20-فبراير-2019

لحظة دخول المتظاهرين إلى المنطقة الخضراء (تويتر)

"GREEN ZONE" أو المنطقة الخضراء. اسم مركبٌ لمنطقة ذاع صيتها بعد عام 2003، إذ حولتها سلطات الاحتلال الأمريكي إلى بُقعة جغرافية معزولة عن باقي مناطق العاصمة بغداد، محصنة بشكل كبير بواسطة كتل كونكريتية عملاقة، وحواجز أمنية كثيفة، وكلاب تفتيش أمريكية.

لم يستمر فتح الخضراء في زمن رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي إلا أيام وأعيد إغلاقها نهائيًا

تبلغ مساحتها حوالي 10 كيلو متر مربع تتضمن مناطق كرادة مريم، التشريع، جزء من الحارثية، وجزء من حي القادسية، كما تتضمن قصور رئيس النظام السابق صدام حسين التي شغلها المسؤولون بعد سقوط النظام، وقصر المؤتمرات، وقصر السلام الذي يشغله رئيس الجمهورية، وفندق الرشيد، ونصب الجندي المجهول، وقوس النصر الذي بناه النظام السابق إبان الحرب العراقية الإيرانية، وفي الساحة الواقعة تحت القوس تتم الاستعراضات العسكرية والمسيرات قبل عام 2003.

اقرأ/ي أيضًا: فـخُ المنطقـة الخضراء

تُعطي السلطات هويات تعريفية أو "باجات" كما تُسمى في العراق، لشاغلي المنطقة من مسؤولين حكوميين وبرلمانيين وعسكريين والموظفين الدائمين في المنطقة وكذلك بعض المواطنين الساكنين أصلًا داخل المنطقة، وتنقسم الهويات التعريفية بحسب أهمية حاملها عن طريق الألوان المخصصة لكل "باج". يبدأ التدريج من الباج الرصاصي الذي يسمح لحامله بدخول المنطقة منفردًا، ويخضع للتفتيش الشخصي بالإضافة إلى تفتيش العجلة، وكذلك يُعامل حاملو الباج البنفسجي وهم من سكنة المنطقة، أما الباج الأصفر فيخضع لنفس إجراءات الرصاصي والبنفسجي، ولكن بإمكانه إدخال أشخاص إلى حد 15 شخصًا، من عمال وسائقين وبضائع ومواد إنشائية، ويُطلق على حملة الباجات إعلان "الروتين" في لغة الأجهزة الأمنية في الخضراء.  أما حامل الباج الأخضر فيستطيع إدخال خمسة أشخاص في سيارة واحدة مع تسجيل وسحب "هوية الأحوال المدنية" للضيوف، في حين يتمتع صاحب الباج الأزرق بإمكانية إدخال عشرة أشخاص في سيارتين ومن دون تسجيل أو سحب هويات الضيوف .

فتحٌ استمر أيام

في الرابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2015، أمر رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بتسهيل دخول المواطنين إلى المنطقة الخضراء بعد موجة الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد في صيف ذلك العام، ونزل لاستقبال المواطنين الداخلين للمنطقة بعد 12 عامًا من غلقها.

وكتب العبادي على حسابه الرسمي في تويتر، أن "افتتاح المنطقة الخضراء من الإجراءات التي وعدنا مواطنينا بها وها نحن نشهد افتتاحها"، لكن الإجراءات الأمنية المعقدة وكثافة نقاط التفتيش التي تُهدر وقت المواطنين دفعتهم إلى الامتناع عن دخول المنطقة، ولم تمر سوى أيام معدودة حتى أُعيد إغلاقها نهائيًا.

خيمةٌ خضراء في المنطقة الخضراء

بعد سلسلة من الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في نهاية تموز/ يوليو 2015 التي أطلقها مدنيون وشيوعيون، واستمرت طويلًا بدخول الصدريين على الخط، هدّد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بدخول المنطقة الخضراء إذا لم تتم الاستجابة لمطالب المتظاهرين بحكومة "تكنوقراط مستقل"، واضعًا مهلة محددة لتنفيذ ذلك الإجراء.

في السابع والعشرين من شهر آذار/مارس من العام 2016 أعلن الصدر من على منصة الاحتجاج دخوله ومن معه من المرافقين إلى المنطقة الخضراء وبقاء أتباعه بالخارج، وتم نصب خيمة خضراء له داخل المنطقة معتصمًا حتى تنفيذ المطالب.

