منذ تشكيل الحكومة الجديدة وأسعار الدولار في حالة تصاعد، إذ وصلت إلى مديات لا يمكن للمواطن تحملها، لأنها باتت تؤثر على قدرته الشرائية، بالنظر إلى تسببها بارتفاع أسعار السلع الأساسية التي يحتاجها المواطن، وعلى الأرجح؛ لم يواجه العراق مثل هذا الارتفاع من قبل، باستثناء فترة الحصار الاقتصادي التي مثلت واحدة من اسوأ الفترات في تاريخ البلد، لا سيما عامي 1994 و1995 وهما سنتان اشتدت فيهما وطأة الحصار، فكان أن شملت تأثيراته غالبية أبناء الشعب، وبشكل أخص؛ أبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة، إذ يخشى أن يمر العراق بفترة مشابهة فيما إذا استمر تصاعد أسعار الدولار، خصوصًا بعد المخاوف التي أثارتها تصريحات عدد من المسؤولين العراقيين، آخرهم وزير المالية الأسبق علي عبد الأمير علاوي، الذي أنذر بحصول نكسة اقتصادية خلال مدة لا تزيد على عشر سنوات فيما إذا بقي العراق معتمدًا على النفط الذي تتذبذب أسعاره تبعًا للطلب العالمي عليه.
وطرحت أسباب عدة لارتفاع أسعار الدولار مقابل الدينار العراقي، منها أسباب خارجية تتمثل بقيام الولايات المتحدة بفرض عقوبات على بنوك ومصارف عراقية تتهمها بالقيام بأعمال غير مشروعة بشراء الدولار من خلال نافذة بيع العملة في البنك المركزي العراقي وتحويله إلى الخارج، ومنها الميزانية الكبيرة التي تستنزف معظم رصيد العراق من عملة الدولار، ومنها عمليات نهب العملة وسرقتها التي تتم بواسطة صكوك مزورة، كما هو الحال بفضيحة سرقة عدة مليارات من الدولارات، وهي الفضيحة التي أشير لها بـ"سرقة القرن" أو العصر، لضخامتها وتعدد الأطراف المشتركة فيها، مع أنها قد تكون الأكبر في التاريخ كله وليس في قرن أو عصر من العصور، هذا فضلًا عن أسباب أخرى كتأثير الصراعات السياسية وما إلى ذلك.
هذه الأسباب جميعًا تضع مسؤولية ارتفاع الأسعار على عاتق من يدير البلد، وبالأخص القوى السياسية الفاعلة، فهي من تتحكم بالقرار الحكومي وتمسك بمجريات الأمور، فسواء كان الارتفاع ناتجًا من سياساتها الخاطئة أو من تعاملاتها المشبوهة، أو بسبب المافيات التي تستغل أوضاع العراق المعقدة لاستنزاف الاقتصاد العراقي، فإنّ المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على من يدير البلد، ومن ثم من حق كل عراقي أن يقف مطالبًا بتحسين الأوضاع الاقتصادية، ليس فقط من خلال أصدار قرار حكومي بتخفيض سعر الدولار تخفيضًا يتلاءم مع الوضع العراقي، بل بوضع حلول ناجعة للواقع الاقتصادي تضمن تقليص الاعتماد على النفط وتبني سياسة جديدة قوامها تنويع مصادر الدخل القومي العراقي عبر تفعيل القطاعات الزراعية والصناعية والسياحية وغيرها، فمن حق المواطن أن تكون له كلمة إزاء ذلك، أو فعل يعبر عن موقفه مما يجري في البلد، على شاكلة ما حصل في تشرين الأول عام 2019، عندما خرج الناس في تظاهرات عارمة ضد الواقع السيئ، وما تعانيه البلاد من ظروف قاسية، ويمكن لهذا الأمر أن يتكرر مرة أخرى، فهذا هو أهم الحلول وأكثرها أمنًا، لأن بقاء الأمور على حالها سيؤدي إلى الفوضى والانفلات و ما هو اسوأ، وبدلًا من سيناريوهات محتملة كالصراع والفوضى وعودة الدكتاتورية، فإنّ التقويم الشعبي من خلال التظاهر وأي فعل سلمي سيكون إنقاذًا وتقويمًا للعمل السياسي المتعثر في البلاد.