ألترا عراق ـ فريق التحرير
لم تكن المرة الأولى التي تصدر فيها تقارير دوليّة "متفائلة" عن الاقتصاد العراقي لتكون محطَّ سخريّة واستغراب من الأوساط الشعبية والخبراء معًا، وكذلك من المصادر التي تغذّي الحكومة العراقية بمادة خام لإغناء قائمة "منجزاتها"، وبينما يعدّ خبر نمو الاقتصاد العراقي المتزامن مع ارتفاع اسعار النفط أمرًا مفهومًا، إلا أنّ "تفوّق" النمو في العراق على مجمل الدول العربية الأخرى، قد يكبح حجم السخرية ويضع الجميع في موضع التساؤل والاستفهام عن كيفية تحقّق هذا الأمر.
النمو الاقتصادي في العراق على دول عربية يرتفع وينخفض بسرعة تبعًا لبورصة النفط في الأسواق وهذا دليل على هشاشة الاقتصاد العراقي
وأصدر البنك الدولي مؤخرًا، تقريرًا كشف من خلاله تسجيل العراق أعلى نمو اقتصادي على مستوى الدول العربية خلال 2022، يبلغ 8.9%، متجاوزًا بذلك باقي الدول العربية، ومنها قطر التي من المتوقع أن تشهد نموًا بنسبة 4.9% والسعودية 7% والكويت 5.7% والإمارات 4.9% والجزائر 3.2% ومصر 5.5% والأردن 2.3% والمغرب 4.3%".
وقد يكون من الطبيعي أن يشهد العراق نموًا في الناتج المحلي والاقتصاد، ولسبب معروف للجميع يتمثل بارتفاع أسعار النفط وزيادة الانتاج وفق اتفاق أوبك+ وبالتالي زيادة التصدير، إلا أنّ ما يثير الاهتمام هو أن يكون نمو العراق هو "الأعلى" من بين الدول العربية، بالرغم من كونها تقوم بتصدير النفط أيضًا.
بحسب تقرير البنك الدولي سيكون نمو اقتصاد السعودية 7% والعراق 8.9% في عام 2022، ما يعني أن نمو العراق يفوق النمو السعودي بأكثر من 20%.
ويصدر العراق أقل من 3.3 مليون برميل يوميًا من النفط، فيما تصدر السعودية أكثر من 7 ملايين برميل يوميًا، ما يعني أنّ السعودية تصدر أكثر من العراق بنحو 52%، مع ذلك فإنّ نمو اقتصاد العراق تفوّق على السعودية، ألا أنّ هذا "التفوّق" يعدّ مؤشرًا واضحًا على "فشل الاقتصاد العراقي وهشاشته" بحسب خبراء، حيث أنّ هذا النمو يرتفع وينخفض بسرعة تبعًا لبورصة النفط في الأسواق.
وبالمقابل، فإنّ مؤشرات النمو الاقتصادي في الدول العربية الأخرى تسير بخطى ثابتة ولا تهتز بارتفاع وانخفاض أسعار النفط، لأنّ النفط يشكل جزءًا من اقتصادها وليس كله، حيث توجد قطاعات أخرى تساهم في نمو اقتصاد هذه الدول.
وبعبارة أخرى، فإنّ الدولة التي تكون أعلى دولة يرتفع فيها النمو الاقتصادي على مستوى باقي الدول نتيجة متغيّر واحد وهو ارتفاع أسعار النفط، ستكون بنفس الوقت أكثر دولة ينخفض فيها النمو ويتعطل عند انخفاض أسعار النفط وسط عدم تأثر الدول الأخرى لوجود قطاعات أخرى تساهم في اقتصاداتها.
