فجر الخميس، 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2019، هاجمت قوات الرد السريع بعد تكليف الفريق جميل الشمري برئاسة خلية الأزمة في ذي قار، خيام الاعتصام على جسري الزيتون والنصر وسط مدينة الناصرية، واستخدمت القوات الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع مستخدمةً جرافة لإزالة الخيم، واستمرت حتى طلوع الشمس، وخلّف الهجوم عشرات القتلى والجرحى.
بعد فشل تمرير علاوي أعلن عبد المهدي عن "قرار اللجوء إلى الغياب الطوعي كرئيس مجلس الوزراء بكل ما يترتب على ذلك من إجراءات وسياقات"
في اليوم التالي، قال ممثل المرجعية الدينية العليا في خطبة الجمعة إن المرجعية "تتابع ببالغ الأسى والأسف أنباء الاصطدامات الأخيرة"، وتؤكد على "حرمة الاعتداء على المتظاهرين السلميين ومنعهم من ممارسة حقهم في المطالبة بالإصلاح".
اقرأ/ي أيضًا: برهم صالح والدستور مجددًا.. هل يمكن خرق مهلة ترشيح رئيس الحكومة؟
دعت المرجعية على لسان ممثلها "مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة إلى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن"، الأمر الذي فُسّر على أنه دعوة لسحب الثقة من حكومة عبد المهدي.
بعد ساعات، أصدر عبد المهدي بيانًا موجهًا لرئيس مجلس النواب، استبق فيه إمكانية سحب الثقة بالقول: "استجابة لخطبة المرجعية الدينية العليا وبالنظر للظروف الصعبة التي تمر بها البلاد أرجو من مجلسكم قبول استقالتي من رئاسة مجلس الوزراء والتي تعني استقالة الحكومة بمجملها".
في الأول من كانون الأول/ديسمبر 2019 وافق مجلس النواب على استقالة عبد المهدي بحضور 241 نائبًا، فيما أكد رئيس المجلس محمد الحلبوسي إن "قبول الاستقالة استنادًا إلى المادة 75 من الدستور"، مضيفًا: "ستتم مخاطبة رئيس الجمهورية لتسمية رئيس وزراء جديد حسب المادة 76 من الدستور".
تهديد بترك المنصب
بعد شهرين من قبول الاستقالة، واستمرار حكومة عبد المهدي لتصريف الأعمال اليومية، كلّف رئيس الجمهورية برهم صالح، الوزير الأسبق والنائب لدورتين محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة، وقبل انتهاء المدة الدستورية المُناطة للرئيس المكلف بتشكيل حكومته، لوح عبد المهدي بترك المنصب شاغرًا فيما لو مضت المدة دون منح الثقة لحكومة علاوي.
دعا عبد المهدي في رسالة له يوم 19 من شباط/فبراير، الكتل السياسية ومجلس النواب والرأي العام إلى "المضي قدمًا في تسهيل مهمة رئيس الوزراء المكلف محمد توفيق علاوي لتشكيل حكومته"، محذرًا من "أزمة أخطر" في حال عدم توصل القوى السياسية لحل حاسم في هذا الملف و"من خطر الدخول في فراغ جديد بسبب تسويف تشكيل الحكومة".
أضاف: "سيكون من غير الصحيح وغير المناسب الاستمرار بتحملي المسؤوليات بعد تاريخ 2 آذار/مارس 2020، ولن أجد أمامي سوى اللجوء إلى الحلول المنصوص عليها في الدستور أو النظام الداخلي لمجلس الوزراء".
غياب طوعي وتحذير من 81
لم تمر حكومة محمد علاوي بعد فشل اكتمال النصاب في أكثر من جلسة استثنائية لمنح الثقة، وقدم علاوي اعتذاره عن مهمة التكليف إلى رئيس الجمهورية، وعبّر عادل عبد المهدي عن "أسفه" لعدم نجاح علاوي في مهمته، وأشار في رسالة لرئيس الجمهورية ومجلس النواب في 2 آذار/مارس، إلى أن "أخطر ما يواجهنا حاليًا هو حصول فراغ دستوري وإداري، وأفضل حل هو الالتزام بالمواد الدستورية".
