ألترا عراق ـ فريق التحرير
أنهى البنك المركزي العراقي الأسبوع الماضي بمبيعات بلغت قرابة 422 مليون دولار، شكلّت مبيعات الحوالات الخارجية منها ما نسبته 40% حيث بلغت نحو 171 مليون دولار فقط، في الوقت الذي تتطلب الاستيرادات أكثر من 750 مليون دولار أسبوعيًا، الأمر الذي يقود إلى تساؤل قد تصعب الإجابة عليه، وهي: "من أين يحصل السوق الموازي على الدولار الذي يموّل 80% من الاستيرادات التي يرفض البنك المركزي تمويلها؟".
خلال الجلسة الواحدة يجب أن يبيع البنك المركزي أكثر من 130 مليون دولار على الأقل ليلبي احتياجات الاستيرادات
وجاءت المبيعات الأسبوعية بواقع 82.1 مليون دولار يوم الأحد، و98.9 يوم الاثنين، و81.7 يوم الثلاثاء، و82.9 يوم الأربعاء، و76.2 يوم الخميس.
ويلاحظ أنّ مبيعات الدولار شهدت استقرارًا نسبيًا من نافذة بيع العملة، بعد أن كانت في الأسابيع الماضية تتذبذب بشكل كبير بين 100 إلى 40 مليون دولار يوميًا، إلا أنّ المعدل الآن مستقر حول 80 مليون دولار يوميًا، فيما تستمر المبيعات النقدية بالتفوق على مبيعات الحوالات الخارجية، حيث لم تنته أزمة تهرب التجار من نافذة بيع العملة ولجوئهم إلى شراء الدولار من السوق الموازي.
وبينما كانت مبيعات الحوالات الخارجية خلال 5 جلسات شهدها الأسبوع المنصرم 171 مليون دولار، فهذا يعني أنّ معدل مبيعات الحوالات الخارجية لغرض الاستيراد بلغت ما معدله 34.2 مليون دولار يوميًا فقط، أي خلال الجلسة الواحدة.
ولمعرفة حجم الفارق بين هذه المبيعات وبين ما يحتاجه العراق فعليًا للاستيراد اليومي، يقول المستشار الاقتصادي الحكومي مظهر محمد صالح في تصريح صحفي تابعه "ألترا عراق" إنّ "استيرادات القطاع الخاص في العراق تبلغ 35 مليار دولار سنويًا".
وفقًا لهذا التصريح، فهذا يعني أنّ الاستيرادات تحتاج شهريًا إلى 3 مليار دولار، أي خلال الجلسة الواحدة يجب أن يبيع البنك المركزي أكثر من 130 مليون دولار على الأقل ليلبي احتياجات الاستيرادات.
وبينما يبلغ المعدل الحالي لمبيعات الحوالات الخارجية 34 مليون دولار يوميًا فقط، فهذا يعني أنّ ما يتمّ تمويله من البنك المركزي لغرض الاستيراد يبلغ 26% فقط من كمية الاستيرادات الحقيقية البالغة قيمتها 130 مليون دولار يوميًا، وهذه النسبة تتوافق مع المعلومات الحكومية التي تؤكد رفض 80% من طلبات التمويل وشراء الدولار تم تقييدها ورفضها من قبل الفيدرالي الأمريكي.
من هنا يطرح تساؤل عن مصدر الدولار الذي يجلبه السوق والبالغة كميته نحو 100 مليون دولار يوميًا لغرض تمويل الاستيرادات والحوالات الخارجية التي لا يمول البنك المركزي سوى 26% منها، فبينما يعد البنك المركزي العراقي المالك الأول والأكبر للدولار، حيث يحصل عليه من وزارة المالية التي تحصل عليه من خلال بيع النفط، وبما أنّ البنك المركزي "قيّد" عمليات تمويل الدولار وجعلها محسوبة، فمن المفترض أنّ الدولار الذي يخرج من البنك المركزي، لا يذهب إلى السوق بغير موضعه.
وعمومًا، فإنّ ما يدفعه البنك المركزي للسوق يبلغ ما معدله 40 مليون دولار يوميًا فقط، كمبيعات نقديّة، ما يعني أنها لا يمكن أن تسد العجز في طلبات الحوالات الخارجية البالغة على الأقل 130 مليون دولار يوميًا، ما يجعل مسألة حصول التجّار وطلبات التحويل الخارجي على تمويلاتهم من السوق الموازي أمرًا محيرًا ولا يجد إجابة.
وفي حال وضع افتراض آخر، وهو أنّ السوق الموازي لا يموّل الاستيرادات أصلًا، لأنه لا يمتلك الدولار بهذه الكميات، فهذا يجب أن يقود إلى أمر واحد فقط، وهو أنّ "الاستيرادات انخفضت بنسبة نحو 75-80% بالفعل، أي أنّ قرابة 80% من البضائع المستوردة يجب أن "تختفي" من الأسواق، وهذا الأمر لم يلمسه العراقيون ولا المؤسسات المعنيّة.
وما يضرب هذا الاحتمال، هو تقرير موقع "ميدل ايست آي" البريطاني، الذي قال إنّ "70 مليون دولار يوميًا يتم تهريبها عبر المنافذ البريّة من خلال إقليم كردستان".
ويساوي هذا المبلغ 70% من الـ100 مليون دولار الذي يبيعه السوق الموازي أو يقوم من خلاله بتمويل الاستيرادات والحوالات الخارجية التي أوقفها البنك المركزي، وهو مؤشر يؤكد أنّ السوق الموازي يبيع الدولار بهذه الكميّات ويمول الاستيرادات والحوالات الخارجية الضخمة التي يرفض البنك المركزي تمويلها بالفعل، الأمر الذي يعمق السؤال عن مصدر هذه الأموال ومن أين يحصل عليها السوق الموازي.
ويختلف الخبراء بتفسير أو الإجابة على هذا السؤال، فبينما يعتقد بعضهم أن السوق يحصل على هذا الدولار من المبيعات النقديّة، أي أنّ حتى المبيعات النقديّة لا تذهب لهدفها النقدي، بل تتحول إلى مبيعات حوالات خارجيّة أيضًا لغرض الاستيراد، وبين من يقول إنّ السوق الموازي لا يموّل هذا الحجم من الاستيرادات أساسًا وأن الاستيرادات انخفضت لعدم إمكانية معظم التجّار الحصول على تمويل تجاراتهم.
وهذا ما يؤكده الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، الذي يشير إلى أنّ "الاستيرادات السلعية تراجعت بنسبة 75%"، مبينًا أنّ "ما يحدث الآن هو أن التجار يسحبون من المخزونات السلعية وهو ما قد يؤدي لاحقًا إلى قلة المعروض السلعي في الأسواق العراقية وارتفاع أسعارها".
أما المنسق العام لشبكة الاقتصاديين العراقيين، بارق شبّر وفي حديث لـ"ألترا عراق"، يقول إنّ "مبيعات المركزي للدولار والحوالات كانت خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي مرتفعة جدًا، مبينًا "وصلت في بعض الأيام إلى 280 مليون دولار، وهذه لا تعكس الطلب الحقيقي على تمويل الاستيرادات وإنما أيضًا مبالغ لتهريب أموال غير شرعية".
ويشير إلى أنّ "دولار السوق الموازية يأتي بالدرجة الأولى من مبيعات المركزي للدولار النقدي والذي يبلغ 50 إلى 60 مليون دولار يوميًا، مبينًا أنّ "هذا المبلغ لا يكفي لتغطية الطلب المرتفع على الدولار النقدي في السوق الموازية، بسبب الطلب الهائل من قبل مافيات التهريب".
رأى خبراء اقتصاديون أنّ الاستيرادات السلعية تراجعت بنسبة 75%
وفيما إذا كان يعتقد شبّر أن السوق الموازية تموّل الاستيرادات من خلال المبيعات النقديّة التي تحصل عليها من البنك المركزي، يشير إلى أنّ "بعض الاقتصاديين يدّعون أن كل الدينار النقدي يذهب لتمويل الاستيرادات"، مبينًا: "أنا اختلف معهم وأقل قسم منه لا يتجاوز 50% يستعمل لهذا الغرض والباقي لغسيل الأموال".