الترا عراق - فريق التحرير
أطلقت عودة السياسي علي حاتم السليمان إلى بغداد، وقبله رافع العيساوي، جدلاً كبيرًا بشأن إمكانية عودة شخصيات أخرى مثل طارق الهاشمي، وعن علاقة قوى الإطار التنسيقي المقربة من إيران بالملف الذي يُوصف بأنّه أشد حملة للضغط على زعيم حزب تقدم محمد الحلبوسي المتحالف مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في مشروع يستهدف مواجهة الإطار.
وإذا ما صحّت المعلومات التي تتسرب بشكل شحيح، فإنّها لن تكون المرة الأولى التي تخفق فيها الفصائل السياسية الأكثر قربًا إلى إيران في إدارة شأنها السياسي داخل المعادلة السياسية العراقية، فالانحدار المستمر في شعبيتها ظهر جليًا في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وقبلها في التظاهرات التي رفعت من بين نداءاتها، شعارَ الانعتاق من هيمنة سلطة السلاح الإيرانية، غير أنّ آخر تكتيكات حلفاء إيران المُفترَضة تصطدم أيضًا بجملة معطيات، وفق ما تكشفه شخصيات سياسية قريبة جدًا من مراكز صنع القرار.
نزاع وحلم التفرّد.. والضريبة
بدأت القصة مع الانسحاب الأميركي من العراق أواخر العام 2011، حين اتخذ رئيس الوزراء نوري المالكي سلسلة خطوات اعتُبِرَت "كسرًا لتوازن علاقاته بين واشنطن وطهران، وانحيازاً للجارة الشرقية، واستهدافاً سياسيًا للخصوم"، حيث أصدرت السلطات مذكرة اعتقال بحق الزعيم السني الأبرز حينها طارق الهاشمي، كما طالب المالكي باعتقال الزعيم السنّي الآخر صالح المطلك، لتبدأ مرحلة جديدة من إدارة التوتر كان عنوانها مذكرات الاعتقال وأحكام الإعدام بحق الساسة، وقد انتهت إلى فرار الزعيم السني البارز رافع العيساوي بعد اعتقال عناصر حمايته، أواخر العام 2012، الذي انضم إلى أقرانه المُطاردين المقيمين في إقليم كردستان أو عواصم خليجية أو تركيا.
تُتهم قوى الإطار المقربة من إيران بمساومة سياسيين على إغلاق ملفات فتحها نوري المالكي مقابل مواقف مساندة
وتسبب اعتقال عناصر حماية العيساوي باندلاع تظاهرات في مناطق ذات غالبية سنيّة على رأسها محافظة الأنبار، مسقط رأس الزعيم السني، واستمرت بضعة أشهر قبل أن يتمكن مسلحو تنظيم "داعش" من اجتياح معظم تلك المدن والسيطرة على محافظتي نينوى وصلاح الدين، ثم الأنبار.
وتوسّعت قائمة المُطاردين من زعامات المناطق ذات الغالبية السنيّة، لتشمل أحد أقرب حلفاء المالكي، وهو الزعيم القبلي علي حاتم السليمان، الذي أعلن التمرّد المسلح ضد القوات العراقية، وأعرب عن مواقف متساهلة مع تنظيم "داعش"، إلى جانب السياسي العراقي خميس الخنجر.
وكلّف احتلال ثم تحرير المناطق، العراقَ نحو 200 مليار دولار، إلى جانب مقتل 50 ألف مدني كحدٍ أدنى في الإحصاءات غير الرسمية، غير أنّ السلطات لم تعلن إدانة أحد في ملف سقوط المحافظات، وعاد نوري المالكي ليشارك في العمليات الانتخابية اللاحقة، وحصد في اقتراع العام 2021 أكثر من 30 مقعدًا.
حساب الحقل وحساب البيدر
وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها حلفاء إيران اتهامات باستخدام نفوذهم في الدولة، لصالح مساومة سياسيين على "إغلاق ملفاتهم" مقابل مواقف مساندة، وقد سبق أنّ اتهم علي حاتم السليمان نفسُه، المالكي بتحريك ملفات قانونية ضد خصومه ثم إلغائها كما في قضية السياسي أحمد أبو ريشة. ويقول النائب السابق عن محافظة الأنبار عبد الله الخربيط، إن "السليمان قد ضغط بالتأكيد واستخدم أصدقاءه وحلفاءه، وكذلك قوى الإطار" لترتيب ملف عودته إلى بغداد.
وتسببت نتائج الانتخابات بخسائر كبيرة في صفوف الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة الأقرب إلى إيران، وتمكن الصدر والحلبوسي وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني من إعلان أول تحالف سياسي عابر للمكوّنات يضم أكثر من 170 مقعدًا من أصل 329، وقد أعلن التحالف أهدافًا محددة على رأسها حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء الجماعات المسلحة، وهو ما اعتبرته القوى القريبة من طهران، استهدافًا لها.
إذ افترضت فصائل الإطار التنسيقي بقيادة المالكي، أن دعم الزعامات السنية المُبعَدة -التي سبق أن اتهمتها قوى الإطار نفسها بالإرهاب- سيؤدي إلى ضغط على الحلبوسي، يدفعه إلى التراجع عن التحالف مع الصدر، ولذا نشطت الفصائل في الدفاع عن مناوئي الحلبوسي بشكل عام، كما في بيان كتائب حزب الله.
ومنذ إعلان "التحالف الثلاثي" بدأ الإعلام الفصائلي حملة منسّقة ضد الحلبوسي، بإطلاق سلسلة اتهامات سبق أن استخدمتها الفصائل ضد خصوم الحلبوسي في سنوات سابقة، رغم أنّ الخطاب الإيراني، سبق أن اعتبر فوز الحلبوسي، مكسبًا إيرانًا عام 2018.
لكن الحملة التي كانت تستهدف إضعاف الحلبوسي "عززت موقفه، حيث بات من الصعب إقناع الجمهور الشيعي قبل غيره بشيطنة الحلبوسي، في الوقت الذي رعت وترعى فيه قوى إطارية عودة شخصيات متهمة بالإرهاب"، يقول مقرب من الحلبوسي.
وتواجه قوى الإطار المقربة من إيران على الدوام، اتهامات بالوقوف خلف تسهيل عودة المطلوبين الذين تم إعداد ملفات ملاحقتهم في حقبة نوري المالكي، بعد أن سعى مقربوه خلال فترات سابقة في وساطات لإعادتهم.
وبادئ الأمر، أظهرت شخصيات على صلة بالإطار، ترحيبًا نسبيًا بعودة السليمان، غير أنّ ارتفاع موجة التساؤلات داخل أتباع الإطار قبل غيرهم، دفع قوى سياسية إلى التبرؤ من العلاقة بالملف.
واجه "التكتيك" الجديد المنسوب إلى قوى الإطار استياءً كبيرًا وأطلق عاصفة تساؤلات دفعت زعماء القوى الشيعية إلى التبرؤ من الملف
وتدرّج مكتب المالكي في نفي علاقته بعودة السليمان، حيث بدأ بتصريح لهشام الركابي، نفى فيه فقط عقد لقاءٍ بين زعيم ائتلاف دولة القانون والسليمان، لكنه صعّد اللهجة في اليوم التالي لينفي علاقة المالكي بالقضية.
وسبق أن استخدم حلفاء إيران ورقة السماح بعودة السياسيين السنّة المُبعَدين إلى بغداد، كما في عودة خميس الخنجر بعد انتخابات العام 2018، حين حاول الصدر تشكيل ائتلاف حكومي بمعزل عن الفصائل، قبل أن يُعلن "تحالف البناء" الذي كان يمثل معظم الفصائل، ضم كتلة خميس الخنجر، وتشكيل ائتلاف مناوئ.
لكن الخنجر، الذي تحمّلت الفصائل أعباء إعادته شعبيًا، بات اليوم أحد أهم حلفاء الصدر في التحالف الثلاثي.
استعادة السليمان.. انقلاب السحر على الساحر؟
وعلى عكس الشائع، لا تُظهر أوساط الحلبوسي أي استياءٍ من عودة السياسيين السنّة إلى بغداد.
ويقول النائب المقرب من الحلبوسي عبد الله الخربيط إنّ "العائدين رافع العيساوي أو حاتم السليمان هم أبناء محافظة الأنبار، وتربطهم برئيس البرلمان علاقات عائلية وسياسية". وفي شأن المواجهة الذي قد تستثمرها أوساط فصائلية، يقول الخربيط إن "الصدام ليس أمرًا حتميًا أو ضروريًا".
مسؤول في مكتب الحلبوسي يتحدث لـ "الترا عراق" -مشترطًا عدم كشف اسمه- عن عدة مستويات بالنسبة لدُفعة السياسيين العائدين، ويؤكد بضرس قاطع أنّ "طبخ ملفات إعادتهم تم برعاية قوى وشخصيات إطارية متخوّفة من التحالف الثلاثي"، لكنه يقول إنّ "القرار داخل تحالف تقدم يتجه نحو استثمار خبرات الشخصيات السياسية التي عُرفت بالمواقف الوطنية".
المسؤول الذي رافق الحلبوسي منذ سنوات مبكرة إبان تسلّمه منصب محافظ الأنبار، يشير بوضوح إلى "معادلة دولية لن تسمح بالعبث في الأنبار أو غيرها من المحافظات"، ويؤكد أنّ "خيارات الساسة العائدين للمشاركة في العمل السياسي مفتوحة ومرحب بها، لكن خياراتهم الأخرى ستكون مُنعدمة"، ويبيّن أنّ "الحزب ينظر بارتياح كبير للتقدم في ملف السياسيين المنفيين، وإغلاق ملفات استهدافهم سياسيًا".
كما يشير إلى أنّ "فريقًا من الحزب يعكف على التواصل مع الساسة العائدين، واستمزاج رؤاهم بشأن المرحلة السياسية المُقبلة" عادًا ما يجري "تصحيحًا لأخطاء تسببت باختلال للتوازن السياسي في البلاد".
