على خلاف القناعة السائدة، سواء الشعبية أو بين مختلف الأوساط المجتمعية، والمتمثلة بأن "عدم معرفة مذهب ومعتقد الآخرين" وجعله مسألة هامشية وليست أساسية في التعامل، هو المتطلب الأساسي في التعايش السلمي، إلا أنّ لحكومة محمد شياع السوداني "وجهة نظر" تبدو مختلفة هذه المرة.
قالت أكاديمية إنّ عدم معرفة معتقد أو ديانة الآخر تجربة ناجحة أنشأت أجيالنا وليس العكس
فعلى الرغم من أن عدم الاهتمام بمذاهب ومعتقدات الآخرين وهوياتهم الفرعية قد كان مثالًا لطالما استخدمه العراقيون للاستدلال على غياب الطائفية في الحقب السابقة، إلا أنّ المستشار الحكومي لشؤون المكونات يبدو "غير راضٍ" عن كون الأطفال وطلبة المدارس لا يعرفون شيئًا عن مذاهب وهويات بعضهم البعض.
نوفل بهاء موسى، وهو مستشار رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، لشؤون المكونات، تحدّث للصحيفة الرسمية، عن ما رآه "تقصير في وزارة التربية من ناحية توعية الطفل بأبناء الديانات والمكونات، بحيث يصل الطالب إلى الجامعة وهو لا يعلم ما هو دين أو معتقد زميله الذي رافقه طوال سني الدراسة"، وفق تعبيره.
ما الحدود التي يجب على الأطفال تعلمها عن الأديان؟
تعتقد الباحثة الاجتماعية والأكاديمية ندى العابدي، أنّ الطلبة والأطفال بحاجة إلى تثقيف في العوامل المشتركة التي تجمعهم ببعضهم، خصوصًا في بداية مسيرتهم الحياتية التي تبدأ من المدارس الابتدائية.
إذ أنّ الكثير من المفاهيم، وأبرزها المواطنة تمثل ـ بحسب العابدي ـ "الهويّة الجامعة بين الأطفال"، مضيفة لـ"ألترا عراق"، أنّ "السلوكيات الإنسانية هي ما يجب أن تغذيه المدارس بهذه المراحل العمرية للتلاميذ، خصوصًا وأن المدارس تندرج ضمن مظلة التربية قبل التعليم".
وما يجب أن يتعلّمه الأطفال فيما يخص الأديان ـ والكلام للعابدي ـ هو "تاريخ الأديان المتواجدة في العراق والتعريف بها وأبرز الشخصيات التي تعتبر إضاءات تاريخية، بغية التركيز على التجارب المشرقة والاستفادة من العِبر، خصوصًا وأنهم يعيشون في بلد شهد ولادة الكثير من الأنبياء لمختلف الأديان، وشهد ولادة الكثير من المعتقدات سواء السماوية التوحيدية أو غير السماوية".
ولا ينبغي أن يتعلّم الأطفال كما ترى العابدي "معتقدات كل فرد منهم أو كيفية ممارسة الطقوس الدينية، فالطقوس وكيفية ممارستها من مسؤولية الأهل أو المساجد ودور العبادة الأخرى وليس المدارس".
وتعتقد العابدي أنّ "توعية الأطفال على معتقدات بعضهم وأقرانهم ستكون بوابة للفرقة ولن يكون مسيطرًا عليها بهدف التعايش السلمي، فالتعايش يبدأ من تعليم الأطفال احترام الآخرين تحت مظلة المواطنة، وجعلهم يعتقدون أن هنالك رابطًا يجمعهم وهو الوطن".
وبالنسبة للعابدي، فإنّ "تجربة عدم معرفة معتقد أو ديانة الآخر، تجربة ناجحة أنشأت أجيالنا، وليس العكس، فأجيالنا وتعايشنا مع بعضنا البعض دون الخوض بالمعتقدات والأديان، جاءت بسبب عدم معرفة بعضنا بمعتقد الآخر، لذلك لدينا تجربة سابقة اثبتت نجاحها، بينما اثبتت تجربة معرفة معتقد الآخر فشلها وقادت إلى صنع حواجز نفسية عند بعض الأفراد تجاه غيرهم".
