"مُعارض"، يتعامل العراقيون مع تلكَ المُفردة على انّها صفة ثابتة للمُعرف بهِ، كأن يكون سياسيًا أو كاتبًا.. الخ، حتى أضحت مفردة مؤبدة تغوصُ ببحرِ السياسةِ الصماء في العراق. دائمًا ما أُحاولُ فهمهُ، ما دورُ المعارضِ في البلاد؟ حتى وإن وِجد، هل سيتمكن من ترسيخِ مُعارضته وتحقيق غاياتهِ، إذا ما توفرت الوسائل، في ظل نظامٍ "مؤبد" يمتلك ما يمكّنه من تحقيق ما يُريد.
هناك يأس من التغيير في العراق وتحول فعل المعارضة إلى أخلاقي وللتاريخ فقط
بعدها أُدرك، أنَّ من الطبيعي، نشوء معارضة إلى جانبِ سُلطات مؤبدة، دعونا نُكنيها "مؤبدةً "، لا تكف عن معارضةِ الحُكم لها، ومن المأسوفِ عليه، أنها تفتقد توفر وسائل التغيير تلك، وفي النهايةِ ستكون معارضة حُكم عليها بالتأبيد، في ظل نظامٍ غلقَ سُبل التغيير، يومَئذ ستُحبسُ المعارضة بالمُعارضة.
سلطةٌ مؤبدةٌ الإستبداد، وكنتيجةٍ حتميةٍ لعهرِها، ولدَت لنا سياسة صماء، لتحتلَ المُجتمع بسياستِها الترهيبية القمعية، تكوينٌ مسخيٌّ، اختفى وراءَ اسمِ الدولة، وتغَذى على الفساد، وتسترت عليه أيديولوجياتِ السياسة البسيطة، لتُعطلّ أي عمل معارض لها، تستندُ على استحضارِ المؤامرة لو قرب الخطر الخارجي، مجهودها هذا يأتي وفقًا لإنكارِ حق المعارضة، حتى لا تكون هناك قوة ثانية، تنسفُ وجودها وهذا في عرفهم ضرب من الشِّرك.
دائمًا ما تُحاول السلطة، امتلاكَ إمكاناتٍ هائلةً لتكون مؤبدة، حتى تُحطم كل الأصوات المعارضة، التحطيمُ هذا الذي أنتج وما يزال ينتج الكثير من الحُروب والصراعات، وترسيخِ الشخصيةِ والعائليةِ على مصلحةِ الفردِ المُواطن، الأمرُ جُله ليس بحقِ الأصوات المُعارضةِ تلك، بل امتد ليشملَ من لم يكن ممتثلًا لهم، حتى يُوضع خارجَ دائرةِ الشُبهات، وتسلل هذا الوقع المؤلم إلى ذهنيةِ المعارضة، وأنتج قبولًا نفسيًا لها باستحالة الخُروج من حالة المعارضةِ، بمعنى أن تشعرَ بقبول ضمني باستحالةِ الانتصار، وهذا ما نشهدهُ اليوم، هناك قنوط من إمكانيةِ التغيير، فراحَ فعلُ المعارضة يتحول إلى موقف أخلاقيّ "للتاريخِ" فقط.
قمعُ السلطة الدائم للمعارضة، أعطاها قيمةَ الاستقلال، تلك القيمة التي خرجت من رحمِ الحق بالوجود، من التضحيةِ والتنكيلات المُستمرة، باتت الشكوى من بطش السلطةِ وفسادِهاوتتفوق لدى هذه المعارضة على الاجتهادِ في اجتراح السُبل والمخارج المدروسة من الأزمات، فإذا ما توافرت الكفاءات، ستبدو أقل بكثيرٍ من المتاعب، استنادًا إلى أن مثل هذه الجهود لا تجد سبيلها إلى الاختبار في الواقع، ولا وجودَ للذين يكترثون بهِ، خصوصًا وأنّه صادر عن جهةٍ لا تملك من التنفيذ شيئًا.
أخيرًا أقول إن العراقيَّ المُعارض، يكرس وقته لاستهداف أيّ فعل يقوم بهِ الآخرون، دون تقديم خطوة بديلة.