مع بداية تحولات وظيفة مواقع التواصل الاجتماعي إلى منصات تتيح ممارسة العمل التجاري واستحداث تقنية تمويل إعلانات المحتوى التجاري، بدأت ظاهرة المتاجر الإلكترونية في العراق، بالانتشار بشكل واسع، حتى لا يكاد أن يمر يوم على مستخدم هذه المواقع من دون المرور بعدد من تلك المتاجر التي تعرض مختلف البضائع والخدمات.
أصبحت الوظيفة الحكومية مستحيلة بالنسبة للشباب كما أن القطاع الخاص لا يؤمن حقوق العاملين فيه
رغم تأثير تطور التقنيات الخاصة بمواقع التواصل في انتشار ظاهرة التسوق الإلكتروني؛ لكن انتشارها في العراق لا يبدو انعكاسًا لازدهار النشاط التجاري وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي ودخل الفرد، كما يصرح مسؤلون حكوميون حول ذلك.
ويبدو الأمر انعكاسًا لمحاولات خلق فرص جديدة للإفلات من ظروف اقتصادية تحجب الأفق أمام شريحة الشباب، ففي بلاد بلغت البطالة فيها أعلى مستوياتها منذ العام 1991 بالتزامن مع "هبّة سكانية" وقطاع عام تجاوز مرحلة التخمة في عدم استيعابه لأي وظائف جديدة، من الصعب تفسير هذه الظاهرة الاقتصادية كتطور طبيعي لثورة تكنولوجيا الاتصال.
يأس من القطاع العام وهروب من الخاص
مثل
كثير من العاطلين الشباب، لجأ صلاح ثامر، وهو شاب في أواخر العشرينيات العمر، إلى افتتاح مشروعه الخاص بإنشاء صفحة على منصتي فيسبوك وانستجرام، متخصصة ببيع ملابس الأطفال. يقول صلاح عن الأسباب التي دعته إلى اختيار البيع عبر الانترنت، إن "الوظيفة الحكومية أصبحت مستحيلة، كما أن العمل في القطاع الخاص غير مستقر، فأرزاقنا رهينة تقلب سياسات الشركات، لعدم وجود إطار قانوني يحمي حقوق العاملين، لذا في كثير من الأحيان كنت ضحية إجراءات تقليص تعسفية"."بعد سنوات من العيش في دوامة العمل والفصل في شركات القطاع الخاص، قررت أن افتتح مشروعي الخاص لبيع ملابس الأطفال برأس مال بسيط عبر إنشاء صفحة على فيسبوك وانستجرام قبل حوالي ثلاث سنوات"، يواصل صلاح حديثه لـ"ألترا عراق" عن قصة مشروعه الخاص بالقول، "مشروعي ازدهر مع الوقت واستطعت الوصول إلى عدد كبير من المستهلكين وكسبهم كزبائن دائمين بعرض بضاعة مختلفة عن تلك الموجودة في السوق المحلية".
صلاح ثامر، وهو خريج كلية الأداب في جامعة بغداد، يستدرك أثناء حديثه مشخّصًا بعض المتغيرات التي طرأت لتهدد مشروعه: "بعد قرار رفع سعر صرف الدولار لاحظت انحسار مبيعات الصفحة لأننا نعتمد بشكل أساس على الملابس المستوردة بالدولار الأمريكي من الصين وتركيا، ما جعل المستهلك يفضل التسوّق بشكل مباشر من المتاجر التقليدية لتوفير كلفة التوصيل والإعلان التي تضاف على قيمة البضاعة المعروضة في المتاجر الإلكترونية".
تسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي بانحسار مبيعات المتاجر الإلكترونية في العراق لاعتمادها على البضائع المستوردة
ويعرب صلاح عن مخاوفه من استمرار انحسار المبيعات: "الكثير من أصحاب المتاجر الإلكترونية الذين أعرفهم يشتكون من ذات الظروف والتي أعتقد أنها ستهدد استمرارهم بالعمل إذا ما تغيّر شيء ما في المستقبل القريب".
