09-أبريل-2019

لم يشهد البرلمان أي حراك حقيقي لإخراج القوات الأمريكية حتى الآن (Getty)

انتظر المراقبون عاصفة برلمانية بشأن تواجد القوات الأمريكية، بعد عاصفة من التصريحات التي أطلقتها العديد من الكتل والشخصيات السياسية وأبرزهم تحالفي الفتح وسائرون، إذ توعدوا بإخراج القوات الأجنبية من العراق، ورهن التحالفان تواجد القوات بما تعلنه الحكومة عن حاجتها لبقاء مستشارين أو غيرهم. وحملت غالبية التصريحات تأكيدًا على عزم البرلمان تشريع قانون يُلزم الحكومة بإخراج تلك القوات مطلع الفصل التشريعي الثاني.

لا زالت الدعوات البرلمانية إلى إخراج القوات الأجنبية ومنها القوات الأمريكية مجرد شعارات بالتزامن مع ذكرى الغزو الأمريكي للبلاد قبل 16 عامًا

الإصلاح يَضغط والرئاسة تستجيب

في البدء، أعلن تحالف الإصلاح والإعمار بقيادة سائرون تقديم مقترح قانون لرئيس مجلس النواب يتضمن إنهاء العمل باتفاقيتين موقعتين مع الولايات المتحدة. وقال رئيس الكتلة صباح الساعدي، في 24 كانون الثاني/يناير، إن التحالف بهذا القانون وضع رئاسة المجلس أمام مسؤوليتها القانونية والدستورية.

اقرأ/ي أيضًا: ما الذي أخفاه مكتب عبد المهدي وكشفه موقع خامنئي؟

وذكر النائب عن تحالف سائرون محمد الغزي لـ "ألترا عراق"، في 13 شباط/فبراير، أن "وجود القوات الأجنبية هو احتلالٌ بوجه قانوني، لذا نرفض بشدة وجودهم، وسنتبع الطرق القانونية لإخراجهم، وإن لم نصل لذلك فلدينا حلول أخرى".

من جانبها أبدت رئاسة البرلمان حينها استجابة، حيث قال النائب الأول لرئيس البرلمان حسن الكعبي في الثالث من شباط/فبراير، إن "مجلس النواب سيعمل خلال الفصل التشريعي المقبل على تشريع قانون يتضمن إنهاء العمل بالاتفاقية الأمنية مع أمريكا وإنهاء تواجد المدربين والمستشارين"، وتوعد ترامب بإخراج قواته ومستشاريه بالقانون والإرادة الوطنية. فيما كشف رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في 4شباط/فبراير، عن عزم رئاسة البرلمان توجيه سؤال نيابي إلى الحكومة بشأن تواجد القوات الأمريكية وعدد القواعد ومدى حاجة الحكومة للمستشارين الأجانب، بعد أن قدم 52 نائبًا مقترح قانون بخصوص الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة.

لا جديد يُذكر

استأنف مجلس النواب فصله التشريعي الثاني، في التاسع من شهر آذار/مارس، بجلسةٍ مُخصصةٍ بالكامل لمناقشة ملف محاربة الفساد في العراق، وبحضور رئيسي الجمهورية والوزراء.

ورغم مرور شهر على بدء الفصل التشريعي، إلا أن ملف التواجد الأمريكي في العراق لم يُطرح في مجلس النواب بشكلٍ رسمي على شكل قراءة لمشروع القانون أو ما شابه، وظلت التصريحات الإعلامية هي المتسيدة للموقف.

لم يشهد البرلمان أي حراك حقيقي لطرح مسودة قانون إخراج القوات الأجنبية من البلاد حتى الآن على الرغم من مضي أسابيع على استئناف فصله التشريعي

الحلبوسي من أمريكا: العراق بحاجة لدعم قواتكم!

ثم فاجئ رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، خلال زيارة إلى الولايات المتحدة، الجميع حين أعلن في لقاء مع وزير الدفاع الأمريكي باتريك شاناهان في البنتاغون، حاجة القوات الأمنية العراقية لمزيد من التدريب والدعم اللوجستي.