المتظاهرون أسقطوا الكتل الكونكريتية ودخلوا إلى مبنى البرلمان في 2016.. كان هذا الحدث الأول من نوعه

في 31 آذار/مارس فض الصدر اعتصامه واعتصام أتباعه المتواجدين على أبواب المنطقة الخضراء بعد وعود من العبادي بتقديم كابينة تكنوقراط وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

المتظاهرون يُسقطون حصون الخضراء

الاحتجاجات عادت من جديد إلى ساحة التحرير بعد تلكؤ بتنفيذ المطالب، وفي الثلاثين من شهر نيسان/ أبريل أعلن الصدر في مؤتمر صحفي من مقره في النجف، اعتكافًا لمدة شهرين، احتجاجًا على الفساد، مخاطبًا أتباعه بالقول "إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر"، ليفهم أتباعه الإشارة ويقتحم الآلاف منهم بعد ساعات المنطقة الخضراء ويُسقطون الكتل الكونكريتية ويدخلون مبنى البرلمان، وهو الحدث الأول من نوعه في العراق، لينسحبوا بأمر اللجنة المنظمة في اليوم التالي من بوابة "التشريع" لإتاحة الفرصة للسياسيين وكذلك "احترامًا لزيارة الإمام الكاظم" التي تزامنت مع اقتحامهم.

اقرأ/ي أيضًا: احتمالات مقتدى الصدر الشاسعة.. هدم جدار المنطقة الخضراء أم الاعتصام أمامه؟

اقتحامٌ آخر

في العشرين من شهر أيار/ مايو، اقتحم المتظاهرون الغاضبون من تأخير تشكيلة "حكومة التكنوقراط" المنطقة الخضراء مرّة أخرى، وأظهرت صور على مواقع التواصل الاجتماعي دخول عدد من المتظاهرين إلى مقر مجلس الوزراء، فيما شهد الاقتحام الجديد مصادمات بين المتظاهرين وقوات الأمن أسفرت عن عدد من الضحايا والجرحى.

السفارة العملاقة

توجد في المنطقة الخضراء العديد من سفارات الدول، لكن أهمها دون شك مقر السفارة الأمريكية، وتُعد أكبر سفارة بُنيت في العالم مساحةً وتكلفة، فهي تفوق مساحة الفاتيكان، وأكبر عشر مرات من أي سفارة أمريكية في العالم، وأكبر ست مرات من مساحة مقر الأمم المتحدة في نيويورك

قصف متكرر

تعرضت المنطقة الخضراء المحصنة إلى عدد من محاولات القصف بالصواريخ وقذائف الهاون. وفي السابع من شهر أيلول/ سبتمبر 2018 سُمع دوي انفجارات بالقرب من المنطقة الخضراء، أفادت المصادر الأمنية في وقتها بأن المنطقة تعرضت للقصف بعدد من قذائف الهاون من منطقة زيونة، فيما قالت مصادر أخرى إن "عملية القصف كانت تستهدف السفارة الأمريكية في بغداد، وكانت بمثابةِ رد سريع على عمليات حرق القنصلية الإيرانية ومقرات للحشد الشعبي من قبل متظاهرين في محافظة البصرة"، بعد أن اتهمت طهران وقيادات  في الحشد الولايات المتحدة بتدبير عمليات الحرق في المحافظة.

تعرضت المنطقة الخضراء المحصنة إلى محاولات قصف وصواريخ سقطت عليها.. خاصة السفارة الأمريكية التي استهدفت بعد حرق القنصلية الإيرانية في البصرة

وفي السابع والعشرين من شهر كانون الأول/ ديسمبر جرت محاولة أخرى لقصف السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء، وذكرت مصادر أمنية أن السفارة أطلقت صافرات إنذار عقب قصف المنطقة بصاروخين.

وجاء القصف عشية زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى قاعدة عسكرية أمريكية في محافظة الأنبار في زيارة غير معلنة.
فتحٌ جزئي لأول مرة.. واعتراض أمريكي

في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر أمر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بفتح جزئي للمنطقة الخضراء أمام المواطنين بعد حملة لرفع الكتل الكونكريتية الهائلة من محيط المنطقة، حيث يمر المواطنون عبر الجسر المعلق ويُسمح لهم بالعبور إلى جانب الكرخ إلى منطقة المنصور، أو الذهاب إلى طريق المطار، فيما تبقى المناطق الأخرى مفتوحة لحاملي الباجات فقط.

اقرأ/ي أيضًا: إغلاق القنصلية الأمريكية في البصرة.. بيان الحرب بالوكالة؟!

وحدد عبد المهدي في الثاني عشر من ذات الشهر ساعات الفتح من الخامسة عصرًا إلى الواحدة ليلًا. وتحدث بعض المصادر والشخصيات السياسية عن رفض قاطع من قبل السفارة الأمريكية لهذا الإجراء، لكن رئيس الوزراء مضى بإجرائه، مؤكدًا على أن هذا القرار "لا رجعة فيه".

اعتراضات وتمديد

فتحُ المنطقة بعد الساعة الخامسة لاقى اعتراضات واسعة لدى مواطنين، إذ أن الاختناقات المرورية تبلغ ذروتها في ساعات الدوام الرسمي، فيما اعتبر مواطنون هذا الإجراء شكليًا، ولا فائدة عملية تُرجى منه.

