في كل سنة تقفز أرقام الانتحار في العراق، وتعجز كل الجهات الرسمية وغير الرسمية أن تحد من هذه الظاهرة، وخلال أشهر ارتفعت حالات الانتحار في العراق عام 2022 بشكل كبير، فيما تصدرت القضايا الاقتصادية (الفقر والبطالة)، والاجتماعية أبرز الأسباب التي تدفع الشباب نحو اختيار الموت.
سجلت محافظة ذي قار خلال العام 2022 أكثر من 42 حالة انتحار
وفي العام 2021 سجّل العراق 772 حالة انتحار، بارتفاع أكثر من 100 حالة عن العام 2020 الذي سجل انتحار 663 شخصًا، وفقًا لوزارة الداخلية التي أكدت أنّ "36.6% من المنتحرين كانت أعمارهم أقل من 20 عامًا، فيما تشكل نسبة الذكور 55.9 بالمئة، والإناث 44.1 بالمئة".
وتقف الأوضاع الاقتصادية بشكل بارز وراء ازدياد حالات الانتحار، بحسب وزير التخطيط خالد بتال، الذي قال في وقت سابق من العام الجاري إنّ "نسبة البطالة في العراق بلغت 16.5%، لكنّ أرقام البنك الدولي كانت على نحو معاكس تمامًا حيث بلغت في العام الماضي، 36%".
ارتفاع حالات الانتحار
وبحسب مصدر أمني في محافظة ذي قار، فأنّ النصف الأول من العام الجاري شهد تسجيل أكثر من 42 حالة انتحار في المحافظة، كان آخرها في عيد الأضحى بعد أن "أقدم شابان وفتاة على الانتحار".
ويقول المصدر الأمني الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلّق بوظيفته، إنّ "حالات الانتحار في العراق عام 2022 شهدت ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مما يدق ناقوس الخطر بشأن انتشار الظاهرة بين الشباب".
ويضيف المصدر لـ"ألترا عراق"، أنّ "الأوضاع الاقتصادية والتقاليد الأسرية (الزواج، الحرية وغيرها)، كانت أبرز الأسباب التي تدفع الشباب نحو الإقدام على الانتحار".
ويرى مراقبون أنّ المحافظات الجنوبية في العراق كانت الأكثر تضررًا بهذا الملف، إذ يكون للجانب العشائري والطابع الاجتماعي دورًا مهمًا في ازدياد هذه الظاهرة، وفي إحصاءات رسمية سابقة لوزارة التخطيط، فأنّ محافظات وسط وجنوب العراق تعاني من معدلات فقر كبيرة، حيث يعيش نصف السكان تقريبًا تحت خط الفقر.
النساء أكثر من الرجال
الأرقام الحالية بشأن الانتحار في العراق عام 2022 تشير إلى ارتفاع ملحوظ مقارنة بالعام الماضي، وفقًا لحديث عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق، علي البياتي.
وبدأت ظاهرة الانتحار تأخذ حيزًا جديدًا ومرتفعًا منذ العام 2016 وإلى الآن، بحسب البياتي الذي أشار إلى أنّ "الضغوطات النفسية والاجتماعية، فضلًا عن الضغوط الاقتصادية جميعها تدخل ضمن الأسباب الرئيسية وراء انتشار هذه الظاهرة في العراق".
ويقول البياتي لـ"ألترا عراق"، إنّ "الحكومة مطالبة بتشكيل لجان ومراكز متخصصة بهدف الحد من انتشار الظاهرة، فضلًا عن تقديم المساعدة النفسية للمحتاجين والذين حاولوا أو يحاولون الانتحار".
ويكشف عضو مفوضية حقوق الإنسان السابق، عن وجود العديد من حالات القتل تسجل لدى وزارة الداخلية والجهات الأخرى على أنها حالات انتحار، مبينًا أنّ "هناك تفاوت كبير بين الأرقام التي تعلنها الداخلية والأرقام التي يعلنها مجلس القضاء الأعلى".
لكن أرقام الانتحار بالنسبة للنساء أكبر من الرجال، وهذا ما يثير الشكوك ـ والكلام للبياتي ـ بشأن إمكانية وجود عمليات قتل أو عنف أسري أسفر عن الإقدام نحو الانتحار، كون أن "ظاهرة الانتحار عالميًا تكون للأعمار الكبيرة عكس ما هو في العراق الذي يقدم فيه الشباب على الموت".
وفي 24 شباط/فبراير 2022، أكدت وزارة الداخلية العراقية وجود "زيادة في عدد حالات الانتحار لا سيما بين الشباب"، عازية الأمر إلى عدة أسباب "منها اقتصادية والمتمثلة بالبطالة؛ وكذلك التعنيف والتفكك الأسري والمخدرات، فضلًا عن الابتزاز الالكتروني لا سيما لدى الفتيات".
أبرز الطرق
وتعتبر ديالى من بين المحافظات الأكثر تسجيلًا لمحاولات الانتحار، حيث يقول مدير مفوضية حقوق الإنسان في ديالى صلاح مهدي، إنّ "عدد حالات الانتحار التي انتهت بالوفاة خلال العام الجاري بلغت 23 حالة، في حين تم إنقاذ 25 شخصًا في اللحظات الأخيرة".
وفي حديث لـ "ألترا عراق"، أوضح أنّ "الجهات المعنية غير قادرة على إجراء إحصاء دقيق لمحاولات الانتحار في أغلب المحافظات كون أن هناك العديد من العائلات تتجنب الحديث والإبلاغ عن هكذا حالات".
وأبرز طرق الانتحار التي يستخدمها الرجال في ديالى هي إطلاق النار والشنق، فيما كان تناول الأدوية والحرق هي أكثر طرق النساء شيوعًا، بحسب مهدي الذي أكد أنّ "65% من المنتحرين أعمارهم أقل من 35 عاماً".
وأشار إلى أنّ "المثير بأن 2022 شهد 3 حالات انتحار وإنقاذ 5 أخرى في اللحظات الأخيرة لطلبة دفع فشلهم الدراسي إلى اتخاذهم هذا القرار"، مبينًا أنّ "الضغط النفسي من قبل ذويهم والتنمر كانت وراء المحاولات".
ووفقًا للإحصائيات الرسمية السابقة، فقد شهد العام 2016 أكثر من 393 حالة انتحار، وفي 2017 بلغت 462 حالة، بينما كان العدد في العام 2018 نحو 530 حالة، و2019 بلغت 605 حالات
العادات والتقاليد
الباحثة الاجتماعية نادية محسن، ترى أنّ الانتحار في العراق لا يعتبر ملفًا، كون أن أكثر التبليغات عن حوادث الوفاة تكون مقترنة بأعذار لمراعاة العادات والتقاليد.
وتتحدث محسن لـ"ألترا عراق"، عن بحث دقيق عن أسباب ارتفاع الانتحار في العراق، وجد أن "محافظتي المثنى والسليمانية تتصدران المشهد في هذا الجانب، في حين كانت أبرز الأسباب الأوضاع الاقتصادية، فضلاً عن التضييق الذي يتعرض له الفتيات على وجه التحديد".
أما فيما يخص كيفية علاج هذه المشكلة، والكلام للباحثة الاجتماعية، فهي من خلال برامج توعوية متخصصة يقدمها أشخاص لهم خبرة في هذا المجال، كما أنّ "الحكومة مطالبة بتوفير البيئة الصحية الحقيقية للأشخاص الذين هم بحاجة إلى العلاج".