الرد على التصريح جاء من أطراف عدة في البرلمان، حيث قال القيادي في التيار الصدري حاكم الزاملي، إن "كتل برلمانية مثل الفتح وسائرون وغيرهم طالبوا بجدولة انسحاب القوات الأجنبية من العراق ولا بد من حوار مع هذه الكتل المؤثرة"، مبينًا أن "الحلبوسي لا يمكنه حسم الملف كونه غير مخولٍ بذلك سواء هو أو الرئاسات الثلاث".

سائرون: جاءوا بالحلبوسي للضغط عليه!

فيما قال بدر الزيادي، النائب عن تحالف سائرون، في تصريح صحافي، إن "دعوة رئيس مجلس النواب للولايات المتحدة لم تأتِ من فراغ، بل الهدف منها الضغط على الحلبوسي من أجل منع اتخاذ مجلس النواب قرار بإخراج القوات الأمريكية من الأراضي العراقية".

وأكد النائب عن تحالف سائرون رائد فهمي ذلك بالقول، إن "زيارة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي لواشنطن تتطرق إلى العلاقات في إطار الاتفاقيات المبرمة وتواجد القوات الأمريكية في العراق ومستقبلها، كون العديد من النواب يدعون إلى مراجعة العلاقة مع الولايات المتحدة ووضع نهاية لتواجد القوات الأجنبية".

رئيس الجمهورية على خطى الحلبوسي!

موقف رئيس الجمهورية برهم صالح جاء صادمًا أيضًا، حين قال في تصريح لوكالة عالمية، في 30 آذار/مارس الماضي، إنه لا يرى أي معارضة بخصوص استمرار تواجد قوات أمريكية في العراق شريطة أن تساعد في محاربة تنظيم داعش، محذرًا من خطر التنظيم الذي لم ينتهِ بعد، حسب تعبيره.

أعلن كل من رئيسي الجمهورية والبرلمان مواقف صادمة ومثيرة للجدل بتأكيد ضرورة بقاء القوات الأمريكية في العراق

كما كشف صالح، أنه "قاد مؤخرًا حوارًا بين الكتل السياسية الرئيسية في العراق حول أهمية وجود القوات الأمريكية، ووجد توافقًا على أن العراق بحاجة إلى التعاون مع الولايات المتحدة"، مضيفًا: "ليس من المقرر إجراء مناقشة أو تصويت في البرلمان على هذه القضية في الوقت الراهن".

الرد على الرئيس

بعد الحديث الكبير من النواب عن عزم البرلمان تشريع قانون لإخراج القوات الأمريكية يبدو تصريح الرئيس صالح مفاجئًا، ويُشير إلى تراجع في آراء الكتل السياسية المعارضة لتواجد القوات؛ لكن القيادي في ائتلاف دولة القانون محمد الصيهود رد على تصريح الرئيس بالقول، إن "القوى السياسية في حراك وتحاور مستمر من أجل إخراج القوات الأمريكية في أقرب وقت، وأغلبية الكتل رافضة لهذا التواجد بعكس ما تقوله بعض الجهات والشخصيات السياسية"، في إشارة لتصريح الرئيس صالح.

وأكد الصيهود أن "الدليل على الرفض الجاد ستشهده الأيام المقبلة بالتصويت على قانون إخراج القوات الأجنبية من كافة الأراضي العراقية".

الحلبوسي يؤكد موقفه

سيواجه رئيس الجمهورية العديد من الصعوبات في الفترة المقبلة إذا ما صدق تأكيد النواب؛ لكن الصعوبات بطبيعة الحال لا تصل إلى تلك التي ستواجه رئيس مجلس النواب، المسؤول الأول عن هذا الملف تشريعيًا.

الحلبوسي عاد في 31 آذار/مارس الماضي، ليؤكد موقفه وتصريح رئيس الجمهورية، إذ قال في تصريح صحافي إن "المطالبة بسحب قوات التحالف بقيادة واشنطن في هذه المرحلة يصب في مصلحة الإرهاب"، مضيفًا أن "بقائها هو ضمانة للعراق، ويوفر غطاءً سياسيًا له في مواجهة التدخلات الأجنبية".

