منذ الإعلان عن النتائج الأولية لانتخابات العاشر من تشرين الأول/أكتوبر 2021 تتداول وسائل الإعلام تصريحات لقوى سياسية تكرر عبارة "الانسداد السياسي" تحذيرًا وتنبيهًا وإشارةً وابتزازًا في بعض الحالات. وإذا كانت الأشياء تُعرف بنقيضها فالسؤال الأبرز: ومتى حصل الانفراج السياسي؟
طرأ موضوعان مفصليان يحددان المشهد أكثر من غيرهما: ادعاء الكتل الخاسرة في الانتخابات بوجود تزوير وسرقة لأصوات ناخبيهم ومحاولة اغتيال الكاظمي
لم يشهد العراق منذ 2003 انفراجة سياسية ليقابلها انسداد سياسي. كانت الأزمات على الدوام تُقابل بمحاولات لتمشية الأوضاع ودفعها إلى الأمام لكنها في الحقيقة لا تسير إلى الأمام. هي ثغرات مؤقتة تُفتح بعبث لتدفق الدماء في العملية السياسية وسرعان ما تلتهب لتكوّن سرطانًا لاحقًا يخلق انسدادًا أكبر من سابقه وفي مكان جديد داخل جسد النظام.
اقرأ/ي أيضًا: حل الفصائل.. أين ينتهي سباق "إلقاء الحجج"؟
ولمثال أوضح وأقرب: في العام 2018 تأزمت الأوضاع بعد إعلان نتائج الانتخابات والصراع بين كتلتي سائرون والفتح على تشكيل الحكومة، وما رافقه من تفجيرات وحرائق وغير ذلك، وأُصطلح على الوضع آنذاك بالانسداد، حتى وصل الطرفان إلى تسوية لا غالب فيها باختيار عادل عبد المهدي لرئاسة الوزراء، وينبغي على من يكرر عبارة الانسداد أن يصطلح على فترة الاتفاق على عبد المهدي "انفراجة"؛ لكن الحقيقة كما يعلم الجميع أن الأوضاع تأزمت أكثر وولدت انفجارًا بعد عام من تلك "الانفراجة المزعومة" متمثلًا بانتفاضة تشرين، وما زالت شظايا ذلك الانفجار تتطاير إلى الآن فوق رؤوس الجميع.
إن مغادرة العبارات الخاطئة المستخدمة كأداة لتكثيف صور المشهد الحالي ضرورية لاتضاح الموقف مما يجري بدل إطلاق التصريحات الأبوية التي تدعي الحمولة العقلانية وهي الأبعد عن ذلك.
اليوم، يختلف الوضع السياسي عن الأوضاع السابقة. تجذّرت الأزمات وتعمّقت. لا يجري الحديث الواقعي - حتى الآن - عن "الأحق" بتشكيل الحكومة لناحية عدد مقاعده أو حواراته السياسية. طرأ موضوعان مفصليان نعتقد أنهما يحددان المشهد أكثر من غيرهما: ادعاء الكتل الخاسرة في الانتخابات بوجود تزوير وسرقة لأصوات ناخبيهم، ومحاولة اغتيال الكاظمي.
يُزيد من حدة التعقيد عن 2018 متغيران شعبيان سياسيان، أولهما الانتخابي الفني: انخفاض مقاعد أهم قوى الإطار التنسيقي مقابل زيادة مقاعد التيار الصدري. وثانيهما السياق الذي تجري فيه التطورات، ونعني مرحلة ما بعد انتفاضة تشرين.
في المتغير الأول: يصر زعيم التيار الصدري على القبول بنتائج الانتخابات ويخاطب المعترضين بلغة تصعيدية تؤكد على الخضوع أو "الإذعان" كما يُعبر، وتسنده بذلك المواقف الدولية المهمة التي تشيد بالإجراءات الفنية للانتخابات والمواقف الداخلية أيضًا. أما الطرف الآخر فما زال مصرًا على مسألة تزوير الانتخابات ويتحدث مرارًا عن الانسداد السياسي.
نرى أن الصدر ومعه الكاظمي يستخدمان ملف اغتيال الكاظمي ورقةً ضاغطة على الطرف الآخر المُحاصَر بنتائج الانتخابات والتضييقات الدولية والرفض الشعبي. التناغم في "الكشف عن نتائج التحقيق" يشير إلى عملية ابتزاز أو ما شابه. لم يكشف مؤتمر إعلان نتائج التحقيق بمحاولة اغتيال الكاظمي شيئًا ينتظره العراقيون وذلك يصب في فرضية الابتزاز والضغط، بانتظار الورقة التي سيستخدمها الطرف الآخر - الذي ينكر صلته بالحادث - للضغط، ولعلها تكون بتفعيل ملف التواجد الأمريكي المتأثر بطبيعة الحال بمفاوضات فيينا أو تصعيد حدة الاحتجاجات.
الانسداد السياسي حالة قائمة بذاتها وليست مستَجدًا، وأي محاولة جديدة لفتح ثغرة لجريان الدماء سترتد بقوة مُحدثةً "جلطة" في العملية السياسية
الخُلاصة: إن عبارة "الانسداد السياسي" تأتي في إطار فرض "الإطار" لواقع بهدف الضغط على القوى الأخرى للتنازل والتسوية وبالتالي التخفيف من النتائج العملية للخسارة في الانتخابات. فالانسداد السياسي حالة قائمة بذاتها وليست مستَجدًا، وأي محاولة جديدة لفتح ثغرة لجريان الدماء سترتد بقوة مُحدثةً "جلطة" في العملية السياسية، نظرًا لاعتبارات عدّة بينها المتغير الثاني الذي أشرنا له.
اقرأ/ي أيضًا: