكرية.
البنداوي اعتبر أنّ "الحديث عن استغلال الملف التجاري لحسم الوضع العسكري مع تركيا ممكنًا، لأن العراق بلد مستورد والتبادل التجاري إحادي فقط لكونه لا يصدر أية بضائع ويمثل سوقًا كبيرًا للبضائع التركية بمبلغ يصل 20 مليار دولار سنويًا، ولهذا يمكن وضعه كورقة ضغط"، مبينًا أنّ "موضوع المياه هو حق عراقي ويجب عدم المساومة عليه في أي ملف، بل يجب التفاهم بما يلائم المصالح المشتركة لأي بلد".
لكنّ أستاذ الدبلوماسية والعلاقات الخارجية في جامعة جيهان، مهند الجنابي، اعتبر أصلًا أنّ الهجمات التركية الأخيرة على حزب العمال الكردستاني في شمال العراق "نتيجة لزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لبغداد".
وقال الجنابي لـ"ألترا عراق"، إنّ "زيارة أردوغان إلى بغداد ولقاء القيادات السياسية جاءت لوضع اللمسات الأخيرة للهجوم الأخير الذي بدأ على حزب العمال الكردستاني في شمال العراق حيث جرى الاتفاق بين وزيري دفاع البلدين قبل هذه الزيارة".
قال أكاديمي إن الاتفاق حول الملفات ذات المصلحة العراقية كالمياه والاقتصاد كانت مقابل السماح للأتراك بشن الهجوم على الشمال
وأضاف أنّ "الاتفاق بين البلدين على إنهاء وجود حزب العمال هو من الأساس كان بمبادرة عراقية منتصف عام 2023 كشفها في ذلك الوقت وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين حين قال إنّ العراق يمكنه توقيع اتفاقية عسكرية مع تركيا تشبه ما جرى توقيعه مع إيران".
وبالنسبة للجنابي، فإنّ "اعتراف العراق بحزب العمال كحزب محظور هو مؤشر بأن العمليات التركية الحالية هي بضوء أخضر عراقي وتعاون كامل".
ويرجح الجنابي أنّ الاتفاقات حول "الملفات الأخرى ذات المصلحة العراقية كالمياه والاقتصاد كانت مقابل السماح للأتراك بشن الهجوم"، مستدركًا بالقول: "لكن الأكثر أهمية هو عدم وجود أي شفافية بالمشاورات الأمنية بين البلدين وشكل الاتفاق الموقع سريًا بين بغداد وأنقرة، لأن "هذا له تبعات مستقبلية بحال استمرار تركيا بعملياتها العسكرية والقصف، حيث سيقال حينها إنّ الاتفاق جرى مع حكومة محمد شياع السوداني عام 2024 بينما هو مبهم ويمكن لبغداد النفي في وقتها".
ورأى الجنابي أنّ "ملف حزب العمال يؤثر كثيرًا على مصالح العراق وأمنه الداخلي، لكن أي اتفاق بشأن هذا التواجد غير الشرعي للحزب وللقوات التركية لا يمكن حصوله على حساب السيادة العراقية ولذلك يجب رفض أي ضبابية بالاتفاقات".
الخبير الأمني والعسكري، عدنان الكناني، اعتبر الهجوم التركي الأخير على أراضي شمال العراق واستهداف عناصر حزب العمال، حركة تركية جديدة وفقًا للاتفاق بين البلدين وهو بمثابة "تنازلات عراقية" بلا مقابل.
وقال الكناني، لـ"ألترا عراق"، إنّ "الحكومة الاتحادية تواصل موقفها الضعيف تجاه تركيا وتنازلاتها غير المبررة إزاء الاجتياح التركي للأراضي في الشمال، مع سكوت واضح وصريح من حكومة إقليم كردستان أيضًا لوجود مصالح كبيرة لهم".
وأضاف أنّ "عناصر حزب العمال بات جزءًا منهم يتسلمون رواتبًا من العراق تدفعها جهات متعددة لغرض شن عمليات تمثل خروقات أمنية بعض الأحيان".
وبحسب الخبير الأمني والعسكري، فإنّ "القوات التركية لديها الآن 11 قاعدة و19 معسكرًا في شمال العراق، إضافة لاستخدامها "طائرات سمتية ومسيرة لتنفيد العمليات وهي تتحرك بكل أريحية لملاحقة خطر حزب العمال ودفعه تجاه العراق".
ويستغرب الكناني "من استمرار حصول ذلك في ظل فشل عراقي وخضوع وصل لغاية عدم سماح الحكومات العراقية المتعاقبة بتشكيل قوة عسكرية في الجيش العراقي تختص بالمناطق الوعرة والجبلية لتنفذ عمليات ملاحقة لحزب العمال الذي أصبح مصنفًا ضمن الإرهاب".
قال خبير أمني إن لدى القوات التركية الآن 11 قاعدة و19 معسكرًا في شمال العراق
وخلال زيارته إلى بغداد، قال أردوغان بشأن المباحثات الأمنية، إنّ الاجتماعات مع رئيس الجمهورية العراقي ورئيس الحكومة شهدت "تشاورًا بشأن الخطوات ضد حزب العمال الكردستاني"، مشيدًا بـ"موقف العراق باعتبار حزب العمال منظمة إرهابية"، كما أشار إلى أنّ هذا الموقف سيساهم في "نهاية وجودها في العراق".