ويشهد العراق ارتفاعًا غير مسبوق بنسب البطالة، حيث بلغت نسبتها في آخر تقرير لجهاز الإحصاء المركزي 16.5%، كأعلى مستوى تصل إليه منذ العام 1991، بالتزامن مع ارتفاع نسبة شريحة الأعمار الفاعلة في النشاط الاقتصادي (15 ـ 65) عامًا إلى 56.5% من إجمالي السكان، ما يعني إمكانية ارتفاع نسبة البطالة إلى مستويات قياسية في السنوات المقبلة، بحسب متخصصين.
وتترواح أعمار ربع سكان العراق بين 15 - 24 عامًا بحسب مسح سكاني أجرته وزارة التخطيط مطلع الشهر الحالي.
كيف تواجه المتاجر الإلكترونية التحديات؟
ليست الهزة الاقتصادية التي أحدثها تغيير سعر صرف الدولار وحدها من تهدد فرص ازدهار المتاجر الإلكترونية في العراق، بل زيادة انتشار هذه المتاجر، بوصفها فرصة عمل ممكنة للعاطلين، يضعها جميعًا تحت تهديد الفشل والإغلاق.
سارة أحمد تحدثت لـ"ألترا عراق" عن هذه التفصيلة، كواحدة من نساء كثيرات افتتحن مشاريعهن الخاصة ببيع الملابس والإكسسوارات النسائية، تقول سارة إن "انتشار المتاجر الإلكترونية بشكل مبالغ به بسبب التصور السائد عن سهولة إنشاء إنجاح المتجر الإلكتروني وضع الجميع تحت ضغط المنافسة في ظل ظروف تهدد وجود الكثير منها".
تساهم القيم المحافظة بمساعدة المتاجر الإلكترونية في العراق على تكوين زبائن شبه دائمين
بعد أكثر من عام على افتتاح مشروعها" توضح سارة أحمد طبيعة التحديات التي تواجه المتاجر الإلكترونية، وتؤشر لـ"ألترا عراق تحديين رئيسين برزا في الآونة الأخيرة: "الأول منافسة المتاجر التقليدية وتحدي استيراد بضائع تتميز عن بضائعهم التي يغلب عليها التصميم السيء والبهرجة المبالغ فيها أحيانًا، والثاني المنافسة مع أصحاب المتاجر الإلكترونية لناحية الأسعار والعروض أساليب التسويق".
ويدخل سوق العمل العراقي قرابة 300 ألف شخص سنويًا، يشكل عدد الخريجين منهم 100 ألف خريج، يبقى حوالي 30% منهم بلا عمل، بحسب تقارير جهاز الإحصاء المركزي. بينما تحصي تقارير غير رسمية أرقامًا أعلى بكثير من تلك التي تقدمها الإحصائيات الحكومية.
أما عن كيفية استمرار مشروعها الخاص رغم التحديات التي تواجه المشاريع الناشئة، تواصل سارة حديثها "في (دكان 90) اعتمدنا الطابع التراثي في التسويق لاستثمار حالة نستولوجيا (الحنين إلى الماضي) لدى جيل الشباب عبر توفير بضائع تقترب من ذوق وتصاميم الفترات الذهبية للموضة".
سارة أحمد تعتقد أيضًا أن هناك عاملًا مساعدًا آخر ساهم في دعم مشروعها: "بسبب القيم المحافظة السائدة في المجتمع العراقي والتي تقيد خروج النساء تكون لدينا زبائن شبه ثابتين من المدن الجنوبية التي تعتبر أكثر البيئات العراقية تمسكًا بالقيم المحافظة".
