22-أبريل-2022
الكهرباء الصدر

الترا عراق - فريق التحرير

يمنع وزير الكهرباء عادل كريم سفر المدراء في الوزارة إلى خارج العراق، ابتداءً من مطلع نيسان/أبريل وحتى انقضاء الصيف، في محاولة لخوض التحدي الأول لشخصية كردية في ملف الكهرباء العراقية الشائك والغامض، لكن تصريحاته عن إيجاد بدائل للغاز الإيراني أثارت جدلاً حول ما يفكّر به الوزير الجديد، وطبيعة الركن الذي يستند إليه في مسعى قد يكون الأكثر استفزازًا لطهران.

ثلاث نقلات

في 24 حزيران/يونيو 2021، وقّع أمين عام مجلس الوزراء والقيادي الصدري المعروف، حميد الغزي أمر نقل عادل كريم كاك أحمد من وزارة الصناعة إلى وزارة الكهرباء، بمهمة وكيل وزارة لشؤون الإنتاج.

تسلم الوزير مهامه منذ أقلّ من عام ليخوض أول اختبار حقيقي خلال موسم الصيف المقبل

قدّم وزير الكهرباء السابق ماجد حنتوش استقالته رسميًا بعد 5 أيام، إثر موجة غضب عارمة بسبب تراجع ساعات التجهيز، وخوّل كريم بإدارة الوزارة، حيث يتولى الأخير مهام وزير الكهرباء منذ ذلك الحين وحتى اليوم، ويشارف على إنهاء عام كامل على رأس أخطر الوزارات الخدمية في العراق، والتي جرى العرف السياسي خلال السنوات الماضية، على اعتبارها جزءًا من حصة التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر في الكابينة الحكومية.

الكهرباء على الخارطة السياسية

تناوبت عدة كتل سياسية على تولي منصب وزير الكهرباء، سواء عبر تقديم شخصيات حزبية واضحة لإدارة الوزارة، أو عبر الهيمنة عليها عن بعد.

وتولت الكتل السنية ما مجموعه نحو 9 أعوام، من عمر الوزارة منذ العام 2003، و5 أعوام لائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، ونحو 4 أعوام للتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، إلاّ أن الأحزاب –لاسيما التيار الصدري- تواجه اتهامات بالهيمنة على الكوادر الثانوية في الوزارة، ومناصب ما دون الوزير، كالوكلاء والمدراء ومسؤولي الإنتاج وتوقيع العقود والتوزيع في المحافظات وغيرهم.

الصدر ومحاولة "صد الهجمة"

ينفي التيار الصدري هيمنته على وزارات مثل الكهرباء أو الصحة أو غيرهما، ويعدّ إشاعةَ ذلك جزءًا من الدعاية السياسية المضادة، رغم اعتراف التيار أن الوزارتين كانتا جزءًا من حصته في اتفاقات تشكيل الكابينتين الحكوميتين الأخيرتين على الأقل.

ودرءًا للتُهم، تولى حسن الكعبي القيادي الصدري ونائب رئيس البرلمان في الدورة السابقة، رئاسةَ لجنة كبرى للتحقيق في ملف الكهرباء منذ العام 2006، وقد خلُصت إلى نتائج تفصيلية، من بينها إنفاق نحو 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء بشقّيه التشغيلي والاستثماري.

لكن اللجنة التي زوّدت العراقيين بأرقام مهمّة أواخر العام 2020، لم تُسهم في تقدم ملموس على واقع الطاقة، فقد عادت مستويات التجهيز إلى مستواها المعروف في صيف 2021.

وصل كريم إلى الوزارة قبل أيام قلائل فقط من استقالة الوزير السابق بناءً على أمر وقعه حميد الغزي القيادي في التيار الصدري

أما الوزير الحالي، فيقول إنّ "الإنفاق قد لا يتجاوز سبعين مليار دولار، وهو يشمل رواتب الموظفين والوقود واستيراد الغاز من إيران، وبناء محطات عملاقة من البصرة إلى الموصل" معتبرًا النفقات "منطقية ولا تعني شيئًا.. فهي بمعدل 4 مليارات دولار سنويًا"، متسائلاً إنّ كانت المحاسبة ستشمل 120 ألف موظف "تم تعيينهم وفق تفاهمات ولا تحتاجهم الوزارة جميعًا"، على حد تعبير الوزير.

"كاك عادل"

ينحدر الوزير الحالي عادل كريم من منطقة "بمو" بمعنى قطن باللغة الكردية، نظرًا لطول بقاء الثلوج فوق قممها، وهي سلسلة قرى جبلية تابعة لمحافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق.

قبل سقوط النظام السابق، تولى كريم مهام في قطاع إنتاج الأسمدة في العراق، وكان من المسؤولين الكرد القلائل الذين لم يغادروا بغداد أثناء فترة العنف الطائفي بعد العام 2005، بل بقي يمارس مهامه في وزارة الصناعة، التي كان يديرها آنذاك السياسي الموصلي أسامة النجيفي.

يقول مقربوه أنه برع في إيجاد الحلول، واتخذ تدابير مكنته من الصمود في بغداد، حتى في أعنف السنوات، وهو الوافد من محافظة بعيدة، من بينها تحسين علاقته بسكان الحي الذي يسكنه، والذين تقدم بعضهم للعمل في فريق حمايته.

لا يُظهر الوزير ميلاً سياسيًا، لكنه عمليًا كان أحد المقربين من قطاع مصافي الوقود والطاقة، التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني بعد نيل إقليم كردستان الحكم الذاتي، ثم انضم كريم إلى فريق القيادي في الاتحاد برهم صالح الذي عاد من الولايات المتحدة بعد سقوط النظام السابق عام 2003، ولازَمه في معظم مناصبه.

بقيَ كريم متواريًا عن الإعلام، حتى لحظة إعلانه وزيرًا للوزارة التي ستتصدر واجهات أخبار العراق خلال الأسابيع المُقبلة، مع تصاعد درجات الحرارة وصولاً إلى الستينات المئوية.

قد يمثل بقاء كريم في منصبه جزءًا مما تبقى من العلاقة بين التيار الصدري والاتحاد الوطني الكردستاني

وقد يكون إفراطًا في التفاؤل، الاكتفاءُ بالسجلات الحالية عن الوزير عادل كريم، والتي لا تظهر حتى الآن فسادًا واضحًا، فملفات فساد وزراء الكهرباء تظهر عادة بعد مغادرتهم الوزارة، كما في الحكم الذي صدر ضد الوزير السابق لؤي الخطيب.

لكنّ لدى الرجل وفق قوله سمعةٌ ينوي الدفاع عنها، تتعلق بعقود من العمل في مجال إدارة المشاريع بين بغداد والسليمانية وعمّان ودبي ودمشق.

عادل كريم بين الحنانة والسليمانية

بالمقابل، لا تمرّ العلاقة بين التيار الصدري والاتحاد الوطني الكردستاني بأفضل حالاتها، فالأخير شارك في حركات كسر نصاب جلسة انتخاب الرئيس التي نظّمها الإطار، وبشكل متسارع، كثّف الجانبان (الاتحاد والإطار) اجتماعاتهما على مستويات رفيعة. يقول سياسيون إن ما يجمعهما هو القرب من إيران، لكن الإتحاد يرد بأنه إنما يتخذ الاصطفاف الذي يحتاجه لتمرير مرشحه لمنصب رئاسة الجمهورية برهم صالح.

وبمراجعة سلسلة القرارات التي قادت كريم إلى منصبه في أعلى هرم وزارة الكهرباء، المحسوبة على حصة التيار الصدري، فإن تواريخ القرارات -التي وقّع أحدها القيادي الصدري حميد الغزي- تعود إلى ما قبل انتخابات العام 2021، فترة ربيع العلاقات بين الصدر من جهة، ورئيس الجمهورية برهم صالح، وحزبه الاتحاد الوطني الكردستاني من جهة أخرى، خاصة بعد التناغم الكبير بين الصدر وصالح الذي رفض تكليف مرشحي تحالف الفتح لشغل منصب رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي.

الوزير والغاز القطري.. هل "يلعب بالنار"؟

أجرى التيار الصدري خلال الأشهر الماضية بعض التحركات لتغيير مسؤولين كمحافظ النجف السابق لؤي الياسري، لكنه استثنى وزير الكهرباء من حملة الاستبدال، حتى مع فتور العلاقة بين الحنانة والسليمانية، وهو ما قد يشير إلى أنّ التيار لا يود المغامرة بإجراء تغيير خلال توقيت حساس يسبق ذروة الصيف بأسابيع، إلاّ أنّ إعلان الوزير للمرة الأولى عن مساعٍ جدية لاستيراد الغاز القطري قد تشير أيضًا إلى تفاهمات عميقة بين الوزير والتيار الصدري "صاحب حصة الوزارة".

وقد تحفّظ الوزير في ظهوره التلفزيوني الأخير عن الخوض في شأن إدانة أحد كبار مسؤولي وزارته، رعد الحارس المحسوب على التيار الصدري، وقال الوزير إنّ "الحارس من كفاءات العراق".