أعلن عبد المهدي في رسالته عن "قرار اللجوء إلى الغياب الطوعي كرئيس مجلس الوزراء بكل ما يترتب على ذلك من إجراءات وسياقات"، مضيفًا أنه قرر "تكليف أحد نواب رئيس الوزراء أو أحد الوزراء مسؤولية إدارة جلسات مجلس الوزراء وتصريف الأعمال اليومية".
حذّر عبد المهدي من احتمال اللجوء لاحقًا إلى إعلان خلو المنصب وفق المادة (81) من الدستور إذا لم تصل القوى السياسية والسلطات التشريعية والتنفيذية إلى سياقات تخرج البلاد من أزمتها الراهنة، وفق المادة (76) من الدستور".
بعد اعتذار محمد علاوي عن التكليف، رأى القاضي رحيم العكيلي أنه "يجب أن يحل رئيس الجمهورية محل رئيس مجلس الوزراء وفقًا للنص الدستوري في المادة 81"
في اليوم التالي، ذكر بيان لمكتب عبد المهدي أن الأخير شرح مضامين رسالته إلى رئاسة الجمهورية ومجلس النواب في اجتماع لمجلس الأمن الوطني وبعدها غادر الجلسة، وطلب من نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية فؤاد حسين إدارة الجلسة نيابة عنه حسب جدول الأعمال المقترح".
اقرأ/ي أيضًا: سيناريوهات ما بعد علاوي.. سباق جديد و3 مرشحين من ساحات الاعتصام
وأكد عبد المهدي أن "صفة القائد العام لصيقة بصفته رئيسًا لمجلس الوزراء حسب المادة 78 من الدستور وهي مسؤولية حصرية غير قابلة للتخويل".
جدل حول "الخلو"
ساد منذ فترة، جدل بين خبراء قانونيين وسياسيين حول مسألة خلو المنصب وتولي رئيس الجمهورية منصب رئاسة الوزراء، وكان نائب رئيس مجلس النواب حسن الكعبي قد أكد في كانون الأول/ديسمبر "استمرار رئيس مجلس الوزراء بتصريف الأعمال مع حكومته الحالية لحين قيام رئيس الجمهورية بتنفيذ الالتزام الدستوري الملقى على عاتقه دستوريًا"، مؤكدًا "عدم جواز قيام رئيس الجمهورية مقام رئيس مجلس الوزراء لأننا لا نكون إزاء حالة خلو منصب رئيس مجلس الوزراء".
بعد اعتذار محمد علاوي عن التكليف، رأى القاضي رحيم العكيلي أن "خلو المنصب لفظ عام يشمل جميع الأسباب، لذلك يجب أن يحل رئيس الجمهورية محل رئيس مجلس الوزراء وفقًا للنص الدستوري في المادة 81"، التي حذّر عبد المهدي نفسه منها.
كان الخبير القانوني علي التميمي أكد في وقت سابق أن "عبد المهدي قدم استقالته وقد قبلها البرلمان، ما يعني خلو المنصب وفق الدستور"، مبينًا في حديث لـ "ألترا عراق" أن "الحل لهذه المشكلة هو لجوء رئيس الجمهورية إلى المحكمة الاتحادية لاستفتائها في الموضوع.
لكن الخبير القانوني طارق حرب رأى "عدم وجود خلو أو فراغ إذا ترك عبد المهدي عمله لوجود نواب لرئيس الوزراء، ويستمر عمل حكومة تصرف الأمور لحين منح الثقة للحكومة الجديدة".
أضاف حرب: "لا يمارس رئيس الجمهورية صلاحية رئيس الوزراء طالما أن هنالك نوابًا لرئيس الوزراء، فالمادة 81 من الدستور التي منحت رئيس الجمهورية الحق بالجمع بين المنصبين اشترطت الفراغ والخلو وهذا لم يتحقق".
في السياق، رأى قانونيون أن الغياب الطوعي لعبد المهدي خرق للدستور، فيما يعتقد مراقبون أن خطوته هذه جاءت لقطع الطريق على رئيس الجمهورية في تولي منصب رئاسة الوزراء، ووصفها رئيس مركز التفكير السياسي احسان الشمري بأنها "خطة مع قوى فاعلة لعدم اختيار شخصية جديدة مع استمرار عملية النهب والتقاسم".
