مع اعتماد العراق في اقتصاده على إيرادات النفط، أو ما يسمى بـ"الاقتصاد الريعي"، تزداد التساؤلات عند كل أزمة عن إمكانية تعرّض العراق إلى الإفلاس والسير على خطى لبنان التي يشبه نظامها في العديد من أزماته وتعقيداته النظام السياسي في العراق، وهي مخاوف تتمثّل بأن تكون الدولة عاجزة عن سداد ديوانها أو دفع ثمن ما تستورده من بضائع وسلع، فضلًا عن عدم قدرتها على الأجور والرواتب الخاصة بالموظفين.
يرى المستشار المالي للحكومة أنّ العراق يمتلك القدرة على مضاعفة الكميات المصدرة من النفط الخام في السنوات الثلاث المقبلة إلى أكثر من خمسة ملايين برميل
وفي إشارة علنية ورسمية سابقة، توقع وزير المالية الحالي علي عبد الأمير علاوي أنّ "الحكومة من الممكن أن تتخلى عن بعض الموظفين بعد 10 أعوام إن استمر الوضع على ما هو عليه الآن"، أي أنها ستكون غير قادرة على الإيفاء بتسديد رواتبهم، وهو ما يطرح المخاوف من الإفلاس أيضًا.
توقع حكومي
وعند طرح هذا التساؤل على مظهر محمد صالح، وهو المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، أجاب بالقول إنّ "العراق يتمتع برافعة مالية قوية وهي واحدة من أكثر الروافع من بين المجموعة النفطية في منظمة أوبك (المنظمة المسؤولة عن تصدير النفط العراقي وبيعه عالميًا) من خلال ضمان التدفقات النقدية للبلاد من عائداته النفطية".
وفي حديث لـ"ألترا عراق"، أوضح صالح أنّ "العراق يمتلك أيضًا القدرة على مضاعفة الكميات المصدرة من النفط الخام في السنوات الثلاث المقبلة إلى أكثر من خمسة ملايين برميل".
ويتمتع العراق بجدارة ائتمانية عالية في أسواق رأس المال والدائنين كافة - والكلام للمستشار الاقتصادي في الحكومة - لذلك لم يخفق العراق في تسديد بقايا ديونه الخارجية بعد تخفيضها في اتفاقية نادي باريس للعام 2004، بنسبة 80% والالتزام بجداول التسديد بكل دقة.
وفي نهاية العام الماضي، أعلن البنك المركزي العراقي سداد كامل التعويضات التي أقرتها اللجنة الخاصة للأمم المتحدة بشأن ملف الكويت.
وألزمت هذه اللجنة التي تشكلت عام 1991، بغداد بدفع 52.4 مليار دولار كتعويضات للأفراد والشركات والمنظمات الحكومية وغيرها ممن تكبد خسائر ناجمة مباشرة عن حرب الخليج عام 1991.
وعاود العراق تسديد المدفوعات إلى الكويت في العام 2018 عقب توقف دام أكثر من 4 أعوام وتحديدًا منذ 2014 على خلفية دخوله بحرب طويلة مع تنظيم "داعش".
مؤشرات عالمية
وبالعودة إلى صالح، فإنّ المؤشرات التي تطلقها شركات التصنيف الائتماني العالمية منذ اعتماد العراق فيها خلال العام 2015، تشير إلى أن "التصنيف الائتماني للعراق مستقر، وذي جدارة ائتمانية متميزة ومطمئنة خلال المدى البعيد".
وبحسب صالح، فإنّ تحقيق الاستدامة المالية للبلاد دون التعرض إلى الإخفاق تحتاج إلى ثلاثة أمور:
- أولًا: انضباط مالي عالي في التصرفات المالية العامة وعدم التوسع في الجانب التشغيلي الاستهلاكي من الايرادات المتحققة.
- ثانيًا: توجيه العائدات المالية العالية نحو بناء تنمية مستدامة حقيقية توفر التنوع الاقتصادي للبلاد، وتوفر فرص العمل مع الحرص على بناء احتياطيات من فائضات عوائد النفط واستثمارها في الصندوق لاستقرار الموازنة نفسها (صندوق سيادي) لرفد الموازنة بالأموال عند الضرورات، ذلك وفقًا للمادة 19 من قانون الإدارة المالية.
- ثالثًا: تجنب حالات الاقتراض الخارجي العالية والدخول بمشكلات المديونية الخارجية لا سيما عند حصول انخفاض في سوق النفط العالمية.
النفط يغطي على سوء الإدارة
ويستبعد الخبير الاقتصادي، أحمد صدام، إفلاس العراق كما حصل مع لبنان في الوقت الحالي.
ويقول صدام لـ"ألترا عراق"، إنّ "خطورة الإفلاس مستبعدة كون العراق لديه إيرادات مالية كبيرة جراء بيع النفط، وحتى مع انخفاض أسعار النفط عالميًا تبقى مسألة الإفلاس المالي مستبعدة".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنّ "القطاع النفطي في البلاد يغطي على سوء أداء السياسات الاقتصادية والاختلال الهيكلي الحاصل فيها"، محذراً في ذات الوقت من "ازدياد البطالة والفقر اذ ان هذه المشكلة توازي في خطورتها مشكلة الإفلاس".
يرى خبير اقتصادي أنّ القطاع النفطي في البلاد يغطي على سوء أداء السياسات الاقتصادية والاختلال الهيكلي الحاصل فيها
ويعتمد الاقتصاد العراقي كليًا على القطاع النفطي حيث يكون 95% من إجمالي دخل البلاد من العملة الصعبة (الدولار)، مما يجعل الاقتصاد متأرجح بتذبذب أسعار النفط العالمي، وهذا ما يتخوف منه مراقبون للشأن الاقتصادي.