في الثالث من شهر كانون الثاني/ يناير مدد عبد المهدي ساعات فتح المنطقة الخضراء، لتكون من الخامسة عصرًا حتى التاسعة صباحًا من اليوم التالي، بهدف دخول المواطنين عبر الطريق الرابط بين الكرخ والرصافة عبر الجسر المعلق قبل بدء الدوام الرسمي في دوائر الدولة.

مواطنون يعلقون

ما إن يستقل المرء سيارة أجرة، أو يدخل بحوار عن المنطقة الخضراء، حتى يسمع الانطباع الأول عن هذه المنطقة التي ظلت معزولة تمامًا عن العراقيين طيلة السنوات السابقة.

بقيت المنطقة الخضراء معزولة عن العراقيين طيلة السنوات التي مضت وحين يدخلون إليها الآن يشعرون بالاختلاف بينها وبين مناطقهم المهملة 

مواطنون رأوا أن المنطقة الخضراء مختلفة كليًا عن بقية مناطق العاصمة. النظافة أفضل بمراحل، إذ لا توجد أكوام النفايات على الطرقات. القواعد المرورية الطبيعية، حيث الإشارات المرورية في تقاطعات المنطقة الخضراء هي الوحيدة التي لا تزال تعمل وفي ذات الوقت يتم الالتزام بها من قبل السائقين.

رأيٌ من الداخل

(س.أ) عامل في إحدى المطاعم داخل المنطقة الخضراء تحدث لـ"ألترا عراق" عن حالة جديدة بعد الفتح الجزئي للمنطقة بالقول، إن "إقبال الزبائن على المطعم قل بشكل كبير بعد فتح المنطقة وتغيير مواقع السيطرات، حيث كان العاملون في المنطقة من غير حملة الباجات يتجولون بحرية بعد عبورهم السيطرات الرئيسية عن طريق الكفيل، ويصلون إلى المطعم مشيًا أو بسياراتهم دون عوائق، لكنهم الآن لا يستطيعون عبور السيطرات لغير أماكن عملهم".

افتتاح كلي مرتقب

في السابع عشر من شباط/ فبراير الحالي، أعلن سكرتير رئيس الوزراء الفريق الركن محمد حميد البياتي عزم عبد المهدي فتح المنطقة الخضراء 24 ساعة.
البياتي قال في تصريح صحفي تابعه "ألترا عراق"، إننا "وصلنا إلى المراحل النهائية بأعمال الصيانة للأنفاق والطرق تمهيدًا لافتتاح المنطقة الخضراء لمدة 24 ساعة".

اقرأ/ي أيضًا: ما دلالة الكلب قرب مكتب المسؤول العراقي؟

أضاف البياتي، أن "التوقيات باقية ولحظة الفتح لمدة 24 ساعة ستكون قريبة جدًا".

هناك متضرورن أيضًا
العاملون في المنطقة الخضراء يستفيدون من ميزة الباج في دخولها إلى المنطقة وخروجهم من بوابات أخرى، وبذلك يختصرون طرقًا مزدحمة في العاصمة. كما أن الدخول والخروج والتجول داخل يتمتع بسلاسة لا مثيل لها في بقية المناطق.
"م.ف" الموظف في إحدى القنوات التلفزيونية الواقعة في المنطقة الخضراء قال لـ"ألترا عراق" إن "الأوضاع تغيرت بعد الفتح الجزئي للمنطقة الخضراء، إذ نتعرض نحن حملة الباجات لتفتيش دقيق وممل في الساعات التي يتم بها مرور المواطنين".
المتحدث علّق على أنباء فتح الخضراء 24 ساعة بالقول "أعتقد أن جمالية المنطقة ستزول، والقوانين الموجودة هنا لن تستمر، والهدوء لن يعود، إذا ما تم فتح المنطقة كليًا"، مشيرًا إلى أن "الإختناقات المرورية ستزداد بشكل كبير وستؤثر علينا نحن الموظفون في دخولنا وخروجنا من المنطقة".

هناك افتتاح كلي مرتقب للمنطقة الخضراء سيكون لمدة 24 ساعة

وتخضع سيارات حملة الباجات الرصاصية والصفراء والبنفسجية لتفتيش بواسطة كلاب "كي 9" فقط، في الساعات التي يُمنع دخول المواطنين للمنطقة، فيما يخضع حاملو ذات الباجات إلى تفتيش شخصي بعد نزولهم من سياراتهم، فضلًا عن تفتيش سياراتهم بواسطة الكلاب البوليسية في ساعات فتح المنطقة الخضراء للمواطنين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من المالكي إلى عبد المهدي.. قصة الـ100 يوم المكرّرة!

الصدريون في سلامهم وحروبهم.. من الثورة إلى سائرون