مستقيل غائب يزور ويقترح
ذهب مهتمون في الشأن السياسي بتفسير خطوات عادل عبد المهدي على أنها وسائل ضغط لإعادة تكليفه، خاصةً بعد اقتراحه تحديد يوم 4 كانون الأول/ديسمبر 2020 موعدًا لإجراء الانتخابات وحل مجلس النواب نفسه قبل 60 يومًا من ذلك، واقتراحه أن ينظم إجراء استفتاء حول تعديلات دستورية بالإضافة إلى حديثه عن دعوة لجلسة استثنائية لمجلس النواب من أجل حسم قانون الانتخابات والدوائر الانتخابية ومفوضية الانتخابات.
رأى قانونيون أن الغياب الطوعي لعبد المهدي خرق للدستور، فيما يعتقد مراقبون أن خطوته هذه جاءت لقطع الطريق على رئيس الجمهورية في تولي منصب رئاسة الوزراء
تلقت بعض الأوساط السياسية تلك الاقتراحات والدعوات على أنها دعوة ضمنية للإبقاء على حكومته كما هي أو إعادة تكليفه، وزاد تلك الشكوك زيارة عادل عبد المهدي في السادس من آذار/مارس إلى المنافذ الحدودية ومطار البصرة وميناء الفاو رغم ما ذكره في النقطة الخامسة من رسالته إلى رئيس الجمهورية ومجلس النواب، من أن "رئيس مجلس الوزراء سيتغيب عن توقيع الكتب الرسمية أو تلبية دعوات أو إجراء لقاءات أو مباحثات أو اجتماعات رسمية أو أجنبية"، كل ذلك بالتزامن مع تبنٍ واضح من أطراف سياسية وعسكرية لفكرة إعادة تكليف عبد المهدي.
دعوة سياسية
بعد "فشل القوى السياسية بتمرير حكومة محمد توفيق علاوي"، يقول النائب كتلة صادقون النيابية عبد الأمير التعيبان، "لا بد من إعادة تكليف عادل عبد المهدي مع تغيير عدد من الوزراء الذين تحوم حولهم شبهات".
اقرأ/ي أيضًا: نصح بـ"معاقبة" الصدر والعامري.. تقرير أمريكي يحذر واشنطن من دعم علاوي لسببين
كما رأى زميله في "صادقون"، النائب عدي عواد، أن البحث عن بديل لعلاوي "هو استنزاف آخر للوقت"، داعيًا في الأول من آذار/مارس إلى "التصرف بحكمة وعقل والتشاور مع عبد المهدي لإمكانية التمديد لحكومته"، مع وضع وقت لثلاث نقاط أهمها تحديد تاريخ مبكر لانتخابات مجلس النواب والمحافظات.
من جانبه، رأى النائب عن تحالف الفتح كريم عليوي بتصريح صحفي في الثاني من آذار/مارس أن "الخروج من الأزمة هو إعادة تكليف عادل عبد المهدي بشرط إجراء تغيير جذري في أركان كابينته الوزارية وإلزامه ببرنامج لمدة سنة كاملة ويتم بعدها إجراء انتخابات مبكرة".
كرديا، قال النائب عن الاتحاد الإسلامي الكردستاني بكر أمين إن "إعادة تكليف عبد المهدي لمدة انتقالية لحين إجراء انتخابات مبكرة سيحظى بقبول كردي وبعض القوى السياسية الأخرى"، متوقعًا أن "إعادة انتخابه ستواجه أزمة سياسية أكبر مما واجه المكلف محمد علاوي".
دعم عسكري
لم يقتصر ذلك الرأي المساند لعبد المهدي على المستوى السياسي، بل جاء على مستوى فصائل مسلحة، إذ صرح رئيس كتائب سيد الشهداء أبو آلاء الولائي بأن "العراقيين سيعرفون بعد مضي سنوات قليلة أن عادل عبد المهدي كان نعمةً لم يحافظوا عليها وأن آثاره المستقبلية ستساعد البلاد".
