05-سبتمبر-2023
الزيارة

يحتلّ الغلو والغلاة مكانًا رحبًا لجهلهم وفسادهم (فيسبوك)

"حدّثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثًا إلا ما وافق القرآن والسنة أو تجدون معه شاهدًا من أحاديثنا المتقدمّة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وآله وسلّم، فإنّا إذا حدثّنا قلنا: قال الله عز وجل، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم". محمد آصفي محسني، معجم الأحاديث المعتبرة، ج1.

من يطّلع على كتب الأحاديث ويتعرّف على دجل بعض الرواة وفسادهم، فضلاً عن فساد المتون الروائية، سيفهم إلى أي مدى ساهمت الخرافات في تشكيل بعض من الذاكرة الدينية. المشكلة لم تخلو الساحة من مصلحين ونقّاد لمشاكل الحديث وآفاته، لكنّهم ظلّوا منبوذين من قبل الخطاب السائد. وهكذا، بينما يحتلّ الغلو والغلاة مكانًا رحبًا لجهلهم وفسادهم، ولديهم أنصار في كل زمان ومكان، ففي الجانب الآخر يبقى المصلحون في زاوية النبذ والإهمال والنسيان. الكلمة السحرية التي يمكنها أن تؤلّب الغوغاء على رجال الإصلاح هي "الخروج على ضروريات المذهب" أو "الخروج عن المِلّة". إذا كانت الغاية العميقة من بعثة الأديان، حسب المرويات الدينية نفسها، هي محاربة البدعة والضلالة، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ونقد المنطق السائد "هذا ما ألفينا عليه آبائنا"، وإذا كان العقل نبي باطن، كما يصفه علي بن أبي طالب، فلماذا يتم التعامل مع المصلحين معاملة تصغير واحتقار ونبذ وإقصاء بحجة الخوف على تلك الضروريات المزعومة؟ ثمة فارق واضح بين المعتاشين على الدين وبين من يعيشون من أجل الدين؛ الصنف الأول هم من يمسك زمام الأمور في المؤسسة الرسمية الدينية مع شديد الأسف. لكن ماذا سيقولون للأجيال الناشئة وما هو بديلهم؟ لا شيء سوى الخرافات والتجهيل.

واحدة من مظاهر الإساءة للدين والعزيزة للغاية على قلوب التجّار والمتحذلقين هي الانشغال بدحض العَلمانية! ويا ليته كان كذلك، وإنما المراد منه لعبة صبيانية تتمثل في تكتيك مٌتقَن للهروب من الأسئلة الإشكالية التي تخص تراثنا الديني: هل عاد يشكّل مصدرًا أساسيًا لإنتاج المعنى؟ هل يشارك مشاركة فعّالة في جملة الإشكاليات التي تطرحها الحضارة الحديثة؟ هل توصل المسلمون أنفسهم إلى كلمة سواء بينهم بحيث تؤهلهم هذه الكلمة إلى عبور السياجات المذهبية ومقولة "المذهب الحق"؟

في الحقيقة أن الخوض في "حديث النفس" أو "الهلوسة الذهنية"، التي تكثر عند من لا بضاعة لهم، فيما يسمّى "الإلحاد" أو "العلمانية" وما يشابهها من قضايا أضحت تقليعة مملّة واضحة المقاصد، هي تغطية على الكسل الفكري، وتعمية على أهم الإشكاليات والمخاطر التي فشلت فيها الحركات الدينية-السياسية عن تقديم النموذج، وهروب من التعمق في قراءة التراث قراءة نقدية فاحصة. فماذا يتبقى؟ ما يتبقى هو "نقد" العلمانية والإلحاد بوصفهما مفهومان يشكّلان المخاطر الاجتماعية على مجتمعاتنا "المحافظة"، أما التنظيمات الدينية الفاسدة؟ أنها لا تمثل الإسلام. اللهم إنّا نعوذ بك من التبسيط والتسطيح.