19-أبريل-2023
الكهرباء

تجّار يختبئون خلف الفقير (Getty)

يعدّ ملف الطاقة الكهربائية أحد أعقد المشكلات التي يواجهها العراق منذ عقود، والتي برزت بشكل أكبر بعد عام 2003 مع انفتاح العملية التجارية في البلاد وتنامي سوق استيراد الأجهزة الكهربائية بمختلف أنواعها ولاسيما أجهزة التكييف، وكذلك التوسع في إنشاء مدن سكنية جديدة غير نظامية، وتزايد أعداد السكان بشكل كبير سنويًا، مما يجعل الاستهلاك يزيد سنويًا على نحو لا يمكن تداركه مع بطء الإجراءات الحكومية لزيادة وتحسين عمليات الإنتاج والتوزيع لقطاع الكهرباء.

لا تحصل وزارة الكهرباء سوى على بين 10 إلى 20% من أموال الجباية المفترضة

ويعدّ التمويل واحدًا من أبرز مشكلات قطاع الكهرباء ذاته، وسط الحاجة المستمرة لعمليات الصيانة وإنشاء محطات إنتاج جديدة وشراء الغاز وغيرها، وبالمقابل، فإنّ قطاع الكهرباء الذي يعد قطاعًا استهلاكيًا في البلاد، لا يوفر عائدات مالية جيدة تمكنه من الاستمرار.

الكهرباء

 

ووصل الأمر إلى أن يصف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قطاع الكهرباء وتحديدًا استيراد الغاز، بأنه ثاني أكبر قطاع استهلاكي في الموازنة بعد الرواتب، حيث يحتاج العراق إلى 10 تريليون دينار سنويًا لاستيراد الغاز والطاقة.

ووسط هذه الحاجة المستمرة للصرف والتمويل، لا تحصل وزارة الكهرباء سوى على بين 10 إلى 20% من أموال الجباية المفترضة، بحسب تصريحات لجان الطاقة النيابية ووزارة الكهرباء، فيما لا تكشف وزارة الكهرباء قيمة ما تستحصله بالضبط من أموال الجباية، مع الإشارة إلى أنّ عدم الجباية يتوزع بين امتناع عن الدفع، أو وجود عمليات استهلاك "متجاوزة" وغير محسوبة، كالعشوائيات والمناطق الزراعية، أو عدم نصب عدادات في المنشآت التجارية والمولات وغيرها.

وزير الكهرباء: لن نتوانى بعد اليوم

وبفعل ما سبق، تدعي وزارة الكهرباء بجدية لإنهاء أو تخفيف هذا الاستنزاف المستمر في الأموال والطاقة، حيث أوعز وزير الكهرباء زياد علي فاضل، إلى الدائرة الاقتصادية في مقر الوزارة بـ"ضرورة إجراء خطوات حقيقية ومعالجات واقعية لملف الجباية".

وشدد الوزير على أنه "من غير المقبول أن نسمح بضياع الطاقة وهدرها وعدم جبايتها بالشكل الحالي كونها تكلف الدولة والوزارة المبالغ الكبيرة لقاء صناعتها"، مشيرًا إلى أن "ضياع الطاقة وعدم جبايتها، وحسابها يعني استنزاف جهود الوزارة والعاملين، ولن نتوانى حتمًا بعد اليوم عن معالجتها".

الكهرباء تستعيد 7% فقط مما تنفقه لإنتاج الكهرباء

وحاول "ألترا عراق" إجراء حسابات لمعرفة قيمة ما يجب أن تحصل عليه وزارة الكهرباء من الجباية بالضبط وقيمة ما تحصل عليه.

حيث يظهر موقع غلوبال بيتروبرايس، أن سعر الكيلو واط في الساعة للاستخدام المنزلي يبلغ 19 دينارًا (0.013 دولار)، أما للاستخدام التجاري فيبلغ 60 دينارًا (0.041 دولار)، بالمقابل يبلغ متوسط الكيلو واط في الساعة عالميًا، بين (0.17 و0.19 دولارًا)، وهو ما يظهر حجم الفارق الكببير جدًا ومدى تواضع تسعيرة الكهرباء في العراق، ومع ذلك لا تتم جباية سوى 10 إلى 20% منها.

وبينما ينتج العراق أكثر من 20 ألف ميغا واط/ساعة، فهذا يعني أن متوسط سعر الكيلو واط/ساعة في العراق، والذي يجب أن يباع بـ30 دينارًا تقريبًا، كمعدل تجاري ومنزلي، ما يشير إلى أن الميغا واط الواحدة يجب أن تحقق 30 ألف دينار في الساعة لوزارة الكهرباء، أي 600 مليون دينار في الساعة لعموم الطاقة المنتجة، أو 14.4 مليار دينار في اليوم، أو أكثر من 5 تريليون دينار سنويًا.

وبالضبط، تتقارب النتيجة التي توصل إليها "ألترا عراق"، مع تصريح سابق للمتحدث باسم وزارة الكهرباء أحمد موسى العبادي، عندما أكد قبل 4 أشهر في تصريح متلفز أنه "إذا قام الجميع بدفع الجباية في أنحاء العراق ستحصل وزارة الكهرباء على 4 تريليون دينار".

