ألترا عراق ـ فريق التحرير
في يوم الجمعة، 12 آب/أغسطس شهدت الساحة العراقية ثلاث تظاهرات في وقت واحد، واحدة لأنصار زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في مواجهتها تظاهرة لأنصار "الإطار التنسيقي"، وتتوسط هذه التظاهرات، تظاهرة لما يسمى عراقيًا بـ"القوى المدنية"، أو التي لها علاقة باحتجاجات تشرين. يمكن القول إنها
ثلاث رؤى متضاربة نسبيًا لشكل النظام وآلية حكم العراق ومستقبله كدولة، تنتشر على شكل تجمعات وتيارات في الشوارع، وتفصل بينها كيلومترات قليلة، مشكلين ما يمكن وصفه بـ"حرب تظاهرات"، يحاول كل طرف منهم إثبات أنّ الشارع العراقي معه ومع مشاريعه.ثلاثة جهات مختلفة تظاهرات في بغداد والمحافظات في العراق بوقت واحد
ويتمركز ما يعتبر أقوى هذه التيارات في قلب المكان الذي يحكم العراق، المنطقة الخضراء، حيث تستمر اعتصامات التيار الصدري منذ أكثر من أسبوعين، يحملون رغبة زعيمهم مقتدى الصدر لـ"تغيير معادلة الحكم"، دون رؤية واضحة عن كيفية تغييرها و "إزاحة" تيارات الفساد، بحسب ما يصفون.
واتخذ الصدر خطوة جديدة لحل البرلمان الذي يضم أغلبية إطارية بعد انسحاب نواب الصدر، بطريقة "غير منصوص عليها دستوريًا" ومن خلال القضاء، الأمر الذي دفع الكتل السياسية المنضوية في الإطار التنسيقي إلى تحشيد جماهيرها لتظاهرات على أسوار المنطقة الخضراء التي تقع تحت سيطرة جماهير الصدر، في تكرار لخطوة سابقة اتخذها الإطار الجمعة الماضية، إلا أنّ هذه المرة شهدت تصعيدًا أكبر نحو المحافظات حيث امتدت وقفات جماهير الإطار إلى البصرة ونينوى، في توسيع لمساحة "معركة التظاهرات" في العراق.
على خلفيّة هذه الخطوة، قام الصدر بإعادة ضرب الكرة التي ضربها الإطار، ليحشد جماهيره في المحافظات للتظاهر "إلى إشعار آخر"، وعلى ما يبدو، أنّ هذا الإشعار الآخر، يتوقف على انسحاب جماهير الإطار من الشارع.
بالتزامن، يحتشد جماهير الحزب الشيوعي وبعض القوى المدنية الأخرى في ساحة الفردوس ببغداد، التي تفصلها كيلومترات قليلة عن تظاهرات جماهير الإطار على أسوار الخضراء، وجماهير الصدريين في قلب الخضراء.
هذه الرؤى الثلاث المتضاربة نسبيًا، تمتلك كل واحدة منها، تصورًا نسبيًا وخطوطًا عريضة فقط عن شكل الحكم والسياسة المفترضة للبلد، إلا أنها جميعًا ـ ووفقًا لمراقبين ـ لا تمتلك رؤى وخارطة واضحة، وجميعهم في مرحلة "تحشيد الأنصار" ومحاولة إقناع الأطراف الأخرى بأن "جميع العراقيين معهم"، وهو ما توضحه خطوة الإطار التنسيقي بجعل تظاهرات أنصاره في البصرة ونينوى، ودعوات الصدر لانضمام جماهير تشرين وجماهير الإطار حتى إلى حراكه.
ما الداعي من تظاهرات "أصحاب السلطة".. وما مصيرها؟
من المعروف أنّ التظاهر هو "احتجاج شعبي" على سلطة ما، إلا أنّ ما يحدث في الشارع العراقي حاليًا، هو "حرب تظاهرات" ذات أهداف مختلفة تمامًا تمارسها أطراف السلطة ذاتها بمشاركة جماهيرها.
ويأخذ الفعل الاحتجاجي الحالي في العراق مسارين بالنسبة لرئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، الأول أنّ "تظاهرات الصدريين وهي يمكن أن تكون احتجاجًا على الطبقة السياسية واحتكار السلطة وإفشال مشروعهم السياسي وهي موجهة نحو طبقة سياسية أكثر من كونها موجهة نحو سلطة ما، وهدفها شل البرلمان وجعله معطلًا وخائفًا لأنّ قوة خصومهم السياسيين تتمركز في البرلمان، وهو مكان نفوذهم السياسي".
