بالتزامن مع انتهاء زيارة رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني إلى واشنطن، والحديث عن ترتيب العلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة، وادعاءات تحولها إلى ما تصفه الحكومة بـ"العلاقة الدفاعية الثنائية المستدامة"، برز اعتراض جمهوري أمريكي على استضافة السوداني بوصفه بوابة من بوابات النفوذ الإيراني للمفاصل الأمنية العراقية، وقبل ذلك، اعترض 8 نواب من الكونغرس الأمريكي على استضافة السوداني في البيت الأبيض، مستندين إلى ظاهرة النفوذ الإيراني وسيطرة أدواته على المنظومة الأمنية العراقية.
تشير تقارير أمريكية إلى أنّ الإيرانيين أصبحوا يتدخلون تنصيب القيادات الأمنية في العراق
أعمل منذ أشهر على جمع معلومات بخصوص الأجهزة الأمنية العراقية، وذلك لكتابة بحث موسع حول القرار الأمني في العراق، وبهذا المقال نحاول أن نسلّط الضوء على أن زيارة السوداني لأمريكا والحديث باتفاقات أمنية جديدة، هي ادعاءات، وذلك بسبب وجود تعقيدات بالغة الخطورة داخل هذه الأجهزة، وأبرزها التمدد الإيراني وسيطرة الفصائل عليها.
يعلم الجانب الأمريكي تحولات الدور الإيراني التي أخذت شكلًا أمنيًا حاسمًا منذ فترة الحرب ضد تنظيم "داعش"، وصولًا إلى تنصيب عادل عبد المهدي رئيسًا للوزراء، والسيطرة شبه الكلية على المنظومة الأمنية والعسكرية العراقية، ولاسيما وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب، ومفاصل حساسة أخرى في وزارة الدفاع، ولكن الاتفاقات المبرمة بين الإطار التنسيقي من جهة وواشنطن من جهة أخرى، كانت تتضمن شكلًا جديدًا من أشكال إدارة الدولة، تحت هيمنة النفوذ الإيراني، وحدود التماهي مع المواقف الإيرانية في حال حدوث الأزمات بالمنطقة.
ومع بدء عدوان الكيان الصهيوني على قطاع غزة المحاصر، ودخول إيران كطرف في صراع إقليمي، برز بشكل واضح الاعتراض على الحكومة العراقية بقيادة السوداني، الذي تعرض إلى جملة ضغوطات، اضطر خلالها الطلب من قادة الإطار التنسيقي التدخل لدفع الحرج الذي تتعرض له حكومته أمام المجتمع الدولي.
ويعلم الجانب الأمريكي جيدًا أن إيران اتبعت سلوك الدولة المهيمنة على أنظمة هشة، من خلال سياسات تهدف إلى نشر القوة وممارستها عبر نقل قيمها ومعاييرها للتأثير في الشأن العراقي عبر محاولات التحكم في الخيارات السياسية بما يتناسب والمصالح الإيرانية، كما وظفت أدوات القوة الناعمة كالأيديولوجيا، وأدوات القوة الصلبة كالمساعدات الاقتصادية والعسكرية، فضلًا عن خلق فئة عراقية رسمية وغير رسمية وشبه عسكرية على صلة قوية بها، بالإضافة إلى بناء نظام سياسي عراقي يشكل علاقتها بالنخبة العراقية الجديدة التي ظهرت بعد 2003 على النحو الذي يجعل السياسات العراقية لا تتعارض مع مصالحها، وتخضع إلى مزاج صانع القرار الإيراني في كثير من الأحيان، لاسيما في القطاع الأمني، وهذا ما أكدته أيضًا، وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، حيث أقرّت في تقرير نشرته منتصف شباط/ فبراير من العام 2022، بإن "الميليشيات الإيرانية المناهضة للولايات المتحدة في العراق لديها نفوذ واسع داخل الأجهزة الأمنية العراقية، وتستفيد من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين منذ فترة طويلة".
