"احذروا غضب الحليم!". بهذه الجملة التحذيرية للقوى والأحزاب وما اسماها بـ"الطبقة السياسية العليا"، عاد التيار الصدري إلى الحديث السياسي المباشر، بعد أشهر على الاعتزال، بقرار من زعيمه مقتدى الصدر، فيما لا زالت التكهنات حول عودته من عدمها غير معلومة، وليس هناك تصور واضح عنها.
قال التيار الصدري إن ما يجري في الساحة السياسية هو مراقب من قبله عن كثب
وخلال خطبة صلاة الجمعة المركزية في مسجد الكوفة، قال خطيب الجمعة هادي الدنيناوي، إنّ "الطبقة العُليا السياسية التهت بسنّ القوانين التي تخدم مصالحها الحزبية والفئوية والشخصية"، مضيفًا "نحن نعتقد أن سبب هذا كله هو (سكون الحليم) وليس سكوته فَـ(آل الصدر) لا يسكتون واحذروا غضبة الحليم إذا غَضِب"، كما حذر الدنيناوي أيضًا من "استغفال" القوى السياسية لموقف التيار، مؤكدًا أنه "يراقب عن كثب ما يجري في الساحة السياسية".
تجميد التيار والمناورة بالعودة
خطبة التيار السياسية جاءت بعد أسابيع من إعلان الصدر عن تجميد التيار لمدة عام، بدءًا من موعد إعلان هذا القرار في يوم الجمعة 14 نيسان/أبريل 2023، وذلك لـمحاربة من سماهم بـ "المفسدين" داخل مفاصل التيار.
وكان أحد أسباب إعلان الصدر لتجميد التيار هو ظهور جماعة تطلق على نفسها "أصحاب القضية" وتروّج إلى أن الصدر هو "المهدي المنتظر"، والذي أثار غضب الكثير من الصدريين تجاههم، ليتم إلقاء القبض على عدد كبير منهم من قبل الأجهزة الأمنية.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، رجح مراقبون عودة التيار الصدري إلى العملية السياسية والتحضير للمشاركة في الانتخابات المحلية المزمع أن تجرى في نهاية العام الجاري، لكن آخرين توقعوا تجهيز التيار الصدري للعودة إلى الشارع وإطلاق تظاهرات جديدة، فيما جاء هذا التوقع بعد أن فندت قوى الإطار التنسيقي وجود أي توجه لإجراء انتخابات مبكرة، كما اشترط الصدر عليها ذلك قبيل تشكيل الحكومة الحالية.
مرحلة جديدة للتيار
وبينما لم يصرّح أعضاء التيار الصدري بما يحصل داخل التيار من توجهات للمرحلة المقبلة وما هو مصيرهم السياسي، يعتقد مراقبون أنّ الصدريين يجهزون لبداية مرحلة جديدة بعد منح الحكومة الحالية وقتًا إضافيًا لتقييم عملها ثم العودة للمشهد السياسي.
واتخذ التيار الصدري عدة إجراءات خلال الآونة الأخيرة، منها "عدم حضور السياسيين من غير التيار في احتفالاتهم وأيضًا في فحوى البصمة بالدم للصدر، وعودة بعض الصفحات وتوجيهات ما يعرف بوزير القائد"، وكلّها تشير بحسب الأكاديمي والمحلل غالب الدعمي إلى أنّ "التيار مقبل على مرحلة جديدة من العمل وربما يعود للعمل السياسي".
ويقول الدعمي لـ"ألترا عراق"، إنّ "التيار الصدري قوة قوية في الشارع وجاهزة، مبينًا "ربما الآن هي إذا صح التعبير كخلايا نائمة تنتظر خروج المشهد السياسي أو التنفيذي عن إطاره الصحيح وعن كفته الصحيحة لتخرج وتعيده إلى مساره الصحيح".
وبينما لم يستبعد خروج الصدريين إلى الشارع، بيّن الدعمي أن "التيار قد لن يخرج هذه الأيام، وربما يعطي مجالًا آخر ووقتًا أطول من أجل إعطاء فرصة للحكومة الحالية بأداء عملها"، مبينًا "ليس من المستبعد أن يكون للتيار الصدري في المرحلة المقبلة وجودًا لاسيما في الجانب السياسي، ولكن ليس عبر التظاهرات في الشارع".
