تبرز أزمة الهُوية الجامعة وتعارضها مع المصالح الخاصة (الفئوية) كعائق أمام كل محاولة تغيير نحو بناء دولة مستقرة، وهذا ما نجده في نموذج لبننة الدولة والمجتمع العراقي والعربي.
فإذا نظرنا إلى التكوينات الاجتماعية المتعددة من حيث الانتماءات والعصبيات القبلية والطائفية والعرقية والجهوية أو المحلية داخل المجتمع العربي نجدها على درجة عالية من التمايز، استنادًا إلى معايير متعددة مثل الموقع ونمط المعيشة والنظام العام والوضع الاقتصادي والموارد الطبيعية والتفاهم في إطار المجتمع والتفريق في الموقع والحقوق المدنية والسياسية، وهو ما ينعكس بشكل أو آخر على بنية المجتمع ومؤسساته وفي طبع الثقافة العامة والحياة السياسية وحتى الكيان العام للدولة بطابعها الخاص مثلما يصمم نظام الحكم على أساسها.
شُوهت هوية الفرد بعد عام 2003 إثر الغزو الأمريكي والتدخلات الإقليمية والدولية
وهكذا في المشرق العربي نجد أنّ معايير التضامن في دول مثل لبنان وسوريا والعراق ترتكز على أساس الولاءات الدينية العرقية الطائفية. وربما يبرز نموذج لبنان بشكل أكبر والعراق بشكل أقلّ لوصف تناقضات أسس بنية المجتمع المتعدد القائم على الولاءات الفرعية منذ قيام الدولة.
ففي لبنان تمتعت تلك التضامنيات بامتيازات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية في صلب نظامها السياسي السائد، وفي سوريا كذلك استندت تكويناتها الاجتماعية إلى جماعات فرعية متنوعة من حيث الانتماء الديني والطائفي والعرقي والجهوي، وهي بمجملها ذات تأثير على بنية الدولة وطبيعتها.
أما في العراق فقد تشوهت هوية الفرد بعد عام 2003، إثر الغزو الأمريكي والتدخلات الإقليمية والدولية وما سببته من دمار أمني واقتصادي واجتماعي، وتداخلت فيما بيننا ليطغى عليها الدين مرة والطائفة أخرى أو العشيرة والمناطقية. كل ذلك أدى إلى نسف القيم والعادات الاجتماعية، وخلف بشكل مباشر أو غير مباشر إشكالية كبيرة للنظام السياسي وهيكلة الحكومة.
هذه الإشكالية التي لطالما سعت لحلها بعض النخب الدينية والثقافية وإن كان بمحاولات بسيطة جدًا، بل وحتى النخب السياسية مرة لإرضاء جمهورها ومرة لتدارك موقف وحدث معين، تبرز بقوة الآن على أعتاب مرحلة جديدة يعنونها سؤال كبير عن مدى قدرة القوى السياسية والسلطة القضائية على التغلب على الضغوط والمسميات الجزئية، حيث يعني الفشل انهيار البلاد في مستنقع محاصصة أعمق.
اقرأ/ي أيضًا:
اختيار رئيس الوزراء وعقدة التوافقية في النظام.. شرط واحد لتحقّق الأغلبية