أبرز أدوات إيران داخل المؤسسة الأمنية العراقية
في الفترة الأخيرة، وتحديدًا ما بعد عام 2014 خلال المعارك التي خاضها العراق بكل مفاصله الأمنية ضد "داعش"، ونتيجة للدعم الإيراني المقدم إلى العراق من مستشارين وعقود سلاح وموارد بشرية، زادت سيطرة إيران على أغلب مفاصل القوات الأمنية العراقية، ولعلّ أبرزها قيادة الشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب، والأجهزة الأمنية الخاصة (الاستخبارات العسكرية والأمن الوطني)، فضلًا عن "الحشد الشعبي" الذي تأسس برعاية إيرانية واضحة. تشير تقارير أمريكية إلى أنّ الإيرانيين أصبحوا يتدخلون في تنصيب القيادات الأمنية، وحماية عدد من الضباط الذين يدينون بالولاء للجبهة الإيرانية الفاعلة في العراق، وهذا ما يؤدي إلى منح إيران أوراق ضغط أكبر على الجانب الأمريكي، وبالفعل بدأ زج العديد من هؤلاء الضباط في المنظومة الأمنية، وتسنموا المناصب الأمنية المهمة، عبر مساهمة رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، بعد أن أصدر العديد من الأوامر الديوانية بتنصيب هؤلاء الضباط في مناصب أمنية حساسة.
المؤسسات الأمنية وقياداتها الموالية لإيران وتخضع أحيانًا لأوامر من داخل طهران في القضايا الحساسة، تأتي كالآتي:
- 1 ـ مستشارية الأمن القومي
تقلّب قاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي العراقي منذ العام 2015 وحتى الآن بتوجهاته السياسية، إذ كان يعتبر أحد أهم أدوات منظمة بدر، ومثلها في العديد من المناصب، أبرزها حين كان نائبًا عن المنظمة في الدورة البرلمانية للفترة 2014 - 2018، لكنه غيّر مساراته السياسية، ليخرج من تنظيم بدر، ويدخل العمل السياسي الغامض في تلك الفترة.
وتفيد التسريبات بحصول خلاف حاد بين الأعرجي وبعض الأطراف الشيعية، نتيجة تواصله مع الجانب الأمريكي، ليبتعد خطوة عن المعسكر الإيراني في العراق، فجرى تعيينه في تموز/يوليو من العام 2020، من قبل مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء الأسبق، خلفًا لفالح الفياض الذي كان يرأس ثلاثة أجهزة امنية في وقت واحد (هيئة الحشد الشعبي، مستشارية الأمن القومي، وجهاز الأمن الوطني).
تقلّبات قاسم الأعرجي الغامضة، ساعدت في بقائه حتى اللحظة على رأس مستشارية الأمن القومي العراقي، ولكن المعلومات تشير إلى أنه على تواصل مع المعسكر الإيراني، ولا يمكنه أن يرفض ما تقتضيه المصلحة الإيرانية في العراق، لاسيما وأنه كان الوسيط بين "كتائب حزب الله"، والحكومة القطرية خلال أزمة اختطاف الصيادين القطريين في العام 2017.
- 2 ـ الحشد الشعبي
ظهر مؤخرًا رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي، "أبو فدك المحمداوي" في مقطع فيديو من طهران، بعد القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق، وهو يستعرض بأنه ينتظر أمر "القائد خامنئي" للرد على القصف الإسرائيلي.
وبحسب تصريحه، فإنّ رئيس أركان هيئة الحشد الشعبي، ينتظر "بيان رأي أو رد من قائد الثورة الإيرانية، لنرى ماذا بعد؟، ننتظر أيضًا رد السيد القائد على ما جرى من اعتداء على قنصلية الجمهورية الإسلامية واغتيال بعض قادة الحرس الثوري"، وبرأيي أن التصريح الواضح هذا يختصر حكاية تأسيس الحشد الشعبي ومآلاته وأيديولوجيته السياسية والعقائدية.
- 3 ـ جهاز الأمن الوطني
أحد أهم أجهزة جمع المعلومات الخاصة بالأمن الداخلي، الذي خضع لمزاجات التقلبات السياسية الداخلية، حيث سيطرت عليه الجبهة الإيرانية في العراق بشكل كبير مؤخرًا، بعد أن تنازع التيار الصدري بشأنه ليقصي من خلال مصطفى الكاظمي، فالح الفياض من إدارته، وتعيين عبد الغني الأسدي رئيسًا له، لكن في تموز/يوليو العام الماضي، أصدر السوداني أمرًا بتعيين عبد الكريم عبد فاضل البصري (أبو علي البصري) رئيسًا للجهاز، بضغط مباشر من قيادات الإطار التنسيقي.
