تأتي الذكرى السنوية الـ(100) عام لتأسيس الجيش العراقي لتذكرنا بالمواقف البطولية التي قام بها الجيش من خلال حماية البلد، ومقدراته من الخطر الداخلي والخارجي، فقد جاء تأسيس هذا الجيش مع تشكيل أول حكومة عراقية برئاسة (عبد الرحمن النقيب) في25 تشرين الأول/أكتوبر من العام 1920 بعد عقد (مؤتمر القاهرة) والذي بموجبه اختير فيه (الأمير فيصل بن الحسين) ملكًا على العراق، وفي تلك المرحلة، تم تأسيس الفوج الأول من الجيش العراقي في بغداد وحمل اسم (فوج الإمام موسى الكاظم) وذلك في يوم 1 كانون الثاني/يناير عام 1921 واتخذ من مدينة الكاظمية مقرًا له، وتضمن هذا الفوج: (24) فوج مشاة، (6) كتائب خيالة، (6) بطريات مدفعية (6) سرايا (ارهاط) رشاشات متوسطة قطعات فنية ومخابر وإدارية.
قاد الفريق بكر صدقي وبعض من العسكريين أول انقلاب في تاريخ العراق المعاصر، بل في تاريخ الشرق الأوسط
وبعد أن تم إسناد حقيبة وزارة الدفاع (لجعفر العسكري) دعا الأخير عددًا من الضباط الموجودين في بغداد للحضور في مقر وزارة الدفاع لإعادة (519) ضابطًا من أجل الاستعانة بهم لوضع الأسس السليمة للجيش العراقي، وكان ذلك في 6 كانون الثاني/يناير 1921، واتفق الحاضرون على تشكيل المقر العام للجيش العراقي في خمس دوائر: الحركات، الإدارة، اللوازم، الطبابة، والمحاسبة، وتم توزيع المهام للضباط الحاضرين على الدوائر الخمس تلك، وهكذا كان هذا اليوم خالدًا في تاريخ العراق المعاصر والجيش العراقي.
اقرأ/ي أيضًا: قرار حل الجيش العراقي.. تفريخ المحاصصات!
ومنذ ذلك التاريخ لعب الجيش العراقي أدورًا مهمة في الحياة السياسية والأمنية، فقد كان للجيش دورًا فاعلًا في الحياة السياسية، إذ قاد الفريق (بكر صدقي) وبعض من العسكريين أول انقلاب في تاريخ العراق المعاصر، بل أول انقلاب في الشرق الأوسط وذلك في 29 تشرين الأول/أكتوبر 1936، وبعدها توالت الانقلابات في العراق، والتي كان للمؤسسة العسكرية دورًا بارزًا في تلك الأحداث، لحين وصول حزب البعث المنحل للسلطة في 1968 والذي عمل على أضعاف هذه المؤسسة من خلال أبعاد المعارضين للسلطة، فضلاً عن العمل على زج أفكار الحزب في هذه المؤسسة.
وفي نهاية سبعينيات القرن الماضي مر الجيش العراقي بمنعطف خطير، وذلك لظهور تشكيلات عسكرية منافسة لها، كالجيش الشعبي والقوات الخاصة والحرس الجمهوري، فضلًا عن تسلم (صدام حسين) رئاسة الجمهورية آنذاك في منتصف عام 1979، وقد عمل الأخير على السيطرة على الجيش وزجه في صراعات وحروب مع الدول المجاورة، كالحرب العراقية الإيرانية في 1980 التي استمرت ثمان سنوات، فضلًا عن (غزو الكويت) عام 1990، وآخرها كان عام 2003، وقد أدت هذه الحروب والصراعات الداخلية والخارجية إلى أضغاف القدرات العسكرية للجيش العراقي، والذي كان يعد من أقوى جيوش المنطقة، إذ كان الجيش العراقي يتألف من (375000) جنديًا منظمين في (5) فيالق مقسمة إلى (11) فرقة مشاة و(3) فرق مشاة و(3) فرق مدرعة، فضلًا عن قوات الحرس الجمهوري التي يتــراوح تعــدادها ما بين (50000) إلى (60000) جنديًا، فضلًا عن ما يقارب ب(6300) دبابة، وعددًا من راجمات الصواريخ والعربات المدرعة، أما بالنسبة للقوة الجوية فقد عٌدت أكبر قوة جوية في المنطقة في شهر آب/أغسطس 1988، وبلغ عدد الطائرات (910) طائرة مقاتلة، وبلغ عدد الهليوكوبتر ما يقارب (550) طائرة قتالية ونقل وخدمات، أما بالنسبة للدفاع الجوي، فقد بلغ قواعد صواريخ دفاع جوي بما يزيد عن (1000).