وتتلخص فكرة قياس نمو الاقتصاد، بحساب نسبة التغير في قيمة الناتج المحلي الإجمالي لعام ما، مقارنةً بالعام الذي سبقه، وبارتفاع نسبة النمو بالناتج المحلي الإجمالي المتوقع في عام 2022 بفارق كبير، فإنّ هذا يعني أنّ قيمة الناتج المحلي في العام الماضي كانت أقل بشكل كبير متأثرة بأسعار النفط، وهكذا بالنسبة للعام 2020، أما الدول التي لم تسجل فارقًا كبيرًا في النمو، فهذا لأنها لم تشهد انكماشًا كبيرًا في نمو اقتصادها خلال العامين الماضيين بفعل عدم تأثر اقتصادها بأسعار النفط بشكل كبير، لذا، فإنّ الفارق لن يكون كبيرًا بين عامين باختلاف أسعار النفط، والنمو فيها عادة ما يكون نموًا حقيقيًا ناجمًا من زيادة في الإنتاج، لازيادة في الأسعار العالمية فقط كما يحصل مع النفط ليشكل نموًا "وهميًا"، كما يؤشر ذلك العديد من خبراء الاقتصاد.
وهم المؤشرات
ويصف الأكاديمي الاقتصادي صادق البهادلي، هذه الأرقام والتوقعات بأنها "وهم المؤشرات"، مبينًا أنّ "هناك لبسًا وتداخلًا وسوء تعبير، وهو خطأ لا يغتفر من المفترض أنه لا يصدر من مؤسسة بحجم صندوق النقد الدولي، لأنّ مفهوم النمو الاقتصادي يعد مفهومًا معقدًا وله دلالات كبيرة اقتصاديًا".
ويشير في إيضاح تابعه "ألترا عراق"، إلى أنّ "هذا المفهوم والدلالات لا تنطبق على الاقتصادات لمجرد أن يتغير ناتجها المحلي الإجمالي، بمعنى أنه من غير المنطقي اقتصاديًا أن الدلالة لتغيير الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي أو الفرنسي أو الماليزي أو التركي صعودًا أو نزولًا يعطي نفس الدلالة لما يحصل في فينزولا أو العراق".
وأضاف أنّ "التأصيل النظري للنمو الاقتصادي لا يعطي ذات الدلالة للبعد اللغوي للنمو"، موضحًا أنّ "الاقتصادي الامريكي الشهير (سامويلسون) في كتابه علم الاقتصاد، يصف النمو الاقتصادي نظريًا على انه عملية انتقال في (الناتج المحتمل)، ويعني الناتج الذي ينتج في ظل توازن (سوق العمل)"، مشيرًا إلى أنّ "هذا يعني أن أي معدلات نمو إيجابية يحققها النشاط الاقتصادي يعني أن هناك زيادة في (سعة النشاط الاقتصادي) أي أن قدرة النشاط الاقتصادي في خلق وظائف جديدة سوف تكبر وهذا يقود إلى زيادة الإنتاج الحقيقي للسلع والخدمات وسينعكس بالضرورة على حجم الصادرات".
وتحقيق نمو اقتصادي يعني تقلص في معدلات الفقر والبطالة كأهم مؤشرين على ارتفاع مستوى السعة داخل الاقتصاد النامي، بحسب البهادلي الذي يؤكد: "ولو قارنا ذلك مع اقتصادنا المحلي لن نجد أي شيء من هذا القبيل، والقضية عندنا هي النفط فقط إنتاجًا وسعرًا، ونلاحظ وجود تزامن غريب بين نمو الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات الفقر والبطالة ناهيك عن ضعف الإنتاج وتردي البنية التحتية".
تحقيق نمو اقتصادي يعني تقلص في معدلات الفقر والبطالة كأهم مؤشرين على ارتفاع مستوى السعة داخل الاقتصاد النامي
ويوضح أن "هناك سنوات وصل التغير في الناتج المحلي إلى أكثر من 11%، بينما في الاقتصادات الأخرى المتنوعة التي يصدق عليها النمو الاقتصادي تكون نسبة 1.5% منجزًا كبيرًا جدًا لأنه يخلق وظائف ويرفع حجم السيطرة على الأسواق الخارجية".