كالنُدب السوداء، ظهرت في وجوه المُدن، شوهت جمالها، ضغطت على الخدمات كثيرًا، وعلى المشهد الأمني أكثر. إنها "العشوائيات"، تلك التي أضحت شاهدًا حيًا على وجود خلل في الواقع العراقي، إذ أنّ خلل أزمة السكن بدأت تنمو أظافره بعد عام 2003، عندما سمح الكثير من السياسيين للمواطنين للعيش فيها، فتناست المعالجات أو ما سواه من القطاعات الأخرى.
تمثل ظاهرة العشوائيات شاهدًا صارخًا بوجود عجز واضح من قبل الحكومات المتعاقبة
تفاقمت الأزمة بعدما جاءت مرحلة ما تسمى بالتغيير، جاءت ولكن لم تأتِ معها الحلول، إنما بالعكس، فنمت ظاهرة العشوائيات، بنحو لافت، فقد هب الناس غير مصدقين ليستحوذوا على كل ما طالته أيديهم من أراضٍ وبنايات، بصرف النظر عن ملكيتها، خاصة كانت أم عامة، ومع غياب الحلول، واشتداد الصراع السياسي في البلد، انتشرت الظاهرة، حتى غدت علامة فارقة تمهر وجوه مدننا كافة.
ولا ريب أنّ ظاهرة العشوائيات تمثل شاهدًا صارخًا، بوجود عجز واضح من قبل الحكومات المتعاقبة، في عدم قدرتها على معالجة المشكلة، وقطعًا، فإنّ السبب الرئيسي هو ليس الجانب المالي، فالعراق ليس فقيرًا، ولا توجد لدينا مشكلة، في الموارد، إنما لدينا مشكلة في هضم هذه الموارد وتوجيهها بنحو سليم، وتعود الأسباب غالبًا إلى غياب الإرادة، وتصارع التيارات السياسية، التي يحاول بعض راكبيها، استغلال عواطف ساكني العشوائيات، في تحقيق مآربهم الانتخابية والسياسية.
ولذلك كانت الحكومات تقف عاجزة غير قادرة على معالجة المشكلة جذريًا، وكانت المعالجة تحتاج الى بيئة إيجابية تحقق النجاح، وما لم يكن هناك تنسيق عال المستوى بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لن نشهد أي حل، بلحاظ المحاولات السابقة التي اصطدمت بأهواء ومصالح سياسية، كانت تريد تجيير الملف لحسابها الخاص، فغابت الحلول، وسادت المشهد ضبابية، تسببت بانحراف البوصلة عن مسارها الصحيح، فطال الأمد، وتفاقمت المشكلة، ولكن هذا لا يعني ولا يعفي أكثر المعنيين من محاولة البحث عن حلول، فلا توجد مشكلة في الكون ليس لها حل، شريطة توفر الإرادة، وقوة القرار. ويا ترى هل سنجد القرار وقوة الإرادة حاضرين بقوة، لإمضاء حزمة القوانين التي أكد عليها محمد شياع السوداني مؤخرًا، أم هلْ من ناصرٍ يعودُ بنا لأمجاد تشرين؟