لا رسائل للإطار
الإطار التنسيقي، وهو الخصم السياسي الأول لزعيم التيار الصدري، يعتبر أنّ ما تحدث به خطيب جمعة الكوفة "لا يعبّر" عن الصدر نفسه، مستبعدًا أي "تظاهرات قد تخرج ضد حكومة السوداني".
ويقول القيادي في الإطار التنسيقي جاسم محمد البياتي، لـ"ألترا عراق"، إنّ "ما قاله خطيب الجمعة في الكوفة هي غاية في نفس يعقوب، وما يصدر عن خطيب الجمعة لا يعني بالضرورة أنه صادر عن الصدر".
والصدر ـ بالنسبة للبياتي ـ "قريب من الشارع والقوى السياسية ويستطيع أن يرسل رسائله بصورة مباشرة وعلنية وليس بطرق غير مباشرة".
وعن التوقعات بعودة الحراك الشعبي ضد حكومة السوداني، يرى البياتي أنّ "الحكومة قد تسير وفق المنهج الذي وضعته، وفي حال التلكؤ والخطأ فهناك كتل سياسية تبنت دعمها وهي ستقوّم عمل الحكومة".
وزعم البياتي أنّ "حكومة السوداني لغاية الآن لم تتلكأ في عملها، بل فتحت وعالجت الكثير من الملفات، والسوداني يمتلك رغبة كبيرة من الشعب واستطاع عبور الفخاخ التي وضعت أمام عمله وهناك ارتياح كبير تجاه حكومته".
تحذير للأتباع
لكنّ المحلل السياسي، أحمد المياحي، رأى في خطبة الكوفة الأخيرة، تحذير لأتباع التيار الصدري وبعض السياسيين فيه، وهم من الذين "قد يريدون الانشقاق عن التيار وتشكيل كتلة سياسية جديدة للمشاركة في الانتخابات بعد أن أيقنوا أن الصدر لن يشارك في الانتخابات المقبلة".
الصدر، وخلال إعلان اعتزاله العمل السياسي، قال إنه لن يشارك في الانتخابات المقبلة "بوجود الفاسدين وهذا عهد بيني وبين الله وبيني وبينكم، ومع شعبي"، وذلك جاء خلال لقائه الكتلة الصدرية في 15 حزيران/يونيو 2022.
ويؤشر المحلّل المياحي وجود حالة من عدم الاستقرار داخل التيار بعد قرار التجميد، كما يقول لـ"ألترا عراق"، إنّ "التيار الصدري يبدو في حالة انعدام وزن بعد قرار الصدر بتجميد جميع مفاصل التيار"، كما بيّن أنّ "رسالة الخطيب ليست للحكومة أو القوى السياسية، بل هي للأتباع ومفادها إياكم والذهاب باتجاه تلك القوى، وبالوقت نفسه تحذير مبطن لتلك القوى من مغازلة الذين لديهم الاستعداد للذهاب باتجاه قوى الإطار أو مستقلين".
والجانب الأهم بحسب المحلّل السياسي هو أن "هناك عملية تنظيف ذاتية من داخل التيار منذ سنة أو أكثر، فقد تم طرد أو تجميد أو براءة من عدد كبير من المنتمين للتيار، وهؤلاء يمتلكون المال والسلاح والأتباع"، معللًا ذلك بـ"تغريدة الصدر في يوم الثالث والعشرين من رمضان المنصرم حينما قال: كيف أدعو للإصلاح ولا أستطيع إصلاح التيار؟".
ويعتقد المياحي بوجود "ضغط كبير من بعض قيادات التيار للعودة إلى العملية السياسية بأي ثمن وهذا ما لا يرغب به الصدر الآن".
وحول موقف الصدر من الحكومة الحالية، يرى المياحي أن "لا مساحة كافية في الوقت الحالي لتعطيل عمل الحكومة بعد ازدياد شعبية السوداني والعمل بشكل جدي لحل أزمة الكهرباء وتخفيف الضغط على كاهل المواطن".
يرى مراقبون أن هناك ضغوطًا تمارس على الصدر من قيادات في تياره من أجل العودة للعملية السياسية
ومن المقرر أن تجرى الانتخابات المحلية العراقية في نهاية العام الجاري باتفاق حصل بين ائتلاف "إدارة الدولة" الذي يجمع الإطار التنسيقي والقوى السنية والكردية، مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، لكن ملامح مشاركة التيار الصدري في هذه الانتخابات لا تبدو واضحة المعالم لغاية الآن.