وفيما شبّهه بعبد الكريم قاسم، قال الولائي في تغريدة على موقع "تويتر": "إننا أمة نشكر النعمة بعد زوالها وتبكي على الشرفاء بعد رحيلهم".
لكن الناطق العسكري باسم كتائب حزب الله أبو علي العسكري ذهب إلى أبعد من ذلك حين ذكر على صفحته التي أغلقها موقع "تويتر" أن "من الأفضل للعراق وشعبه التمسك بعادل العبد المهدي وإعادته إلى مكانه الطبيعي لتجاوز ما لم يتم تجاوزه".
أضاف العسكري: "أهم العقبات التي تحول دون رجوعه لكامل مسؤولياته هو رأي المرجعية الذي أدى إلى استقالته، فإذا ما رفع هذا المانع سيستمر بأداء تكليفه وإتمام مهامه".
كان رئيس كتلة عطاء النيابية حيدر الفوادي قد ناشد المرجعية الدينية في وقت سابق لدعوة "القوى السياسية لإعادة تكليف عبد المهدي وأن يكون له حق اختيار كابينة وزارية مستقلة بعيدًا عن الأحزاب السياسية".
وسط هذه الأجواء السياسية، قال السياسي المستقل عزت الشابندر، المقرّب من صنّاع القرار في مقابلة تلفزيونية مؤخرًا تابعها "ألترا عراق" إن "هناك قوتين تتحركان حاليًا، القوة الأكبر بينهما تسعى لإبقاء عادل عبد المهدي في منصب رئاسة الوزراء".
مغزى آخر
تفسيرات أخرى ذهب إليها سياسيون ومراقبون حول خطوات عادل عبد المهدي الأخيرة ودعوات نواب وفصائل لإعادة تكليفه، ولم يتفق بعضهم مع "جدية" الحديث عن إبقاء المستقيل في منصبه.
يقول مصدر مطّلع لـ"ألترا عراق" رفض الكشف عن اسمه "لعدم الإحراج" إن المقصود من الغياب الطوعي هو فقط "لعدم تولي رئيس الجمهورية برهم صالح المنصب بدلًا عنه، كون ذلك سيعني تدخل صالح بعملية التكليف بشكل أكبر".
مصدر لـ"ألترا عراق": الدعوات التي تطلقها بعض الكتل السياسية لإعادة تكليف عبد المهدي ليست جدية، وهي لمجرد الضغط على الكتل الأخرى الرافضة لإعادة التكليف
أضاف: "لو جَمع برهم صالح بين المنصبين لذهب بتكليف أحد المرشحين المقربين منه لتشكيل الحكومة، وإذا ما أفشلت الكتل السياسية الرافضة له التصويت على الحكومة سيبقى المنصب بيد رئيس الجمهورية، وبالتالي فأنه سيكسب عوامل قوة أكثر، وهذا ما دفع عبد المهدي والكتل الداعمة له للجوء إلى الغياب الطوعي".
اقرأ/ي أيضًا: معتصمون من التحرير يصدرون بيانًا: الكتل مستمرة بصراع المحاصصة
ويؤكد المصدر أن "الدعوات التي تطلقها بعض الكتل السياسية لإعادة تكليف عبد المهدي ليست جدية، وهي لمجرد الضغط على الكتل الأخرى الرافضة لإعادة التكليف وأهمها كتلة سائرون".
وربما تتفق تفسيرات المصدر مع تحذير عادل عبد المهدي من احتمالية اللجوء إلى إعلان خلو المنصب وفق المادة 81 التي ذكر العكيلي أعلاه بأنها تتيح لرئيس الجمهورية تولي منصب رئاسة الوزراء.
كانت العديد من الاطراف السياسية الشيعية قد اتهمت رئيس الجمهورية برهم صالح بخرق الدستور والتدخل في عملية اختيار مرشح رئاسة الوزراء بعد رفضه لتكليف أسعد العيداني وقصي السهيل وغيرهم من مرشحي تحالف الفتح.
اقرأ/ي أيضًا:
فائق الشيخ يكشف عن حراك حول مرشح جديد لرئاسة الحكومة.. ويهاجم البرلمان
بعد التشكيك بقدرتها على إجراء الانتخابات.. المفوضية ترمي الكرة بملعب البرلمان