دخلت البلاد في فترة هلامية بلا ملامح. يمكن الاستماع إلى الحيرة في أصوات المتحدثين من جميع الأطراف، فلا أحد يعرف، ما الذي يُمكن فعله، سيّما رؤساء الرئاسات الأربع القضاء والجمهورية والبرلمان والحكومة.
الانسداد المحيّر
السادس من نيسان هو موعد نهاية مهلة انتخاب الرئيس، وقد فشل "التحالف الثلاثي" مرّتين بجمع المقاعد المطلوبة لعقد جلسة انتخاب الرئيس، التي يعني اكتمال نصابها، أن المرمى سيكون فارغًا أمام تحالف مقتدى الصدر ومسعود بارزاني ومحمد الحلبوسي وخميس الخنجر، فالقوى الثلاثة تمتلك فعليًا أكثر من مئتي نائب، وسيُمكنها بسهولة الاستحواذ على كل شيء حرفيًا، فور عبور عتبة انعقاد الجلسة.
تعامل زعماء الإطار وفق منطق "عليّ وعلى أعدائي" ثم انتبهوا إلى أنه ما مِن شيء لفعله بعد هذا فالدستور لا يقول شيئًا
القوى والفصائل الأكثر قربًا من إيران، والمؤتلفة في ما يُسمّى بـ "الإطار التنسيقي الشيعي"، تعاملت وفق "عليّ وعلى أعدائي"، فقد أفشلت جلستي انتخاب الرئيس، ثم انتبهت إلى أنه ما مِن شيء لفعله بعد هذا، فالدستور لا يقول شيئًا.
صمت "الزعلانين"
زعيم التيار الصدري بدوره أغلق الأبواب، وقدّم عرضًا مُحرجًا لخصومه، حين طالبهم بعقد جلسة انتخاب الرئيس مع حلفائهم، وبأرقامهم المتواضعة، ثم أعلنت الكتلة الصدرية أنها "ستصمت إعلاميًا" وتتفرج على غرق الخصوم، في مهمّة مستحيلة لجمع مئتين وعشرين نائبًا. ردّت قوى الإطار التنسيقي هي الأخرى بقرار صمت.
لم تلتزم أوساط الطرفين بـ"الصوم المريَمي" المزعوم، لكن التراشق بالحديث والصمت، والتخريب المتبادل، يكشف مستوى التناكُف العبثي بين الطرفين.
تيهُ الخبراء
الخبراء يقتربون من إجماع مُطبق على أن العراق سيدخل فعليًا في "ثقبٍ أسود" دستوري.
كتبة الدستور العراقي والمشرفون عليه مازالوا أحياء، لكنهم مُتوارون عن الأنظار، لا أحد يريد الاعتراف بمسؤوليته عن رداءة نصوص الدستور التي تقول مثلاً إن "على النواب الفائزين انتخاب رئيس جمهورية خلال ثلاثين يومًا من انعقاد جلستهم الأولى"، لكنها لا تقول لهم ما الذي عليهم فعله حين تفشل عملية الانتخاب كما يحدث الآن.
يحاول عدد قليل من الخبراء فتح نافذة، حين يقولون إن المدد الدستورية في المادة 72 "تنظيمية"
لذا تبدو عبارات مثل "فراغ دستوري" تفخيمية لمضامين أخرى هي "فضيحة الكتابة السيئة" لدستور رائدة دول المنطقة في القوانين والأنظمة.
رغم هذا، يحاول عدد قليل من الخبراء فتح نافذة، حين يقولون إن المدد الدستورية في المادة 72 "تنظيمية" وأنه ما مِن مانع دستوري، لافتتاح مدد أخرى كلما فشل البرلمان في جمع النصاب المطلوب لانتخاب الرئيس.
رجالات الكابينة في شُغُلٍ "كلوري" آخر!
وسط هذه الفوضى الدستورية، تتسرب وثيقة "سوريالية"، فأعضاء الحكومة، ورئيسهم، ووزراؤه ومدراء مكتبه ومستشاروه، مشغولون، تارةً لملف "السكراب" كما تشير مصادر محلية في عدة محافظات، وأخرى ببناء معمل لصناعة الكلور لن يكلف الدولة سوى "قرض خمس نجوم" بأكثر من سبعين مليون دولار.