يمكن أن تتحول خارطة العراق بموقعها المتميز إلى ممر لإمدادات الغاز القطري نحو أوروبا في حال إبرام اتفاق مع الدوحة وأنقرة

وكررت الحكومة العراقية خلال الأشهر الماضية الحديث عن استيراد الغاز القطري، وهو ما لا يبدو نبأ سارًا بالنسبة لطهران التي تحتكر تقريبًا صادرات الطاقة إلى العراق، وعلى رأسها الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء العراقية.

لكن حديث بغداد عن الانفتاح على بدائل للغاز الإيراني والاتجاه نحو الدوحة، بقيَ ملفًا باردًا، ولم تُطلق الأوساط الإعلامية المرتبطة بإيران حتى الآن حملةً ضد الفكرة كما تعاملت مثلاً مع سعي العراق إلى إيجاد خطوط تصدير طاقة بعيدًا عن هرمز عبر مدينة العقبة الأردنية.

وقال الوزير عادل كريم بعبارات صريحة، إنّه يبحث عن بدائل للغاز الإيراني، وفيما لو كانت تصريحات الوزير منسقة مع التيار الصدري، فإنّه لن يكون من المستبعد أن يكون الملف برمّته جزءًا من محاولة ضغط الصدر على طهران، التي يشن حلفاؤها أشد الحملات ضد محاولة الكتلة الصدرية تشكيل حكومة أغلبية تُقصي القوى المقربة من إيران.

غير أنّ قراءة أخرى للتقارب العراقي - القطري في ملف الغاز تذهب إلى ما هو أكثر استراتيجية من ملف تشكيل الحكومة العراقية، وتشير إلى أنّ المخاوف الأوروبية من قطع روسيا إمدادات الغاز، أثارت انتباه بغداد إلى إمكانية إبرام تفاهمٍ ثلاثي مع الدوحة وأنقرة، تتحوّل بموجبه الخارطة العراقية بموقعها المتميّز، إلى ممر لإمدادات الغاز القطري إلى أوروبا.

"غير متحمس للربط الخليجي"

محلياً، يقول كريم، إنّه يخجل من مشهد المولدات الأهلية، ويرفض السخرية من تصريحات أسلافه في الوزارة، عن إمكانية تصدير العراق للكهرباء، ويقول إنّ هذا ممكن وطبيعي بالنسبة لدولة بإمكانيات العراق.

كما أنّه لا يظهر حماسًا كبيرًا للربط بين العراق ودول الخليج، سواءً الخط السعودي عبر عرعر ثم اليوسفية جنوب بغداد، أو الخط الآخر عبر الكويت "فالمدة التي طلبها الخليجيون للإنجاز 38 شهرًا، وهي فترة طويلة جدًا. طلبنا تقليصها، وأسعار التجهيز بحاجة إلى اتفاق، وكلفة إنشاء الخط عالية، فضلاً عن أنّ الكميات المتوقعة لا تتجاوز ألف ميغاواط، قد لا تشكل شيئًا بالنسبة لحاجة العراق التي تتجاوز 30 ألف ميغاواط، حيث يُنتج العراق منها نحو 20 فقط".

يؤكد الوزير بصراحة السعي لإيجاد بديل عن الغاز الإيراني لكنه بالمقابل غير متحمس للربط الخليجي

ويؤكد أيضًا، أنّ الربط بين العراق وتركيا سيُخصص لتغذية محافظة نينوى فقط، فيما يلقي باللوم كبقية الوزراء على وزارة النفط التي يقول إنّها تخلّفت عن الإيفاء باتفاق كان يُلزمها بتسليم كميات غاز كافية عام 2012، لتشغيل محطات الكهرباء الغازية.

16 ساعة.. أو الالتحاق بالبقية!

وبعيدًا عن المشاريع الكبرى والصراعات القاريّة، فإن عدد ساعات تجهيز منازل العراق بالطاقة الكهربائية خلال أشهر الصيف لا يتجاوز 12 ساعة، أما الوزير القادم من خارج الطيف السياسي الذي أدار الوزارة منذ العام 2003، فإنّ رفع ساعات التجهيز إلى 16 ساعة، في أشهر الصيف الثلاثة، سيكون السبيل الوحيد لوضع اسمه خارج قائمة طويلة تبدأ بالوزير أيهم السامرائي، من القوى السنية 2005، وتنتهي بالوزير الأخير ماجد حنتوش المحسوب على الكتلة الصدرية الشيعية.