ويتحفظ المتحدث، على "الطريقة التي تعتمدها قوى إطارية في إعداد ملفات الاستهداف السياسي، ثم تسويتها". ويقول إنّ "من حق العراقيين في كل المحافظات معرفة حقيقة ما جرى خلال السنوات الماضية، وليس الاستيقاظ صباحًا على أنباء عودة سياسيين دأبت ماكينات إعلامية معروفة على وصفهم برؤوس الإرهاب (..). كان لابدّ أن يعود هؤلاء السياسيون إلى بلادهم ومُدنهم، لكن بطريقة أكثر وضوحًا فإن تبيّن أنّ الاتهامات ضدّهم مُلفقة، ينبغي كشف المسؤول عن استهدافهم طيلة السنوات الماضية".
ويضيف، أنّ "تعامل الحزب مع الشخصيات العائدة، أو التي تروم العودة، لا يتم وفق مستوى واحد، فالتواصل مستمر على أعلى المستويات مع وزير المالية الأسبق رافع العيساوي، وهو سياسي وازن، وقد أظهر إشارات واضحة إلى تطلعه لأن يكون شريكًا في صياغة القرار داخل تحالف السيادة، لكن أطرافًا سياسية نافذة تعرقل حسم جميع قضاياه، وتفضّل إبقاء ملفه معلقًا ودفعه لإظهار موقفٍ موالٍ واضح قبل مساعدته على إنجاز التسوية الشاملة، وهو ما يتسبب بتقييد نشاطه السياسي في هذه المرحلة".
أما في شأن قضية الزعيم القبلي والسياسي علي حاتم السلمان، فيقول المتحدث إنّ "حزب تقدّم لا يفضّل مناقشة قضيته في الوقت الراهن، وذلك لاعتبارات تتعلق بنشاطات السليمان خلال السنوات الماضية، والتي تسببت بإشكالات تتخطى محافظة الأنبار، وتتعداها إلى المستوى الوطني، ولذا فإن الجهات التي سعت في تسوية ملف السليمان، عليها تحمّل أعبائه، خاصةً مع ما فجّره نبأ عودته من نكئ لملفات لم تبرُد بعد".
قد يتمكن الحلبوسي من استثمار عودة الزعماء المطاردين لقلب الطاولة على حلفاء طهران كما حدث في قضية خميس الخنجر
ويضيف، "سيكون على رعاة السليمان تقديم إجابات للرأي العام العراقي الذي لم يتوقف عن التساؤل خلال الساعات الـ 72 الماضية"، ويختم "إن المناورة مع الخصوم السياسيين أمر مألوف، لكن على بعض اللاعبين الذين يستعجلون بخطوات غير محسوبة، الحذر من انقلاب السحر على الساحر".
على الضفة الأخرى، لم يحسم رافع العيساوي أمر مساره المستقبلي بعد، وفقًا لوقائع حوار أجراه العيساوي مع عدد من السياسيين أثناء زيارته لبغداد.
مصدر حضر اجتماعًا مقتضبًا للعيساوي في بغداد أبلغ "الترا عراق"، أنّ "تركيز السياسي العائد كان منصبًا طيلة الجلسة على حسم بقية قضاياه المعلقة، والتي تسببت بعراقيل لأبنائه وبقية أفراد عائلته".
وبينما تحدث كثيرون عن عودة "نارية" مُرتقبة للعيساوي، يقول المصدر، إنّ "العيساوي لم يتحدث مُطلقًا عن عودة للمشهد السياسي"، واكتفى بالإجابة على سؤال كرره معظم الحاضرين، عما إذا كان العيساوي سينضم إلى جهود الإطار التنسيقي بالقول "لو كان ما تقولونه وتكتبه الصحافة عني صحيحًا.. لكنت مُبرّأ الآن من جميع التُهم".. في إشارة إلى أنّه لا يفكّر بطرح بضاعته على طاولة حلفاء إيران.
كيف يرد "زعيم المكوّن"
ولا يدخلُ أيّ من الساسة العائدين أو مُحتمَلي العودة في لعبة أرقام مقاعد البرلمان ونصاب الجلسات، ويُمكن حصر النتائج المترتبة على إعادتهم، في محاولة مشاغبة الحلبوسي ودفعه للانسحاب من التحالف الثلاثي، وفيما لو تمكّن الأخير من الصمود، وانفتح على "خطة الاحتواء والشراكة" التي يتحدث عنها مقربوه، فإنه قد يُفرّغ صولة إعادة المُبعدين من محتواها، ويضيفها إلى تجربة غير مُفضية سابقة، هي إعادة خميس الخنجر.
لكن طموحات "زعيم المكوّن" كما يصفه مقربوه، وتطلعه للانفراد كما يقول خصومه، قد تُدخله بالفعل في مسار الاشتباك مع العائدين، خاصةً، وأنّه يُظهر إشارات ارتباك، كإصداره قبل ساعات قرارًا بإقالة أحد نواب كتلته، بدعوى "مخالفته لتوجيهات الحزب"، وهي حالة الفصل الأولى لنائب من حزبه منذ إعلان نتائج الانتخابات.