مقابل ذلك، يتمثل الشق الثاني بحسب الشمري، بـ"محاولة إثبات القوة وهو ما موجود في تظاهرات الإطار ومحاولتهم إظهار بأن هناك أيضًا جمهورًا يمتلكه الإطار التنسيقي"، معتقدًا أنّ "تكرار التظاهرات المضادة دليل على أن الأزمة بدأت تتصاعد، خصوصًا مع محاولة الصدر كسب فئات وجماهير جديدة من قوى ناشئة وتشرينيين وقوى مؤسسة بشكل جديد".
ويعتقد إحسان الشمري في حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ "هذا الأمر دفع الإطار إلى التلويح والتركيز على جمهور الحشد، وهي خطوة تحمل ترهيبًا وتلويحًا باستخدام قوة الفصائل المسلحة تجاه من ينضم إلى حراك الصدر، والتركيز على التظاهر في البصرة والموصل دليل على أنهم يتواجدون في هذه المساحات الجغرافية من شمالي العراق إلى جنوبه".
ولا يرى الشمري أنّ "حرب التظاهرات" مجدية حتى الآن، ولم يتحقق إخضاع أي جهة بعد، معتبرًا أنّ "التظاهرات الشعبية بعيدة عن الأحزاب وهي أكثر وقعًا وتأثيرًا وتمتلك قوة أكثر بكثير من أي تظاهرة حزبية".
محنة شيعية.. عصر حيرة جديد وبحث عن "مشروع الإمام"
الرؤى والمشاريع والحراك المتضارب الذي تتوقف عليه العملية السياسية الحالية، تقتصر جميعها في الشارع العراقي "الشيعي"، مع غياب نسبي لأي مساهمة أو رؤى كردية أو سنية تجاه مستقبل وشكل العملية السياسية المفترضة، كما يسجل مراقبون.
حيث يعتقد الباحث والمحلل السياسي، أحمد الياسري أنّ ما تشهده الساحة السياسية من أزمة، واقتصارها بشكل أكبر على الأطراف الشيعية، ترتبط بالتاريخ السياسي الشيعي، واصفًا الفترة الحالية بأنها "فترة حيرة جديدة بعد عصر الحيرة الذي شهده الشيعة عقب وفاة الإمام الحسن العسكري، وانقسام الشيعة إلى 14 فرقة تبحث عن القائد الإمام، مستدركًا "لكن المشهد الحالي، البحث فيه ليس عن شخص الإمام أو الشخصية القائدة وإنما عن مشروع الإمام".
ويقول الياسري في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "الشيعة الآن يبحثون عن
إمامة المشروع لا إمامة الفقيه القائد"، كما يعتقد أنّ "المشاريع الموجودة في الشارع الشيعي تنقسم إلى قسمين مشاريع قطرية وأخرى غير قطرية".وتتمثل القطرية ـ بحسب الياسري ـ بمشروعين عراقيين، هو "مشروع الصدر والمشروع الليبرالي الذي أنتجته التجربة الديمقراطية الحالية ومواقع التواصل ونظرة جيل من الشيعة بأن الإمام السياسي يجب أن يعبر عنهم وليس الإمام الديني".
أما التيار الثالث، وفقًا للياسري فهو المشروع غير القطري، والمتمثل بـ"ائتلافات الأحزاب المعارضة الذين يعيشون عقدة الدعم الخارحي منذ تأسيس العملية الديمقراطية، وتآمروا على الداخل واستثمروا بهم ليحصلوا على مكاسب من الأمريكان، في الوقت الذي كان الشارع العراقي الداخلي غير منظم سياسيًا".
ويرى أنّ المشروع غير القطري لا يتمسك فقط بالمشاريع الخارجية على مستوى المنهج، وإنما على مستوى التطبيق أيضًا، حيث يريدون ـ والكلام للياسري ـ تطبيق العملية السياسية العابرة للقطرية وقسم كبير منهم يؤمن بولاية الفقيه، لكنّ هذه القاعدة التطبيقية فيها إشكالية كبرى تصطدم بالجغرافيا، بحسب الياسري الذي يشير إلى أنّ "هذا المشروع سيفشل والمشروع الصدري والليبرالي أو المدني هو الأكثر فاعلية حاليًا في الشارع الشيعي، وهو الأقرب إلى تحقيق الأهداف".
لا يستبعد الباحث أحمد الياسري إمكانية تحول ما يجري في الشارع العراقي إلى نزاع مسلح
ويبين الياسري أنّ "الموجة الأولى من تشرين، خوفت الشيعة من التيار اللاقطري وشاهدوا أن هذا التيار قام بقتل ابنائهم، وما نعيشه حاليًا هو الموجة الثانية لتشرين، وستخوف الشارع الشيعي أكثر من المشروع اللاقطري، وستجعلهم يساهمون بإسقاطه"، مبينًا أنه "لا يصح القول إننا مقبلون على أزمة بل نحن نعيش الأزمة ومن الممكن جدًا أن يتحول إلى نزاع مسلح".