رغم القرار الحكومي الذي جاء بإقالة محافظ البنك المركزي، مصطفى غالب مخيف، إلا أنّ الغضب لا يزال ينتشر بين العراقيين إثر استمرار ارتفاع أسعار الدولار في عموم المحافظات، الأمر الذي زاد من التساؤلات حول مصير العملة الصعبة في العراق.
قالت السفيرة الأمريكية لدى بغداد إن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة بشأن ملف الدولار في العراق تهدف إلى منع عمليات غسيل الأموال
وعلى إثر ارتفاع الأسعار، أعفى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، محافظ البنك المركزي مصطفى غالب مخيف من منصبه، يوم الاثنين الماضي، فيما كلف علي محسن العلَّاق بإدارة البنك المركزي بالوكالة على خلفية أزمة الدولار.
وتجاوزت أسعار الصرف حاجز الـ 160 ألفًا لكل 100 دولار في البورصة والصيرفات المحلية، في حين شهدت الأسواق ارتفاعًا مستمرًا في السلع الاستهلاكية، ما دفع عراقيون نحو المطالبة بالخروج في تظاهرات أمام البنك المركزي وسط العاصمة بغداد.
حلول اقتصادية
ويرى الخبير الاقتصادي، أحمد صدام، أنّ الإجراءات السريعة للسيطرة على سعر الصرف في الأسواق المحلية لا تكمن في تغيير أعلى منصب إداري في البنك المركزي، بقدر ما يكمن في قضية رفع مستوى سيولة المصارف التجارية من الدولار، بالتوازي مع توجه الحكومة "نحو تشديد الرقابة على مكاتب الصيرفة ومنع المغالاة في رفع سعر الدولار".
مقابل ذلك ـ والكلام لصدام ـ يتوجب على الحكومة "التنسق مع الفيدرالي الأميركي بشأن تسريع إجراءات التدقيق على طلبات الدولار في المنصة الالكترونية للبنك المركزي العراقي الخاضعة للرقابة الفيدرالية الأمريكية".
ووفقًا لحديث الخبير الاقتصادي مع "ألترا عراق"، فإنّ "هذه الإجراءات من شأنها أن ترفع من مستوى توجه التجار نحو البنك المركزي بدلاً من مكاتب الصيرفة، الأمر الذي سيعمل على خفض مستوى سعر صرف الدولار في السوق الموازي بشرط أن يكون بوتيرة مستمرة".
وتعليقًا على ربط واشنطن بقضية الدولار، قالت السفيرة الأميريكية لدى بغداد ألينا رومانوسكي في تصريحات تلفزيونية، إنّ الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة بشأن ملف الدولار في العراق "ليست سياسية"، مشيرة إلى أنها "تهدف إلى منع عمليات غسيل الأموال وامتثال المصارف للنظام المصرفي العالمي".
ما هي الدلالات السياسية؟
سياسيًا، لا يرى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، قضية تغيير محافظ البنك المركزي مرتبطة بالخطط السياسية للحكومة، معللًا ذلك بأنّ "الأخيرة أمام كارثة حقيقية تكمن في انهيار الدينار العراقي".
وفي حديث لـ"ألترا عراق"، يشير الشمري إلى أنّ "الحكومة الاتحادية اضطرت لإجراء تغيير في البنك المركزي، خصوصًا وأن هناك استياءً شعبيًا كبيرًا جراء ارتفاع أسعار جميع المواد على خلفية الارتفاع في قيمة الدولار الأمريكي".
وبحسب الشمري، فإنّ الإطار التنسيقي يخشى من استمرار الأزمة التي قد تؤدي إلى تحميله مسؤولية انهيار العملية السياسية في العراق، مبينًا أنّ "هناك اعتراضًا من بعض القيادات داخل الإطار على تكليف علي العلاق بمنصب محافظ البنك المركزي، لكنه جاء ضمن خطة طارئة لوقف تداعيات الدولار".
وحول إمكانية استغلال الأحزاب لقضية الدولار من أجل إجراء تغييرات في الدرجات الخاصة، يوضح الشمري أنّ "هناك حاجة ماسة لإجراء هيكلة في المناصب على الجانب الاقتصادي، لكن بعيدًا عن التقاسمات الحزبية، كون أن استمرار توزيع المناصب على أساس المحاصصة سيؤدي إلى انهيار الدولة".
وتوقع الموقع البريطاني "ميدل إيست آي"، تفاقم الأزمة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، الأمر الذي قد يذهب نحو انهيار التجارة اليومية بالدولار من خلال مزاد العملة الذي يديره البنك المركزي العراقي، إذ تعتمد الحكومة على المزاد لتحويل الدولارات التي تجنيها من عائدات النفط إلى العملة المحلية (الدينار).
ووفقًا للموقع، فإن الحكومة العراقية تواجه أزمة في دفع رواتب القطاع العام والوفاء بالتزاماتها الشهرية الأخرى، فضلًا عن وجود فجوة عميقة في مواردها المالية العامة بسبب الحملة على الفساد وتهريب الدولار من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي منذ "سرقة القرن".
خطة حكومية جديدة
لكنّ الخبير في مجال الاقتصاد عبد الرحمن الشيخلي، رأى أنّ ارتفاع أسعار الدولار لا يتحمله محافظ البنك المركزي السابق، كون أنّ "العراق أصبح الآن أكثر التزامًا بالمعايير الدولية وبدأ يتعامل معها بجدية".
ويقول الشيخلي لـ"ألترا عراق"، إنّ "إجراءات العراق طمأنت البنك الفدرالي الأمريكي مع التأكيد المستمر حول ضمان عدم تسرب الحوالات الخارجية لغير مبتغاها هو أهم ما يريده المجتمع الدولي اليوم من العراق".
وحول أسباب اختيار العلاق لهذا المنصب، اعتبر الشيخلي أنّ "المحافظ الجديد ترأس سابقًا منظمة معنية بمكافحة غسل الأموال في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ما يعني إمكانية نجاحه بشأن التفاوض مع الفدرالي لرفع القيود الثقيلة عن العراق وبنفس الوقت إثبات ضمان الإجراءات الحكومية لمنع تسرب الدولار إلى الدول المحظورة".
رأى محللون سياسيون أنّ استمرار توزيع المناصب الاقتصادي على أساس المحاصصة سيؤدي إلى انهيار الدولة
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإنّ العملة العراقية فقدت نحو 10 بالمئة من قيمتها، بعد إجراءات غامضة بالنسبة لكثير، تتعلق بفرض قواعد امتثال (Compliance Rules) على تعاملات البنك المركزي العراقي مع تجار العملة في ما يتعلق بالدولار الأمريكي.