يحتفظ معظم العراقيين بذاكرة حول أرز العنبر ورائحته التي تتميّز بها مناطق الفرات الأوسط، لكنّ هذا المحصول الذي يعتبر من المصادر الغذائية المهمة على موائد العراقيين، يكاد ينحسر إثر أزمة المياه التي تجتاح البلاد.
انخفضت مساحات زراعة الشلب في المحافظات العراقية التي كانت تتميّز به
مدير زراعة محافظة الديوانية، صفاء الجنابي، تحدّث عن إمكانية خسارة العراق لزراعة الشلب بنوعيه المعروفين (أرز العنبر والياسمين)، مؤكدًا "وجود خسائر كبيرة للمزارعين".
ويقول الجنابي لـ"ألترا عراق"، إنّ "زراعة الشلب بنوعيه العنبر والياسمين تجري بشكل أساسي بين محافظتي النجف والديوانية بمساحة 500 ألف دونم، أما في محافظتي ذي قار والمثنى فهي أقل بكثير"، مبينًا أنّ "الموسم الماضي 2022 كانت حصة محافظة الديوانية من زراعة الشلب بمساحة 1850 دونمًا، بينما كانت في السنوات السابقة تصل إلى 160 ألف دونم".
وبحسب الجنابي، فإنّ "مساحات زراعة الشلب انخفضت بشكل كبير ليس في الديوانية فقط، بل محافظة النجف خسرت بتخفيض مساحتها من 250 ألف دونم للعنبر إلى نحو 3 آلاف دونم الآن تحاول الحصول عليها".
والمزارعون دخلوا في شهر حزيران/يونيو، ولا توجد قرارات حتى الآن بالمساحات التي سيتمّ زراعتها، حيث يؤكد الجنابي أنّ "المساحات يجب تحديدها منذ وقت طويل كي يستعد المزارعون لموسمهم بشكل جيد"، وعلى ما يبدو أنّ الجنابي والمزارعين لا يعلمون بقرار منع زراعة الشلب في العراق أصلًا.
وبسبب أزمة المياه الحاصلة في العراق، فإنّ "سقف طموحات دوائر الزراعة يصل لمطالبتها الآن بحصة 2000 دونم لزراعة الشلب في الديوانية، و 3000 دونم فقط في النجف"، وفقًا للجنابي.
أكثر من 600 ألف عائلة يعيشون على زراعة الشلب بنوعيه في محافظة الديوانية
وتقدر الخسائر التي سجلتها زراعة الشلب في محافظة الديوانية بـ 100 مليار دينار للموسم الماضي، نتيجة تخفيض المساحة إلى 155 ألف دونم فقط.
ويؤكد مدير زراعة الديوانية، أن "المزارعين بحاجة إلى دعم وإسناد كبير من الحكومة المركزية ووزارة الموارد المائية بزيادة إطلاقات المياه وترتيب الأوضاع، محذرًا من أن "زراعة الشلب سوف تنتهي في هذه المحافظات ويخسر العراق أحد مصادر الغذاء الرئيسية في الأسواق والتي يقبل عليها المواطنون بشكل كبير".
وبحسب الجنابي، فإنّ "أكثر من 600 ألف عائلة يعيشون على زراعة الشلب بنوعيه في محافظة الديوانية"، مبينًا أنهم "الآن أصبحوا بلا مورد مالي بسبب منع زراعة مساحاتهم نتيجة تخفيض الخطط الزراعية وعدم وصول المناسيب الكافية من المياه، فضلًا عن انتظار القرارات الجديدة التي ستصدر من الوزارة".
أما مدير زراعة محافظة النجف، منعم الفتلاوي، أكد وجود انخفاض بمساحة زراعة الشلب (العنبر والياسمين) في المحافظة نتيجة أزمة المياه المتواصلة.
وكانت النجف تزرع سنويًا 218 ألف دونم من الشلب، ويكون إنتاجها 142 ألف طن سنويًا من أرز العنبر والياسمين، وهي أرقام الخطة المعتمدة بشكل ثابت قبل أزمة شح المياه والتخفيض للخطة، بحسب الفتلاوي.
لكنّ المحافظة وبسبب الجفاف "اضطرت لتخفيض نسبة المساحة إلى 6 آلاف دونم فقط وهو انخفاض كبير".
ويتحدث الفتلاوي لـ"ألترا عراق"، عن وجود "محاولات حثيثة ومستمرة بالتشاور مع وزراتي الزراعة والموارد المائية لدعم إبقاء مساحات جيدة وكافية لزراعة الشلب، لأهميته الكبيرة محليًا وعالميًا حيث يعرف العراق باإنتاج هذا النوع سنويًا وإدخاله للأسواق"، مستدركًا: "لكن الان توجد مخاوف لدى المزارعين من الخطة الزراعية بوجود تطورات إثر كميات الخزين المائي".
ويقول الفتلاوي إن "محافظة النجف زراعية وتمتاز بزراعة محصول الأرز أو الشلب الذي بات يعاني الانقراض بسبب انخفاض مساحات الزراعة كنتيجة لأزمة شح المياه".
يتخوف كثيرون من انقراض أرز العنبر وزراعة الشلب بسبب الجفاف
المتحدث باسم وزارة الموارد المائية، خالد شمال، أكد فعلًا أن الخطة الزراعية للموسم الصيفي لن تشمل زراعة محصول الشلب، معللًا ذلك بأنه "يستهلك كميات كبيرة من المياه وسط الأزمة الحاصلة".
ويقول شمال لـ"ألترا عراق"، إنّ "الخطة الزراعية المقبلة يجري مناقشتها حاليًا بين وزارتي الموارد المائية والزراعة، حيث ستشمل البساتين المثمرة والفواكه الصيفية دون زيادات أخرى بالنظر للانخفاض الحاصل بسبب أزمة شح المياه".
وأشار إلى أنّ "التوجه نحو استخدام طرق الري الحديثة هو أحد الأسباب التي يمكن مساهمتها بإعادة زراعة الشلب بأنواعه كون الأدوات المتطورة للري لا تستهلك مناسيب المياه، كما يحصل الآن بوجود قلة الإطلاقات المائية من دول المنبع".
وفي الأثناء، دعا عضو الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية، محمد كشاش، الحكومة إلى ضرورة إيجاد حلول لمعالجة أزمة شح المياه بالنظر لانخفاض الكثير من المساحات الزراعية، مؤكدًا "تضرر مساحات زراعة الشلب في المحافظات المشهورة بزراعته".
وقال كشاش لـ"ألترا عراق"، إنّ "محصول الشلب من المحاصيل الاستراتيجية في العراق ويزرع في محافظات الديوانية والنجف وذي قار والمثنى، مستدركًا "لكن جرى تخفيض مساحاته منذ الموسم الماضي ما أدى لانخفاض الإنتاج المسوق"، موضحًا أنّ "التفريط بهكذا محصول مشهور وعليه إقبال كبير يعد خسارة بالملايين للقطاع الزراعي وللفلاحين".
قالت الموارد المائية لـ"ألترا عراق" إن الخطة الزراعية للموسم الصيفي لن تشمل زراعة محصول الشلب
وطالب الحكومة العراقية بـ "ضرورة الضغط على الدول المتشاطئة من أجل إطلاق حصة مائية كافية للموسم الزراعي، خاصة بعد تخفيص المساحات في الخطة الزراعية الماضية وتضرر العديد من المحاصيل بضمنها محصول الشلب المهم والنوعي في العراق، حيث يحتاج لكميات مياه كبيرة من أجل نجاح موسمه".