سبع إطلاقات اخترقت رأس رجل من عشيرة الصرايفيين في محافظة البصرة، أقصى جنوب العراق، بعد أن عاش خلال الأسبوعين الماضيين أيامًا حالكة السواد، وهو يرى التشهير به، والتحريض عليه، والسخريّة منه كل يوم. سبع إطلاقات أنهت حياته التي لم يستطع إنهائها بيديه.
والرجل البصري، الذي تجاوز عقده الخامس، عاش المرارة على مراحل. هو "مثلي"، وصُوِّر بكاميرا هاتف محمول في وضعٍ ممارسة مثليّة من قبل الرجل الذي معه.
انتشر أوّلًا هذا المقطع على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي لا يعرف أحد كيف سُرِّب، ومن ثمّ انتشر مقطع فيديو آخر على نطاق واسع يبرّر فيه الرجل أنّه ليس مثليًّا، وإنما مضيّفه الذي صوّره وضع له حبوبًا مخدّرة في شراب "الدارسين (القرفة)"، ولم يكن واعيًا لكل الأمور التي جرت معه.
لا يعرف أحد كيف لأشخاص يدعون قراءة الكتب ويتغنون بـ"الغرب"، ثم يقفون ضد المثليين ويسخرون منهم ويحرضون على قتلهم
وتردّدت أنباء عن أن بنات الرجل قد طلقهن أزواجهن بسبب "الفضيحة"، وأن أولاده اعتكفوا في المنزل خوفًا من مواجهة الناس، أما الرجل الذي صوّره فقد فرّ إلى إيران.
كل هذا لم يردع غالبيّة العراقيين، وعلى رأسهم جمع من "المثقفين"، من السخريّة من الرجل الذي قال أنه سينتحر، وأنه سيقتل الرجل الذي كان معه في الفيديو.
وصار الرجل البصري يكنّى بـ"دارسين" كناية عن حكايته التي رواها، والتي أكد غالبيّة المدوّنين زيفها، من دون حصولهم على أيّ تأكيد.
اقرأ/ي أيضًا: فتاة الدراجة الهوائية
والحال، فإذا كان الرجل مثليًّا بحقّ، وهو كاذب فيما أدّعى في الفيديو بشأن تخديره، فإن الأمر سيكون مخزيًا أكثر، لاسيما وأن ليس هناك أيِّة طريقة للحيلولة دون قتله عشائريًا بأعراف "غسل العار" القبليّة سوى الكذب على عشيرته والمجتمع؛ وبالمقابل ما كان على المدوّنين، ولاسيما أولئك الذين يدّعون الوقوف إلى جانب الأخلاق ونبذ العنف علاوة على التغنّي بالحرية، إلا الصمت إزاء تعرّض إنسان لخطر القتل، ومحاولته التملّص من مصير وضعته فيه فوضى التكنولوجيا، والأعراف البالية.
"العار" كان المفردة الأكثر تداولًا في التعليق على الفيديو الذي صور هذا الرجل، ويبدو أن المفردة نابعة من شعور جمعي قاد إلى التحريض على قتله، وهذا الشعور دفع كثيرًا من "المثقفين" إلى تبرير سخريّتهم بأن الرجل على خطأ، وأنه يستحق ما يحصل، وجزم بعضهم أنّه لن ينتحر، وقال بعضهم لن يُقتل.
إن حياة إنسان، أي إنسان، مهمّة، وأن التحريض على الأقليّات مثل المثليين وغيرهم في المجتمع تمثّل جريمة لا تختلف عن أي جريمة أخرى
وبعض آخر جرّمه، ودعا إلى القصاص منه علانيّة بلا أي خجل، وبلا أي وجل من دم بريء آخر ينزف في شوارع العراق التي تزكم رائحة الموت فيها أنوف الجميع.
وفي الواقع، لا يعرف أحد كيف يمكن تفسير مواقف أشخاص يدّعون قراءة عشرة كتب أو أكثر في الشّهر، في الفلسفة والفكر والسيسيولوجيا والأدب، فضلاً عن تغنيّهم بـ"الغرب" كونه مكانًا رحبًا للحريّات، إلا أنهم في الوقت ذاته يقفون ضدّ المثليّين، ويسخرون منهم، ويحرّضون على قتلهم، كما حصل مع الرجل البصري.
وبطبيعة الحال، قُتل الرجل بدم بارد، لم تكن عشيرته وحدها من قتلته، وإنما غالبيّة من "المثقفين" ساهموا بذلك. حرّضوا عليه، وأجّجوا المجتمع ضدّه، واستعاروا قاموس مفرداته البسيطة، ليضحكوا عاليًّا، وحوّلوه إلى استعارات ضدّ خصومهم، كما وظفوه في حملات إدانة السياسيين.
كل ما على هؤلاء فهمه أن حياة إنسان، أي إنسان، مهمّة، وأن التحريض على الأقليّات مثل المثليين وغيرهم في المجتمع تمثّل جريمة لا تختلف عن أي جريمة أخرى في هذا البلد المبتلى بالموت.. والبشاعة.
اقرأ/ي أيضًا:
فضيحة في العراق... المصارف "دكاكين" لتمويل "داعش"
تداع حر في عالم يتهاوى