باتت أزمة الدولار التي ما زالت مستمرة، معروفة الأسباب وما يحيط بها من ظروف وتداعيات، والتي تتلخص حسب الترتيب الزمني، بفرض ضوابط على الحوالات الخارجية من الدولار، الأمر الذي أدى لرفض العديد من الحوالات، ما تسبب بتراجع مبيعات البنك المركزي من معدل 200-250 مليون دولار يوميًا إلى حدود الـ50 مليون دولار يوميًا فقط.
تجار كثيرون ما زالوا يتخوفون ولا يعرفون التعامل مع المنصة الالكترونية
هذا التراجع، جعل هناك طلب على 150 مليون دولار يوميًا، تتمّ تلبيتها من السوق الموازية، وهو ما دفع بأسعار صرف الدولار في السوق الموازية إلى مستويات غير مسبوقة، بلغت نسبته 20% مقارنة بالأسعار الرسمية حينها.
وبمرور الأشهر الأربعة الماضية، بدأت مبيعات البنك المركزي بالارتفاع تدريجيًا واسترجعت مستوى المبيعات اليومي في الفترة الماضية التي سبقت تطبيق المنصة الالكترونية والمعايير والضوابط الجديدة، ما أدى لانخفاض أسعار صرف الدولار في السوق الموازية تدريجيًا، وهو أمر يبدو منطقيًا، مع تأكيد الجهات المعنية أن التجار المتعاملين مع المنصة الالكترونية بدأوا يتزايدون تدريجيًا، وهو ما يعني قلة الطلب على الدولار في السوق الموازية، وبالتالي انخفاض أسعاره فيها.
إلا أنّ أسعار الدولار بدأت خلال الأيام الماضية تعاود ارتفاعها، وفي غضون ذلك، كشفت تصريحات لجهات مختصة ومعنية، عن معلومات تجعل ارتفاع مبيعات البنك المركزي من الدولار أمرًا "غير منطقي" نسبيًا، ويحتاج إلى تفسير ويطرح عدة احتمالات.
الاستشاري لدى غرفة تجارة بغداد، صلاح عبد المهدي الشامي، أكد في تصريح متلفز تابعه "ألترا عراق"، أنّ "ثلثي التجار ما زالوا يتخوفون ولا يعرفون التعامل مع المنصة الالكترونية ويتهربون منها خوفا من الضرائب".
هذا التصريح يتناسب مع تصريح سابق في أواخر شباط/فبراير الماضي لعضو لجنة الاقتصاد النيابية ياسر الحسيني، أشار من خلاله إلى أن "محافظ البنك المركزي أكد أنَّ ما يقارب 25 % من التجار اعتمدوا النظام والمنصة الالكترونية في شراء الدولار، إلا أنَّ البقية بين متحذرين ومتخوفين من الدخول في النظام الالكتروني"، حيث أنه في تلك الفترة كانت المبيعات قد بدأت بالزيادة بالفعل واسترجاع الجزء الأكبر من المستويات السابقة ما قبل تطبيق المنصة الالكترونية.
وفي ضوء هذه المعلومات، يبرز التساؤل الذي يبحث عن مؤشر "غير منطقي" نوعًا ما، ويحتاج إلى تفسير، وهو كيف ارتفعت مبيعات البنك المركزي إلى مستويات ما قبل تطبيق المنصة الالكترونية، بالرغم من أن العدد الأكبر من التجار لم يعودوا لشراء الدولار من البنك المركزي، وما زالوا يمولون تجارتهم نسبيًا من السوق الموازية؟
هذا الأمر يقود إلى نتيجة مفادها، أن المبيعات ارتفعت لارتفاع حصص النسبة القليلة من التجار المشتركة في المنصة الالكترونية، أي أنهم بدأوا يأخذون حصصهم وحصص التجار الآخرين من الدولار، وهو ما يفسر ارتفاع المبيعات، رغم عدم ارتفاع عدد التجار المتعاملين مع المنصة الالكترونية، كما يشير الباحث الاقتصادي أسعد الناصري.
ويقول الناصري في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "بعض التجار ممن تمكنوا من التعامل مع المنصة الالكترونية أصبحت لديهم ميزة الحصول على الدولار بالسعر الرسمي، وهي ميزة لا يحصل عليها التجار الآخرون ممن لا يستطيعون أو لا يلجأون للبنك المركزي لتمويل تجارتهم بالدولار بالسعر الرسمي".
ويبيّن الناصري أنّ "هذه الميزة جعلت هؤلاء التجار المتعاملين مع المنصة الالكترونية يفكرون بالدخول في تجارة التجار الآخرين الذين يشترون الدولار من السوق الموازي"، حيث أن المتعاملين مع المنصة الالكترونية والذين يحصلون على الدولار بسعر رسمي أصبحوا أكثر قدرة على المنافسة مقارنة بالتجار الآخرين، وهو ما يفسر ـ بحسب الناصري ـ ارتفاع مبيعات الدولار، أي "أنهم بدأوا يقدمون مستندات استيراد لبضائع بحجم أكبر مما كانوا يستوردونه في السابق، لدخولهم في معترك ومجالات التجارة على حساب حصص الآخرين الذين لا يستطيعون المنافسة بسبب كلفة الدولار الذي يحصلون عليه".
لكنّ الباحث الاقتصادي نبيل جبار العلي، يشكك بالنسب المطروحة بشأن عدد ونسبة التجار الذين بدأوا يتعاملون مع المنصة الالكترونية، مشيرًا إلى عدم "وجود إحصائيات ومعلومات وقاعدة بيانات واضحة عن عدد التجار المشاركين في المزاد، ولا يقوم البنك المركزي بنشرها بشكل واضح".
ويبيّن العلي، في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنّ "ما نستطيع الحكم عليه بشكل واضح هو أنه مع ارتفاع المبيعات لهذا الحجم، فإنّ أكثر من 75% من التجارة في العراق بدأت تنفذ، ويتم تمويلها عبر البنك المركزي وبالدولار الرسمي، نظرًا لثبات حجم الاستهلاك في المدى القريب وحجم سوق الاستيراد".
والمعدل المرتفع للمبيعات اليومية لا يعبر بالضرورة عن المعدل اليومي الحقيقي، وفقًا للعلي، الذي أكد: "بل ربما تكون هذه المبيعات خلال يوم واحد، ناجمة عن تراكم طلبات سابقة غير منفذة، وهو ما يرجح أن تنخفض المبيعات في أيام أخرى، أي أن حجم المبيعات الحقيقي كمعدل يومي، ربما يتناسب بالفعل مع عدد التجار الذين يتعاملون مع المنصة الالكترونية في الوقت الحالي".
خبير: أكثر من 75% من التجارة في العراق بدأت تنفذ ويتم تمويلها عبر البنك المركزي
ويتوقع العلي أن ترتفع مبيعات البنك المركزي في الأيام القادمة بعد إقرار الموازنة، نتيجة لـ"ضخ أموال كبيرة في السوق والمشاريع، وهو ما سيرفع حجم الاستهلاك، وبالتالي يرفع حجم الاستيراد والطلب على الدولار سواء من البنك المركزي أو السوق الموازية".