ويلاحظ انتشار استخدام الهوية التراثية وتوظيفها في التسويق في كثير من المتاجر الإلكترونية من قبيل استخدام أسماء بغدادية قديمة مثل "رازونة" و"روم خانة" و"شناشيل" أو رموز تاريخية تعود إلى الحضارات العراقية القديمة مثل "إينانا" و"عشتار"، كجزء من استثمار حالة الاغتراب التي يعيشها جيل الشباب في العراق في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية غير مستقرة وغير مشجعة على الازدهار، بحسب متخصصين في مجال التسويق.
سرقات ونصب واحتيال.. أين دور الدولة؟
وبحكم طبيعة عمل المتاجر الإلكترونية واعتمادها على البيع عبر الإنترنت نشأت الحاجة إلى وجود شركات متخصصة بنقل السلع إلى المستهلكين، ولذا انتشرت الظاهرتان بالتزامن تقريبًا. ورغم أن الكثير من هذه الشركات تقدم خدمات جيدة؛ لكن أصحاب المتاجر الإلكترونية في العراق يشتكون من ظاهرة سلبية تتعلق بحالات النصب والاحتيال التي تمارسها بعض شركات التوصيل.
يتعرض أصحاب متاجر إلكترونية إلى نصب واحتيال من قبل أصحاب شركات توصيل بعد سرقة أموالهم
"في كثير من الأحيان نتعرض لسرقات كبيرة لأموالنا المتراكمة في ذمة شركات التوصيل بحجة انهيار الشركة وهروب أصحابها"، يقول حسام البهادلي، صاحب إحدى المتاجر الإلكترونية، ويوضح لـ"ألترا عراق" أن "بعد تكرار مثل هذه الحالات اكتشفنا أن هناك أشخاصًا متخصصين بعمليات النصب هذه، حيث يعملون بين فترة وأخرى على تأسيس شركة توصيل وجمع العملاء لعدة أشهر من ثم سرقة الأموال والهروب، ومن ثم تكرار ذات السيناريو بعد فترة وهكذا".
وتبلغ أجرة التوصيل في المتوسط بين 4000 دينار عراقي (حوالي 3 دولارات أمريكية)، و8000 دينار عراقي (حوالي 6 دولارات أمريكية)، بحسب التفاوت في الموقع الجغرافي لصاحب الطلب، والتي تصنفه شركات التوصيل عادة إلى ثلاث حالات: مراكز المدن، الضواحي، المحافظات.
وبحسب عاملين في مجال شركات التوصيل، فأن الكثير من هذه الشركات غير مسجلة قانونيًا، ولا تمتلك أي بيانات معتمدة رسمية، الأمر الذي يسهل وقوع الكثيرين ضحايا لعمليات النصب واحتيال دون أن يجدوا جهة قانونية تمكنهم من استرداد أموالهم.
حسام البهادلي تحدث لـ "ألترا عراق" عن تجربته الشخصية مع إحدى الشركات، بالقول: "في نهاية أحد الأشهر طلبت من شركة التوصيل التي كنت أتعامل معها تقرير كشف حساب لأتفاجئ برد مندوب جمع الطلبات أن عليه ملاحقة صاحب الشركة لأنه هرب مع الأموال التي في ذمة الشركة".
ويلقي حسام بالمسؤولية على عاتق الدولة لأنها أهملت هذا القطاع من دون تقنين العلاقة بين صاحب المتجر وشركة التوصيل بتشريعات تحمي حقوق الطرفين، ويتابع حسام حديثه: "بعد رفع دعوى قضائية ضد الشركة تبين أنها مجرد عنوان وهمي ولا تمتلك صفة الشخصية المعنوية التي تحددها القوانين العراقية، ولذا اضطررت للبحث بشكل شخصي عن صاحب الشركة ومحاولة استخدام العرف العشائري لاسترداد حقي".
وبحسب حسام البهادلي، لا يمكن في بعض الحالات ملاحقة هؤلاء "النصابين" حتى من خلال العرف العشائري لأنهم مسنودون من "جهات نافذة"، وفي أحيان أخرى يكون أصحابها تابعون لـ"فصائل مسلحة"، رفض حسام تسميتها لأسباب تتعلق بأمنه الشخصي.