من الصعب أن نطلق تسمية الدولة على بلد مثل العراق. ربما سيقول أحدهم أنت تُريد أن تُقلل من شأن البلاد أو تُضعف من "هيبة الدولة". الدولة هي مجموعات بشرية اتفقت على أن تعيش سوية، في منطقة جغرافية معينة تلتزم بإطار معين لإدارة شؤونها ضمن مؤسسات لا تخضع سوى للقانون.
اقتصر فهم المسؤول العراقي للدولة على دخول عدد من المواطنين إلى منطقة تعزلها جدران كونكريتية عن بقية العراقيين
لا يمكن حتى اللحظة أن نصف العراق بـ"الدولة". فالعراق عبارة عن حدود جغرافية بداخلها مجتمعات متصارعة فيما بينها "قادتها" اتفقوا على إنشاء دكاكين قيل إنها "مؤسسات دولة"، تدر عليهم أموالًا طائلة، فهذه "الدولة" بالنسبة لهم، مصنع مُنتج امتلكوه دون عناء.
اقرأ/ي أيضًا: العالم الأزرق.. الحياة داخل مصباح علاء الدين
العراقيون تداولوا في الأيام الأخيرة مصطلح "هيبة الدولة" واستهزؤوا به كثيرًا، بعد أن تحدث ساستهم عن تعرض "هيبة الدولة" للمساس عندما دخل محتجون قبل أيام إلى المنطقة الخضراء، لكنهم تناسوا أن لا دولة موجودة حتى تتعرض هيبتها للمساس.
اقتصر فهم المسؤول العراقي للدولة على دخول عدد من المواطنين إلى منطقة تعزلها جدران كونكريتية عن بقية العراقيين، وفيها مقار حكومية وبعثات دبلوماسية، لكنه تجاهل أن لا دولة دون وجود احترام لهيبة الإنسان. بما أننا أجزمنا بأن لا هيبة لأي بلد دون وجود احترام لهيبة الإنسان، فبلاد ما بين النهرين ما كانت في يوم ما "دولة". العراقيون تُنتهك حقوقهم منذ عقود، ومنذ قرون، وكل سلطة جاءت كانت بدم وعلى حساب الإنسان، ومنذ تأسيس "الدولة" العراقية عام 1921، لم ينته الدم والاقتتال والصراع في البلد حتى اللحظة، وهذا يؤكد أن لا دولة في العراق الآن.
اقرأ/ي أيضًا: زمن النكبات
لنتوقف قليلًا ونُقرر عدم الكذب على أنفسنا، نحن مجموعات بشرية غير راغبة في العيش سوية
المسؤول العراقي الذي يتواجد في مناصب حكومية وغير حكومية مهمة لم يأبه لما يحدث للناس في بلده، ولم يحزن في يوم ما على بحار الدم التي سالت منذ 13 عامًا، لكن قطعة أثاث بسيطة داخل مبنى مجلس النواب لُطخت بدم متظاهر جُرح بزجاج مبعثر في الأرض أوقف مسؤولي أعلى سلطتين تنفيذية وتشريعية في البلاد أمامها بحزن كبير.
نحن نموت يوميًا، لذا نحن لسنا في دولة، نحن جائعون كل يوم، لذا نحن لسنا في دولة، نحن نُهان في كل لحظة، لذا نحن لسنا في دولة، نحن نُسرق باستمرار، لذا نحن لسنا في دولة، نحن نُباد بشكل جماعي، لذا نحن لسنا بدولة.
لنتوقف قليلًا ونُقرر عدم الكذب على أنفسنا، نحن مجموعات بشرية غير راغبة في العيش سوية، وغير راغبة أن تخضع للقانون، وغير مقتنعة بأن الإنسان أهم من كل شيء، وغير متفقة على أن يكون السلام حلًا. الدولة هي أن يكون القانون فوق كل شيء وأقوى من كل شيء، الدولة هي أن لا ترى سلاحًا في الشارع لغير رجل الشرطة أو الجيش أو أية قوة رسمية أخرى، الدولة أن يكون لديك هيبة كإنسان تُحترم في أي مكان تكون فيه، لا أن تُهان ما لم تكن منتميًا لحزب أو جماعة مسلحة. نحن لسنا بدولة، ولا يوجد ما يؤهلنا لنكون ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: