تشغل السياسة عددًا كبيرًا من الناس وتستولي على أغلب النقاشات في المقاهي الثقافية والمجالس الخاصة وحتى مركبات النقل العام وغيرها في العراق، ما يدعونا إلى البحث حول كل ما يطوف حول هذا العالم المتشابك والشائك، ورجاله، طبيعة المهام السياسية، والسياسة فضلى، الأدوات غير شرعية التي يستخدمها السياسيون ومنها استغلال النساء جنسيًا.
يبقى الدور الرفيع للسياسة ثابتًا بمهامه على الرغم مما وصم به اليوم من عار ومكر وخداع وعهر استلب الناس مصائرهم وزعزع أمنهم
ربما لانحتاج لتعريف السياسة، كونها كلمة معروفة ومتداولة بشكل واسع على مستوى المجتمع العام، ولكن على الرغم من ذلك قد تسبب ربكة عند السؤال عن التعريف العام لها، حيث أن التعريف العام فضفاض ويختلف عن التعريف الشعبي. وعند البحث عن أساسيات الكلمة لغويًا نجد أنها اشتقت من الفعل ساس وتعني القيادة والرياسة.. إلخ، وقد اشتقت عربيًا من كلمات ثلاث.
اقرأ/ي أيضًا: من عنف العوائل إلى "شبكات الدعارة": فتيات في شباك منظّمات مجتمع مدني!
أما اصطلاحًا، فهي علاقة ترابطية بين الدولة والسلطة والمواطنين واشتراكهم على نحو واحد لتحقيق بيئة آمنة قائمة على قواعد حقوقية كبنى تحتية للأنظمة السليمة، ولايهم الاقتناع بتلك الأنظمة قدر المحافظة على الأنظمة باتجاه بنيوي سليم لايعطل البناء المجتمعي أو يؤخره. أي تشترك الأطراف كافة لتوجيه الطاقات الكامنة في المجتمع نحو خير ذلك المجتمع ولايحدث ذلك بتاتًا إلا بواسطة السياسة عن طريق قرار يلزم الكافة بالإنطواء تحته.
تباين تعريف السياسة بين المختصين واختلف وصارت لهذه المفردة معجم تعريفات على مستوى أصعدة عدة، من ضمنها الصعيد الفلسفي حيث يرى سقراط السياسة فن الحكم والسياسي يعرف هذا الفن، فيما رأى أفلاطون إنها فن حكم الأفراد برضاتهم والسياسي هو الذي يعرف هذا الفن.
واختلفت التعريفات مابين الأنشطة البشرية والصراع على الحكم، كما ويطلق على الرجل الذي يستعرض المهام السياسية كنشاط بشري إطاره المجتمع الذي يعطيه الملامح الأخيرة ويعمد على تطبيق تلك المهام خدمة للصالح العام "رجل السياسة"، ويخضع لاشتراطات قبول أكاديمية تؤهله للعمل بهذا المجال.
هذا الدور الرفيع المستوى الذي يرتقي بالمجتمع نحو الرفعة يبقى ثابتًا بمهامه وروحيته مهما تعاقبت الأحداث والأشخاص وما وصم به اليوم من عار ومكر وخداع وخلة أخلاقية وانعدام ضمير وعهر استلب الناس مصائرهم وزعزع أمنهم، فذلك يقع على عاتق الأشخاص ويسيء لهم ولايفترض أن يسيء للمهام العامة لهذا الدور وينفي أهميته، وهنا يجب رفع مستوى الوعي بهذه النقطة.
في كل دول العالم هناك مهام سياسية تناط برجل السياسة التي تؤهله للارتقاء بنفسه والسير ببلده نحو الازدهار والتطور، وترتكز طبيعة المهام السياسية على شقين، الأمن الداخلي، عن طريق فرض نظام داخلي بغية تحقيق السلام داخل المجتمعات وتفتيت التأزم، من خلال رفع روح المسؤولية لدى الجماعة بإشراكهم في أعمال مشتركة تحقق الوفاق الوطني، وإخراج الأفراد من تقوقعهم وزرع بوادر الجماعة وأهمية العمل الجماعي خدمة للبلاد، وبالتالي تحصيل عائد نفعي لهم.
يعتمد السياسيون في العراق أداوت "غير شرعية" لاختراق عالم السلطة والنفوذ من بينها المال والعنف والنساء
كما يجب أن تكون هناك قرارات سياسية توجه الجماعة وتضبط السلوكيات وفق أنظمة مختارة بدقة وبدراسات لتحقيق الأهداف وكما قال كانط: "الانسان. لديه مزاج لا اجتماعي يدفعه إلى الرغبة في توجيه كل شيء على هواه"، لذلك لا بد من نظام يحكم السلوكيات والأمزجة. فيما يعتبر اتخاذ قرارات سياسية تحافظ على الآمن الخارجي وكرامة الحدود بطرائق دبلوماسية تجعل الحرب آخر الخيارات، ركيزة ثانية.
وللسياسة أدوات يفترض بالسياسي الحقيقي إجادة استخدامها لتحقيق نتائج إيجابية للمجتمع، منها القوة والدبلوماسية والقانون والثقافة. أما في العراق وخاصة بعد 2003 فإن أي من تلك الأدوات لا تعد مؤهلًا كافيًا لاختراق عالم السلطة، بل هناك أدوات "غير شرعية"، منها الأموال التي تستخدم كوسيلة ضغط وإغراء وشراء ذمم باستغلال حاجة الأفراد المادية مقابل أصواتهم وغيره.
من بين الأدوات غير الشرعية أيضًا، العنف بأساليبه المباشرة وغير المباشرة، كما يجري في العراق على سبيل المثال من ترهيب متعمد عبر الرجال المدججين بالسلاح والسيارات السوداء الضخمة التي تحيط بالسياسيين، أو اختطاف وسجن المعارضين وتعريضهم للتعذيب، أو المضايقة ومحاصرة المخالفين على مستوى فرص العمل والمعاملات وغيرها على أبسط الوجوه.
أما محورنا فهو النساء. حيث تستخدم وتستغل النساء بوسائل عدة، منها محلية كالدعارة بصورة مباشرة لمتعة بعض السياسيين أنفسهم أو للإيقاع بخصم عن طريق توريطه مع فتاة وتوثيق ذلك واتخاذها وسيلة تهديد أو للتجسس وسرقة مابجعبة الخصم الآخر من أفكار وخطط وما على ذات الشاكلة، كما تستخدم لمهام أكبر كاللقاءات عالية المستوى بين أطراف دولية أو حسم صفقات المناصب الكبرى لقاء مكافأت مالية ضخمة.
استغلال النساء جنسيًا في العراق والفئات المستهدفة
أغلبنا يعي كمية التمييز الحاصل أثناء أداء مهام العمل في شتى المجالات مابين الرجال والنساء حيث يميل بعض رؤساء العمل، البعض الغالب، إلى تشغيل الايادي العاملة النسوية بالقرب من موقعه وذلك لغايات ما تعتمل في نفسه، ومن بعض تلك الغايات اتخاذها كواجهة عمل لجذب الزبائن كما وإن النساء أكثر طواعية من الرجل في الأمور الإدارية واستقبال الأوامر. وهذا الأمر لايختلف كثيرًا عن استخدام النساء في السياسة حيث تعددت الطرق واستحدثت حسب المواقف والأشخاص وتم إنشاء مؤسسات بكاملها لاستغلال النساء جنسيًا ونفسيًا. وإنشاء منظومات نسوية مشوهة الذات من الطرق الكثيرة لاستغلال النساء في السياسة ولا سيما جنسيًا.
يتم استغلال النساء جنسيًا من قبل السياسيين بأساليب مختلفة من بينها التوظيف ومراكز المساج والتجميل ومواقع التواصل الاجتماعي
يتم استدراج النساء إلى عالم الاستغلال السياسي في كثير من الأحياء عن طريق إعلانات التوظيف في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتم اختيار المتقدمات لها وفق الهيئة الجسدية ووفق الشروط الشكلية لأصحاب العمل، حيث تكون شركات وهمية لسياسيين غالبًا، ويجري توظيفها فعلًا لعدة أشهر حتى يتم الإيقاع بها بتسلسل هرمي، لتصبح جزءًا من المنظومة تتولى فيما بعد مهمة الإيقاع بضحية جديدة بذات الوسيلة.
اقرأ/ي أيضًا: الابتزاز الإلكتروني.. الجنس والأموال مقابل التستر على "الفضائح"!
من واجهات السياسيين لجذب النساء، مراكز التجميل. حيث يعمد بعض السياسيين لإنشاء بعض المراكز واستدراج النساء عبر العروض المغرية، وكذلك مراكز المساج التي تعد من أخطر المجتمعات التي انتشرت حديثا لاستغلال النساء جنسيًا لأغراض سياسية، حيث يتم جذب المطلقات أو الأرامل أو من تكن بحاجة للمال من أجل تحقيق المتعة الجنسية للسياسيين أو لأغراض الإيقاع بالخصوم.
أما صفحات التواصل الاجتماعي فلا تقل خطورة، حيث تعمل الجيوش الإلكترونية على جر الفتيات والنساء عبر وعود بتحقيق الأحلام وتوفير فرص العمل وغيرها، وكذلك تأسيس مراكز تحمل واجهات منظمات المجتمع المدني ومساعدة النساء، لكنها تخدم أهداف جنسية بحتة لسياسيين.
وعلى الرغم من التكتم الشديد في مجتمع تحكمه الأعراف العشائرية المتشددة، إلا أن الاستغلال الجنسي في عالم السياسة ومؤسسات الدولة في العراق، معلومًا وواضحًا بما لا يقبل الشك تذهب ضحيته مئات الفتيات والنساء، خاصة الطموحات منهن، حيث لا يمكن نيل الترقيات وصعود السلم الوظيفي دون تقديم الخدمات الجنسية.
تستهدف الظاهرة غالبًا، الفئات المعوزة والتي تمر بعوز مالي شديد نتيجة الظروف الاقتصادية التي لم تمكنهن من إيجاد عمل كاالأرامل اللواتي لايملكن معيل أو المطلقات أو فتيات العوائل التي يعتقل أفراد منها بتهم خطيرة، وحتى طالبات الجامعات والمراهقات حيث يقعن ضحايا ولا يمكنهن الخروج من الفخ أو كشف ما تتعرضن له خوفًا من القتل بداعي غسل العار وغيرها من الأعراف المجتمعية.
تخيلوا، أن يعرض على الفتاة أو المرأة المعوزة التي تحتاج إلى 500 دولار شهريًا، أربعة أضعاف ذلك المبلغ المتوقع شهريًا. أو تلك الطموحة إلى منصب رفيع أو شهرة أو نفوذ في مجال السياسة والإعلام، بصورة لاتعرف السوية الأخلاقية وتنسف المبادئ، أي أنها تقدم على أي عمل كان للحصول على الشهرة وتعويص النقص المرضي الحاصل في الذات، ذلك النقص الذي لايعوض إلا بشعوره بموقع قوة السلطة، متناسيات أن الإساءة تحدث لشريحة بأكملها، وهذا الأمر قد يختلف قليلًا حسب الحالات لكن بمحور مرضي واحد وله تبعات نفسية تحكمها النشأة العائلية والمجتمعية.
تذهب مئات الفتيات ضحايا الاستغلال الجنسي من قبل السياسيين أو المؤسسات الإعلامية لحاجتهن المادية أو نتيجة عدم نيل فرص أو طموح الشهرة والطيش
كما يستهدف الاستغلال الجنسي للنساء سياسيًا فئات عمرية محددة، مثل المراهقات دون الـ 20 سنة، حيث يكون الطيش عنوانهن والتشتت ملاذهن، والفئات العمرية التي لم تحظ بفرصة الزواج أو العمل الكريم، حيث أحلام الشهرة بالنسبة للفئة الأولى كمودلز أو ممثلة أو مقدمة برامج، فيما تبرر الثانية لنفسها بمحاولة استغلال ما تبقى من شبابها لتحقيق شيء ما.
ربما ليس هذا كل شيء فهناك الكثير والكثير من الطرق المبتكرة لاستغلال النساء جنسيًا لأغراض سياسية. وفي النهاية لا يقتصر استغلال النساء في السياسة فحسب بل أن العمل مقابل الجنس منتشر وبصورة متزايدة في شتى مجالات الحياة العملية، ومن ضمنها بعض المؤسسات الإعلامية، التي تصطاد الحالمين بمستقبل غير روتيني، فالكثير من المؤسسات الإعلامية والسياسية لها نفس الغايات الجسدية والتي تجرف القيم إلى حيث الحيوانية.
اقرأ/ي أيضًا:
المرأة العراقية أمام "استحقاقات" الاستبداد.. حلقات من تاريخ لم يتوقف