تكشف وثيقة مسرّبة عن قيام مكتب رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي باستثناء شركة (لا يظهر اسمها على محرك البحث كوكل) من الضوابط والتعليمات، ومنحها قرضًا من مصرف شبه حكومي لبناء "معمل كلور"، يقول مناوئو الكاظمي أن الشركة المستفيدة على صلة بشخصٍ ما داخل الكابينة، التي ستقضي أيامها الأخيرة في السلطة باصدار استثناءات "كلورية" غامضة.
حين يقرر الكاظمي أن "الجيش مقدس"!
بعيداً عن معامل الكلور التي يبدو أنها تحوز جانبًا كبيرًا من اهتمام فريق الكاظمي في هذه اللحظات من تاريخ الأمة العراقي، تطارد الحكومة إعلاميًا بثّ حلقة انتقد فيها الفساد في الجيش العراقي.
أخذت الملاحقة طابعًا كلاسيكيًا، حين قدمت وزارة الدفاع شكوى لدى هيئة الإعلام والاتصالات تتهم فيها الإعلامي أحمد ملا طلال بـ "التحريض ضد الجيش".
تقول مصادر إنّ استياء الكاظمي يعود إلى المقطع الساخر الذي قدمه الفنان أحمد وحيد
لكن مصادر على صلة بأجواء الكابينة الحكومية، تقول إن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، استاءَ –أيما استياء- بعد بث حلقة للإعلامي الساخر أحمد وحيد، قلّد فيها شخصية رئيس الوزراء، وسخر من "تراخيه في ملف محاكمة قتلة المتظاهرين"، ولذا قرر الكاظمي السماح لوزير دفاعه جمعة عناد وهيئة الإعلام والاتصالات، بمهاجمة الإعلامي أحمد ملا طلال، الذي يبث برنامجه على الشاشة ذاتها التي أنتجت الحلقة الساخرة من الكاظمي.
ويبدو أن الفضائية التي بثت الحلقتين، حلقة فساد الجيش وحلقة السخرية من الكاظمي، قد تلقّت إشارات تُظهر سبب معاقبتها، ولذا قررت منتصف ليل الثلاثاء، إيقاف البث وعرض رسالة ثابتة (ستل) تحتج فيها على القرار الحكومي بإيقاف بث البرنامج. وأثناء عرض الرسالة الاحتجاجية، بثت القناة بشكل مكرر المشهد الساخر من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بدل بث مقتطفات من حلقة "فساد الجيش" مثار الجدل، في إشارة إلى أن القناة قد تلقت الرسالة.
وتأتي حلقة الفنان أحمد وحيد، التي سخر فيها من تراخي الكاظمي، بالتزامن مع جهود تقودها شخصيات في فريق الكاظمي لعلاج بعض جرحى التظاهرات الذين تتجاوز أعدادهم الآلاف، في محاولة لتنفيس الغضب ضد الحكومة التي وضعت في برنامجها الحكومي لحظة توليها السلطة، عبارة "محاكمة المتورطين بالدم" لكنها سرعان ما انخرطت في شؤون أخرى.
في هذه الحقبة، تفرّج الكاظمي وأسلافه على قوائم طويلة من "الإهانات" التي وجهتها فصائل للجيش العراقي، ولم يكن أولها ولا آخرها تصريحات زعماء فصائل بارزة، شككوا عبرها بوطنية الجيش، طالبوا بحله، أو تحدثوا عن تفوّق الحشد الشعبي على الجيش، لكن الأمور كانت تمرّ دائمًا بسلام، حتى حين تؤدي إلى إطلاق رصاص ضد الجيش أو استعراضات عسكرية كما في عدة حوادث.
ولذا، تواجه الحكومة بوزرائها ورئيسها وفريقه –المهتم بمعامل الكلور- انتقادات شديدة منذ ساعات، ضد قرار إيقاف برنامج الإعلامي "ملا طلال"، الذي حاول الإضاءة على الفساد في الجيش.