في البدء كان أبو حسين. أمل العراقيون به خيرًا، ظنّوا أنه سيخرجهم مما أوقعهم فيه سلفه من آلام ومخاضات لم تنتج سوى الفوضى. أبو حسين المسلم ذو الأصول الكينية هو المخلّص الجديد لبلاد ما بين النهرين، فالرجل الأنيق قادم فقط من أجل تخليص العراقيين من مآسيهم. منقفذهم من ويلاتهم، على هذا الأساس حظيت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحامية بمتابعة العراقيين، تمنّى الكثير منهم أن يقترع ليساهم في باراك أوباما بالسباق الرئاسي، إلا أنه وصل إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية بلا مساعدتهم؛ في أقصى جنوب العراق، في محافظة البصرة، احتفل ذوو البشرة السوداء بوصوله إلى سدّة الحكم، وفي بغداد كانت السعادة عارمة بتسلّمه مفاتيح المكتب البيضاوي.
كان أوباما جرحًا مُضافًا إلى جروح السياسيين الذين تناهبوا أجساد العراقيين وثرواتهم
لكن، وبعد مضي عامين، "ارتد" ابو حسين. خيّب الآمال العريضة. صار ملكيًّا أكثر من الملك ليثبت للأميركيين أنّه مسيحي من "جماعتهم". كرهه العراقيون، صار ضعيفًا ومهادنًا، ولا يستطيع الضغط على السياسيين العراقيين لإرساء البلاد على شاطىء الرفاه المُرتجى.
لم ينقص سكّان هذي البلاد سوى جرح جديد، وكان أوباما جرحًا مُضافًا لجروح السياسيين الذين تناهبوا أجساد العراقيين وثرواتهم.
أوباما الذي خان العراق، وسلّم ثلث مساحة أرضه لـ"داعش"، بعد أن عجزت طائراته عن ملاحقة عناصر التنظيم وهم يجوبون الصحارى العراقية، سدّد بذلك طعنة للعراقيين، وخلّف فراغًا كبيرًا سرعان ما سيملأه قاسم سليماني، الجنرال الإيراني المزهو بنووي بلاده. جاء سليماني، ذهب سليماني، هل رأيت صورته وهو يضحك؟ هل رأيته إلى جانب الولي الفقيه؟ لقد أجبر "فلان" على تقديم استقالته. سليماني المخلّص الجديد. وضعت صوره في الشوارع والساحات العامة إلى جانب صور الذين قضوا في الحرب ضد "داعش" من الفصائل المسلّحة، لكن الصور التي انتشرت بسرعة، لم تجاريها سرعة تحرير المدن العراقية من قبضة "داعش" حسب الوعود المتكررة، والتي بقيت مجرد وعود. لقد خيّب الجنرال الآمال أيضًا، وها هي الخزينة تصفر فيها الريح بسبب أكلاف الحرب المتصاعدة، ولا نصر متحقّق حتّى الآن.
اقرأ/ي أيضا للكاتب: دفاعا عن "ألمان" بغداد
من سيملأ الفراغ مجددًا؟ إنه أبو علي، وضعت له، عن الطريق الفوتوشوب، عمامة سوداء، وجرت مقارنة سريعة بينه وبين أبي حسين، عضلاته وهو يقود الدب الروسي تجعل الأدرينالين يفور في أجساد العراقيين، لا أحّد غير فلاديمير بوتين سيفكّ طلاسم "داعش"، هو الواحد الأوحد القادر على طرد "داعش" من المُدن التي يحتلها، وإعادة النازحين إلى منازلهم، ونقل العراق إلى برّ الأمان من الأزمة المالية التي تفتك به؛ سيأتي بالسلاح والسوخوي مجانًا.. المعركة قاربت على الانتهاء.
وبالرغم من أن أبا علي لديه الشعبيّة الأكثر في العراق، إلا أن أبا حسين ما زال منافسًا قويًّا. الانقسام واضح، والحرب الإعلاميّة على أشدّها، والأراضي بيد "داعش".. على حالها.
ظلّت السياسة العراقيّة طوال العقد الماضي ملعبًا سياسيًا دوليًّا، وجرى ذلك بموافقة أحزاب المحاصصة وتشجيعها
لا يبدو غريبًا، والحال هذه، أن لا يكون السياسيون العراقيون حاضرين في المنافسة بين هذا الثلاثي، إذ لا خلاص للبلاد بهم! منذ البداية ارتضى هؤلاء أن يقفوا خلف القوى الإقليمية والدولية، وأن يكونوا جنود شطرنج بلهاء تُحرّك ببساطة. اليوم، يؤشر العراقيون أن هذا الحزب يأخذ تمويلًا من السعودية، وذاك من إيران. يحظى هذا بدعم بريطاني غير محدود، وذاك تشجّعه واشنطن على "الإصلاح"، أما من هم في الوسط فتسعى القوى الإقليمية، الداعمة لهم، إلى زجهم في السلطة.
ظلّت السياسة العراقيّة طوال العقد الماضي ملعبًا سياسيًا دوليًّا، وجرى ذلك بموافقة أحزاب المحاصصة وتشجيعها. شُرّعت الأبواب أمام الجميع للعب سياسي قذر، أفرغ خزينة الدولة، وشرّد الملايين، وأفقر وجهّل ملايين أخرى. لا شيء محلّي في هذي البلاد.
اليوم أيضًا يطلّ السياسيون ببساطة، ليعلنوا فتح الباب واسعًا أمام روسيا لتجريبها بعد أن فشلت أمريكا، وهذا التجريب يخلف بطبيعة الحال أرواحًا عراقية بالجملة.
أهلًا أبا علي، مرحى أبا حسين.
اقرأ/ي أيضا للكاتب: حظيرة "الكناغر" العراقية