الكهرباء في العراق

وفقًا لذلك، ولنسبة الجباية التي لا تتجاوز الـ15% كمعدل، فإنّ وزارة الكهرباء تحصل على 700 مليار دينار ربما في أحسن الأحوال كجباية، بينما يجب أن تحصل على 4-5 تريليون دينار، بالمقابل فإنّ ما تحصل عليه العراق من جباية، والبالغة 700 مليار دينار سنويًا، فإنها تنفق أكثر من 10 تريليون دينار سنويًا لتجهيز الطاقة، أي أنها تستعيد 7% فقط من الأموال التي تنفقها، أما 93% من الأموال تذهب كاستهلاك دون أن تستعيدها.

المنشآت الكبيرة "تختبئ" خلف "الفقير" .. والجباية ستقلل الاستهلاك

وغالبًا ما تواجه دعوات وزارة وخطواتها للتشديد على ملف الجباية، اعتراضات وغضبًا شعبيًا، هذا الأمر، دفع وزير الكهرباء الحالي للتصريح بشكل علني أن إجراءات وزارته لا تستهدف "الفقير"، بل المولات والمنشآت الكبيرة والتجارية والمدارس والكليات التي تستهلك أحمالًا كبيرة من الطاقة، دون أن تدفع الجباية، مقارنة بالمواطنين الذين أحمالهم واستهلاكهم قليل ولا يؤثر كثيرًا على الوزارة.

تطلب وزارة الكهرباء دوائر بغداد الحكومية 883 مليار دينار عراقي قيمة الطاقة المجهزة لها

من جانبه، يرى الباحث المختص في مجال الطاقة مصطفى قصي، أن تفعيل الجباية لن يؤدي إلى تعظيم الموارد المالية لوزارة الكهرباء فحسب، بل يؤدي إلى تقليل الاستهلاك المحلي للكهرباء، فيما يشير إلى مشكلة وجود مجمعات سكنية ومولات ومدارس متجاوزة ولا تدفع الجباية، فضلًا عن مؤسسات حكومية ووزارات.

ويشير قصي في حديث لـ"ألترا عراق"، إلى أنّ "قطاع الكهرباء في العراق يعد من القطاعات الخاسرة وخاصة في ملف الجباية بين وزارة الكهرباء و المستهلك بشكل عام بسبب أن نسبة الدعم تصل إلى 90%".

ويضيف أنّ "أنواع الطاقة لدينا هي الطاقة المقروءة و الطاقة المستهلكة والطاقة المجباة، وفي حال تمت جباية أجور الكهرباء من كافة الأصناف نصل إلى 4 تريليون دينارعراقي سنويًا"، معتبرًا أن "هذا الرقم من المستحيل الحصول عليه بسبب أن الطاقة المستهلكة تذهب لمستهلك رسمي و غير رسمي والمتمثلة بالعشوائيات و تقدر أعدادها بـ 4 آلاف عشوائية يسكنها 3 ملايين و 500 ألف شخص في 522 ألف وحدة سكنية، حصة بغداد وحدها هي 1030 عشوائية بالإضافة إلى المجمعات السكنية و المولات و المدارس الأهلية من ضمن المتجاوزين".

والمشكلة بالنسبة لقصي لا تتعلق بالعشوائيات فقط، لأنّ "وزارة الكهرباء العراقية تطلب الدوائر الحكومية فقط في بغداد 883 مليار دينار عراقي قيمة الطاقة المجهزة لها، ما عدا المبالغ في بقية المحافظات".

ويوضح قصي أنّ "نسبة جباية الكهرباء في العراق 7% حسب لجنة الطاقة النيابية، إلا أن واقع الحال يشير إلى أنها أدنى من ذلك، لأن بعض موظفي الجباية في بغداد يأخذون الجباية بشكل تقريبي من المولات وغيرها من المنشآت التجارية".

ويؤكد أن "العدادت الذكية هي مشكلة أخرى تعاني منها الوزارة، حيث أن تجربة العداد الذكي هي إحدى حلول الجباية ولعل أقرب مثال لدينا هو إقليم كردستان، ففي بداية عام 2022 تم نصب  مليون عداد ذكي من أصل 1.5 مليون مجهزة من قبل شركات يابانية وأوروبية بتكلفة إجمالية بلغت 150 مليون دولار".

العدادات الذكية

ويتابع: "ببساطة وجدوا أن معدل استخدام الأردن للطاقة الكهربائية 2400 ميكاواط بعدد سكانه الذي يبلغ 10 مليون نسمة، بينما كردستان والتي يبلغ تعداد سكانها 6 مليون نسمة أكثر من 2500 ميكاواط"، مشيرًا إلى أن "هذا التوجه نتج عنه تقليل بالخسائر وزادت الجباية بمقدار 3 أضعاف خلال 10 أشهر فقط، لتساهم مبالغها المتحصلة في تمويل المشاريع التطويرية للطاقة وتغطية نفقات الصيانة".