وعند احتلال القوات الأمريكية للعراق عام 2003 عملت على أضعاف تلك المؤسسة من خلال أصدر قرار رقم (2) الخاص بحل القوات المسلحة بكافة صنوفها وتشكيلاتها، فضلًا تدمير جميع المؤسسات التعليمية العسكرية من كليات ومعاهد عريقة ومدارس قتال الصنوف (الأسلحة) الرئيسة ومصانع الأسلحة والمستودعات والمخازن والبنى التحتية. ولكن بعد تصاعد حدة العمليات الإرهابية في العراق جعل من الإدارة الأمريكية أمام إعادة وبناء جيش عراقي جديد، وبالفعل أصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة الأمر الإداري المرقم (67) في 3 كانون الأول/ديسمبر 2004 القاضي بتشكيل الوزارة، والتي تكونت من (62) تشكيلًا مقسمًا إلى دوائر متخصصة كل بحسب اختصاصه، لتمارس الوزارة أعمالها بوساطة قياداتها المسلحة الرئيسة التي تتألف من (القوات البرية، القوات الجوية، القوات البحرية، وقوة مكافحة الإرهاب) ويمتلك وزير الدفاع صلاحية صنع القرارات في الوزارة، وتنفيذ جميع سياسات الدفاع بناءً على توجيه القائد العام للقوات المسلحة، وبعدها بدأت تتشكل القيادات المسلحة لوزارة الدفاع. ونظرًا للظروف الأمنية وانتشار السلاح وعمليات الاغتيالات بعد عام 2003 تم تسليم الملف الأمني في المحافظات لقيادات العمليات المسؤولة عنها قيادة القوات البرية من الناحية الإدارية والمالية، أما من الناحية الحركات فهي تتبع للقائد العام للقوات المسلحة.
وبالرغم من كل تلك التحديات والصعوبات التي تعرض لها الجيش العراقي على المستويين الداخلية والخارجي، لا سيما عام 2014، إلا أنه تمكن من يثبت ويبرهن بأنه جيش قادر على حماية البلد من الإرهاب، وعمليات التحرير عام 2017 دليلًا واضحًا على قوة الجيش العراقي والقيادة العسكرية الحكيمة، والتي عملت بدورها على إعادة هيكلة بعض الفرق بالتعاون مع القوات الأمنية الأخرى والتحالف الدولي، فضلًا عن تشكيل قيادة العمليات المشتركة، والتي كان لها دورًا مهمًا في عملية التنسيق والتعاون ما بين مختلف القوات المسلحة العراقية.
إن الإنجازات العسكرية في العراق لم تأت من فراغ، وإنما نتيجة لتضحيات كبيرة قدمها الجيش من ضباطه ومراتبه، فضلًا عن إدراك صانع القرار أن لا وجود لاستقرار وتنمية في البلد ما لم يكُن هنالك جيشًا قويًا، وهذا الجيش يتم تقويته من خلال تدريبه تجهيزه بالأسلحة المتطورة، فضلًا عن أبعاده عن الخلافات السياسية والمحاصصة وإسناد المناصب على أساس الكفاءة لا على أساس الانتماءات الطائفية. وختاماً نتقدم لجيشنا البطل المقدام قادة وضباط وضباط صف ومراتب باسمى آيات التقدير والعرفان، والفخر والعز والامتنان وأجمل الأمنيات، ونسأل الله عزه وجل أن يحفظ العراق وجيشه الباسل.
اقرأ/ي أيضًا:
وزير الدفاع يحذر بشأن مطلقي الصواريخ: هل تتذكرون السيارات المفخخة؟
ضجة يشعلها "عدم اعتراف" إقليم كردستان بعيد الجيش العراقي.. ائتلاف العبادي يعلق