دعوة للعودة إلى العهد العثماني
والمفهوم الذي يحمله المستشار حكومة محمد شياع السوداني لشؤون المكونات، يعدّ "دعوة للعزل الاجتماعي والعودة إلى نظام التعليم في العهد العثماني"، كما يرى رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات، أحمد الياسري.
ويقول الياسري في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "البنى التحتية التعليمية للعراق هي بنية مدنية منذ العهد الملكي وتهتم بالبناء الفكري والتعليمي للطفل ولا تركز على عملية فصل الطلبة وفق مكوناتهم أو ارتباطاتهم الطائفية والعرقية"، مشيرًا إلى أنّ "هذا النظام لم يتغيّر في العراق إلى الآن".
وقال الياسري إنّ "الأخ المستشار إذا كان يعتقد بضرورة فصل العناصر التعليمية بهذه الطريقة المتأخرة فهي لا تنفع، ومن المفترض أن تهتم الحكومة بتطوير الجانب التعليمي، وليس العزل التعليمي بين الطلبة".
واعتبر الباحث الياسري أنّ "هذا التصريح مؤشر خطير، فبدلًا من الدعوة لإصلاح المنظومة التعليمية وربطها بالمنظومة العالمية، يدعو للعودة إلى المنظومة التعليمية في العهد العثماني".
ويصف الياسري هذا الأمر بأنه "مخزٍ ومحزن ومؤشر سيئ، متمنيًا من السوداني أن "يقترب من الفكر التطويري للتعليم ويبتعد عن جلب مستشارين يملكون هذا الفكر".
وقال الياسري إنّ "أي عملية فصل وفق ضوابط عرقية أو طائفية يضر بالبنية الفكرية والثقافية للطالب العراقي، ويحوله إلى طالب له ضد نوعي، وهذا الأمر خطر جدًا أن يتم فصل وتقسيم عناصر المجتمع في المؤسسات التي من المفترض أنها تجمعهم لا تفصلهم".
اعتبر الباحث أحمد الياسري أنّ تصريح مستشار السوداني مؤشر خطير، إذ بدل الدعوة لإصلاح المنظومة التعليمية وربطها بالمنظومة العالمية يدعو للعودة إلى منظومة العهد العثماني
وتصريح مستشار السوداني ـ والكلام للياسري ـ هو "قفز على سقف البنى التحتية للتعليم العراقي منذ نشأة العهد الملكي، ويشوه فكر الطلبة ويحولهم إلى أعداء لدولتهم"، مشيرًا إلى أنّ "على السوداني أن يرد على مستشاره فهو لا يحتاج إلى مستشارين يحملون هذا الفكر".
التربية: مناهجنا وفعالياتنا زاخرة بالأديان والتنوع
لكنّ وزارة التربية تؤكد أنّ مناهجها مضمنة بالفعل بهذه الجزئيات التي يتحدث عنها مستشار رئيس الوزراء لشؤون المكونات.
ويقول المتحدث باسم وزارة التربية كريم السيد في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "مادة الاجتماعيات وبعض المواد الأخرى تتضمن مثل هذه الجزئيات، إشارة إلى تنوع المجتمع العراقي وطبيعته وما يحتويه من تنوع على المستويات القومية والدينية والمذهبية".
وأضاف السيد أنّ "التربية ترى هذا التنوع بأنه مصدر قوة، لذلك فإنّ المناهج وحتى الأنشطة المدرسية تتضمن معالجات لهذه القضايا حيث تجري احتفالات واستذكارات ومناسبات تعبّر عن مكونات المجتمع العراقي الخاصة ببعض الديانات والمناطق العراقية"، مشيرًا إلى أنّ "التربية منفتحة تمامًا على التنوع وتعتقد أنه جزء من عملية البناء التربوي".
لم يعلّق المتحدث باسم التربية حول اعتراض مستشار السوداني على عدم معرفة الطالب لمذهب زميله
واكتفى السيد بالتأكيد على تضمن المناهج لمضامين تتعلق بالتنوع والأديان والهويات، إلا أنه لم يعلق على مبدأ واعتراض المستشار الحكومي على "عدم معرفة الطالب لمذهب زميله".