مع أول أيام موسم الصيف اختفى هور "العودة" بالكامل كما هو الحال مع معظم المسطحات المائية والأنهر الفرعية من أقصى شمال البلاد حتى البصرة، حيث تدخل البلاد موسم الجفاف الخامس دون خطة واضحة لمواجهة أزمة المياه.
العراق يفرط بنصف أسماكه!
وتفرض السلطات إجراءات صارمة بهدف الحفاظ على أكبر قد ممكن من المياه في السدود، لكنها بالمقابل تهدد الثروة السمكية، إذ يتوقع مختصون أن ينخفض إنتاج العراق من الأسماك إلى أقل من النصف، بعد إزالة أحواض التربية "غير الشرعية".
ترجح جمعية المربين أنّ يخسر العراق أكثر من نصف إنتاجه من الأسماك إثر إجراءات مواجهة الجفاف
وتقول جمعية مربي الأسماك، إنّ هدم هذه الأحواض على الأنهار بموجب قرار وزارة الموارد المائية في موعد أقصاه الأول من تموز/يوليو المقبل، سيرفع سعر الكيلوغرام من السمك إلى 15 ألف دينار.
بالمقابل يشكك المسؤولون في وزارة الزراعة بهذه التوقعات، ويؤكدون أنّ إجراءات إزالة الأحواض "لن تشمل الجميع".
ويقول مدير دائرة الثروة الحيوانية وليد محمد لـ "الترا عراق"، إنّ "إزالة أحواض تربية الإسماك المتجاوزة، جزء من خطة الوزارة للتعامل مع أزمة الجفاف، وسيطال فقط المتجاوزين"، لكنه يقرّ في الوقت ذاته أنّ المياه ربما لن تصل إلى الأحواض المجازة حتى نهاية هذا العام.
ويضيف محمد أنّ أسعار الأسماك تتراوح في الوقت الراهن بين 8 - 9 آلاف دينار للكيلوغرام الواحد، عادًا التوقعات بارتفاع الأسعار بفارق نحو الضعف بـ "مبالغة".
60 دونمًا.. لا تهاون
وتقدر وزارة الموارد المائية المساحات التي تشغلها أحواض الأسماك غير المرخصة بـ 60 ألف دونم، مؤكدة أنّ إجراءات إزالتها لن تتوقف.
ويقول المتحدث باسم الوزارة خالد شمال لـ "الترا عراق"، إنّ هذه الأحواض "تستولي على الحصص المائية وتزيد من حالات التلوث"، مبينًا أنّ مساحة الأحواض المرخصة في البلاد لا تتجاوز 25 ألف دونم.
تقدر وزارة الموارد المائية مساحة أحواض الأسماك غير المجازة بنحو 60 دونمًا مؤكّدة أنّ إجراءات إزالتها لن تتوقف
"لا يمكن السماح باستمرار هذه التجاوزات على الحصص المائية والإضرار بالمدن والمزارع خاصة في الجنوب"، يضيف شمال، مشيرًا إلى أنّ "الوزارة اتخذت إجراءات لردم الأحواض بعد تحذير أصحابها في 3 مواعيد سابقة".
ويؤكّد المتحدث باسم الوزارة أنّ الهدف من هذه الإجراءات "توزيع المياه وفق خطة إدارة أزمة الجفاف، بالتزامن مع رفع الإطلاقات المائية لنهر الفرات من بحيرة الثرثار بواقع 100 متر مكعب في الثانية، وخطوات أخرى لتغذية النهر من سد حديثة، على الرغم من انخفاض الواردات المائية من تركيا وسوريا".
"فشل".. الحكومة لم تستمع!
وتواجه هذه الإجراءات انتقادات كبيرة حيث يعدّها مختصون "تعبيرًا عن الفشل والتخبط" الحكومي بما يتعلق بملف المياه.
يقول المختص في شؤون المياه تحسين الموسوي لـ "الترا عراق"، إنّ وزارة الموارد المائية اضطرت إلى إزالة أحواض تربية الأسماك بعد أن "خابت مساعيها خلال المفاوضات مع تركيا وإيران حول حصص المياه، لتدخل البلاد عامها الخامس في ظل الجفاف الشديد".
ويوضح الموسوي، أنّ "العراق خسر جراء ذلك التنوع الأحيائي وأكبر ثروة سمكية في الأهوار"، مبينًا أنّ "وزارة الموارد كانت أطلقت العنان لبحيرات الأسماك الطينية في عام 2017، ولم تستمع للتحذيرات الدولية حول الجفاف المتوقع بسبب تغير المناخ وغياب الاستراتيجية والخطط والرؤى الواضحة، لتضطر الآن إلى قطع المياه عنها".
ليس السمك فقط بل البشر أيضًا!
وينظر الموسوي إلى ارتفاع أسعار الأسماك "كتهديد حقيقي" لاقتصاد البلاد، مشيرًا إلى أنّ "دول التشارك المائي ستستغل الأزمة في العراق لتحوله إلى سوق لمنتجاتها من الأسماك".
يكمن الخطر الأكبر وفق المختصين بنسب التلوث الكبيرة التي تسجلها الأنهار ما يعني كارثة صحية إلى جانب الخسائر الزراعية والحيوانية
ويؤكّد الخبير في مجال المياه، أنّ وزارة الموارد "أخطأت بشكل كبير في قرار إزالة البحيرات الطينية التي وصلت إلى كميات إنتاج كبيرة"، ويرى أنّ "الإجراء الصحيح هو محاسبة المسؤولين في المحافظات والدوائر المعنية عن تقصيرهم في منع التجاوزات".
ويمثل قرار إزالة بحيرات الأسماك مثالاً على "الإجراءات غير المجدية" للسلطات العراقية، على حد تعبير الموسوي الذي يحذر من خسائر فادحة لأصحاب هذه المشاريع، وخطرًا أكبر من انخفاض مناسيب المياه يتعلق بـ "ارتفاع نسب التلوث في الأنهار، ما يعني أمراضًا وكارثة على السكان"، تضاف إلى خسائر الثروة الزراعية والحيوانية إثر الجفاف.