ويعدّ البصري أحد قيادات حزب الدعوة الإسلامية المقربين من المعسكر الإيراني، وعمل في وقت سابق مع أذرع إيران الاستخبارية في العراق، قبل إسقاط الولايات المتحدة الأمريكية نظام حزب البعث في العراق.
أبرز المسؤولين في جهاز الأمن الوطني المدعومين من قبل الفصائل المسلحة:
- مدير العمليات الخاصة لجهاز الأمن الوطني، المقدم صلاح سامي خفي، ينتمي بشكل رسمي إلى التيار الصدري، وهو أحد المسؤولين عن تدريب عناصر جيش المهدي سابقًا وسرايا السلام حاليًا.
- الملازم أحمد محمد ياسين، مسؤول قسم التنسيق المشترك بجهاز الأمن الوطني، وينتمي إلى حركة "عصائب أهل الحق".
- النقيب حسين العباسي، مسؤول قسم مكافحة التطرف بجهاز الأمن الوطني، وينتمي إلى "كتائب الإمام علي".
- النقيب رامي كاظم العلياوي، مسؤول إحدى ملفات قسم مكافحة التطرف بجهاز الأمن الوطني، وينتمي إلى "كتائب الإمام علي"، أيضًا.
- 4 ـ جهاز مكافحة الإرهاب
عرف الجهاز بتدريبه وتجهيزه الأمريكي، وقدرته على خوض حرب الشوارع، وقد تأسس لملاحقة الشبكات الإرهابية، التي عانى منها العراق منذ العام 2003.
حاولت إيران جاهدة السيطرة على هذا الجهاز، بفعل منافسته الشديدة لتشكيلات الحشد الشعبي، ومقبوليته الشعبية الواسعة، فقامت عبر أذرعها بزج عدد من الضباط الموالين لها في الجهاز، وكان أبرزهم:
- العقيد مرتضى العبيدي، مسؤول شعبة العمليات الخاصة في جهاز مكافحة الإرهاب، وينتمي إلى "كتائب حزب الله" العراقي.
- المقدم علاء العامري، مسؤول شعبة الحركات في الفوج الرابع لجهاز مكافحة الإرهاب، وينتمي إلى "حركة الأوفياء" وتربطه علاقه قوية مع المقربين من فالح الفياض، رئيس هيئة الحشد الشعبي.
- العقيد علي حسين السراي، يعمل كضابط ارتباط بين جهاز مكافحة الإرهاب والعمليات المشتركة، وهو ينتمي إلى "كتائب الإمام علي".
أيضًا، وأثناء هيمنة التيار الصدري على القرار العراقي، زج التيار أحد أتباعه في الجهاز، كجزء من إدارة الصراع السياسي، وهو المقدم إحسان الكريماوي، آمر الفوج الثاني في جهاز مكافحة الإرهاب – العمليات الخاصة، الذي تعرض للتهميش في الآونة الأخيرة، لإرغامه على التماهي مع إرادة الضباط المدعومين من إيران.
تعتبر وزارة الداخلية العراقية معقل النفوذ الإيراني عبر منظمة بدر
أزيح "عبد الوهاب الساعدي" من رئاسة جهاز مكافحة الإرهاب خلال فترة حكومة عادل عبد المهدي، وهو ما تسبّب بغضب شعبي، واتهامات لعبد المهدي بتنفيذ أجندة إيران لتدمير الجهاز.
وبعد أن أعيد الساعدي لمنصبه عقب استقالة حكومة عبد المهدي، عاد محمد السوداني ليزيح الساعدي، ويعيّن محله الفريق كريم عبود التميمي رئيسًا للجهاز، والتميمي من ضباط الجهاز الأكفاء وتسنم مناصب مهمة وحساسة في الجهاز، لكن ما جعله المرشح الأبرز للمنصب، هو اقترابه من القيادات العسكرية الإيرانية خلال معارك تحرير المدن 2014 – 2017، فكان التميمي حاضرًا في معظم الاجتماعات التي كان يقودها الجنرال سليماني وأبو مهدي المهندس.
ويؤشر هذا بوضوح المساعي الإيرانية للاستيلاء على مفاصل الجهاز، لأن طهران اعتبرته في عدة أوقات، أحد نقاط قوة النفوذ الأمريكي في العراق.
- 5 ـ وزارة الداخلية
تعتبر وزارة الداخلية العراقية، معقل النفوذ الإيراني، عبر منظمة بدر، منذ تسنم محمد الغبان منصب الوزير حتى يومنا هذا، وعلى الرغم من أن وزير الداخلية الحالي عبد الأمير الشمري غير منتمٍ لبدر، إلا أنّ موافقة بدر عليه هي التي اسمته وزيرًا للداخلية.
وتسيطر إيران على القرار الأمني في وزارة الداخلية عبر عدد من الأدوات، لعل أبرزها هم:
- النقيب أمجد الخزعلي ـ مكتب وزير الداخلية (مفرّغ عن الدوام) ويمثل حلقة الوصل ما بين (ليث الخزعلي / شقيق أمين عام عصائب أهل الحق قيس الخزعلي) وما بين الوزير.
- وكيل الاستخبارات في الوزارة الفريق ماهر نجم – يعمل لصالح كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، فضلًا عن ارتباطه السابق مع منظمة بدر.
- قائد فرقة الرد السريع الفريق ثامر الحسيني (أبو تراب) – منظمة بدر.
- اللواء عبد الرزاق العبودي (أبو خميني) – مرتبط بالحرس الثوري بشكل مباشر، وقد جرى اعتقاله خلال فترة الكاظمي، لكن أطلق سراحه مؤخرًا بشكل سري، ويدير ملفًا خاصًا مع الفصائل المسلحة، مستفيدًا من مصادره داخل وزارة الداخلية، كونه مدير شؤون وزارة الداخلية السابق.
- اللواء خالد المحنا - مدير دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية، وينتمي إلى منظمة بدر، ودخل في خصومة طويلة مع اللواء سعد معن لإدارة دائرة العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية.
- اللواء غالب العطية مدير الشرطة المجتمعية سابقا والذي ينتمي الى عصائب اهل الحق.
- العميد محسن كاظم - مديرية أمن الوزارة - ينمتي إلى جناح بدر العسكري.
- حسين العوادي - الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية المدعوم من قبل "كتائب حزب الله"، وأيضًا لديه خط مع "عصائب أهل الحق".
- اللواء نشأت الخفاجي - مدير الجنسية العام والذي ينتمي إلى كتائب الإمام علي حاليًا، وسابقًا كان أحد المدعومين من قبل حزب الدعوة.
- الفريق صالح العامري – قائد الشرطة الاتحادية – ينتمي إلى بدر.
- 6 ـ العمليات المشتركة وقيادات العمليات والدفاع
يحاول المعسكر الإيراني إدارة سيناريو مشابه لما جرى مع جهاز الأمن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب، للسيطرة الكبيرة على العمليات المشتركة ووزارة الدفاع أيضًا، من خلال زج أدواته والضباط المدينين بالولاء لهذه الجبهة في مفاصل العمليات المشتركة.
أبرز من زج بهم المعسكر الإيراني في العراق بوزارة الدفاع والعمليات المشتركة هم:
- أمين سر وزارة الدفاع اللواء الركن أحمد داود سلمان، والذي ينمتي إلى "كتائب سيد الشهداء"، وأيضًا قريب من أغلب الفصائل.
- قيس المحمداوي، نائب العمليات المشتركة وهو قريب جدًا من فصائل مسلحة تابعة إلى ايران (منظمة بدر، وكتائب حزب الله) ولديه تواصل مباشر مع أغلب الجهات الخاصة في إيران.
- قائد عمليات بغداد اللواء الركن وليد التميمي - ينمتي إلى منظمة بدر.
- مدير الاستخبارات العسكرية الفريق الركن سعد مزهر العلاق – حزب الدعوة.
وبالدخول لوزارة الدفاع وقيادة العمليات المشتركة، اختتمت إيران حلقة السيطرة الكلية على القرار الأمني العراقي، وهي الخطوة التي تمثل العقبة الفعلية في طريق تطبيق الإستراتيجية الأمنية طويلة الأمد بين بغداد وواشنطن.