كما لفت، إلى أن "الاقتراحات التي صدرت عن بعض الكتل النيابية بتقديم مشروع قانون يدعو إلى خروج القوات الأمريكية سُحبت نهائيًا من التداول"!.

ثم عاد المتحدث باسم الحلبوسي ونفى تصريحات نُسبت إلى الأخير في هذا الحوار، وقال إنه لم يقل ما تناولته الصحافة، بل أكد على سيادة العراق خلال لقائه مع عدد من وسائل الإعلام.

اقرأ/ي أيضًا: قوات أمريكية جديدة في الأنبار.. ما حقيقة دولارات واشنطن في البرلمان؟

اختلاف مواقف وتصريحات المسؤولين بحسب زيارتهم إلى الدول، ألمح إليه نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي، في بيان أصدره،  في الأول من نيسان/أبريل، بالقول "لقد أصبح التصريح والتعبير عن مواقفنا جغرافيًا، فهو مختلف عما لو كنّا في العراق أو زرنا الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أو كنّا في الولايات المتحدة الأمريكية".

سائرون والفتح يردون

بدوره أشار رئيس كتلة الإصلاح والإعمار النيابية والنائب عن تحالف سائرون صباح الساعدي، في 31 آذار/مارس، إلى إن "الحديث عن سحب مقترح قانون إنهاء الاتفاقية الأمنية والقسم الثالث من اتفاقية الإطار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، وهم كبير وقع فيه البعض"، مشددًا على أن "إخراج القوات الأجنبية وإلغاء قواعدها هو من أهم الموضوعات التي لا يمكن أن تطوى نهائيًا إلا بإخراج آخر جندي أجنبي وإغلاق آخر قاعدة في العراق".

رفضت كتلتا سائرون والفتح تصريحات رئيسي الجمهورية والبرلمان عن ضرورة بقاء القوات الأمريكية مع التعهد بالمضي بمشروع قانون طردها

قال الساعدي، في بيان له، إن "على رئيس مجلس النواب أن يحيل مقترح القانون الذي تقدمنا به إلى اللجان البرلمانية المختصة وفقًا للنظام الداخلي"، مؤكدًا أن "الرئاسات الثلاث لا يمكنها أن تحل محل مجلس النواب وإلغاء اختصاصاته التشريعية والرقابية".

أما النائب عن سائرون جمال فاخر، فقد أكد، في 7 نيسان/أبريل موقف سائرون، مشيرًا إلى أن "تحالف سائرون لازال متمسكًا بإصدار قانون يقضي بإخراج القوات الأمريكية في أسرع وقت"، فيما طالب الحكومة الاتحادية باتخاذ إجراءات سريعة لإنقاذ البلاد من هذه القوات".

بدوره قال المتحدث باسم تحالف الفتح أحمد الأسدي في الأول من نيسان/أبريل بتصريح صحفي إن "تحالفي الفتح وسائرون شكلا لجنة قانونية من أجل إحداث مشروع قانون لإخراج القوات الأجنبية من العراق يصوت عليه مجلس النواب"، مؤكدًا أن "القانون ما زال مسودة وقيد الإعداد، ولم يُقدم إلى مجلس النواب بشكلٍ رسمي، لحين الانتهاء من إعداده بشكل محكم ومدروس".

القوات الأمريكية في الأنبار: باقية وتتعزز

بالأثناء، تحدثت مصادر عن قيام الولايات المتحدة بنقل جزء من قواتها المتواجدة في سوريا إلى قواعدها الموجودة في الأنبار، وأن التعزيزات مستمرة منذ ثلاثة أسابيع.

وتتواجد القوات الأمريكية في الأنبار، قاعدة في عين الأسد وفي مطار الحبانية، بالإضافة إلى تواجدها على الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، وفق الخبير الأمني حامد العكاشي، مؤكدًا في تصريح صحافي أن "وجود القوات الأمريكية أمر واقعي، وهي لن تغادر الأنبار لسنوات عديدة وربما لن تنتهي مهام جنودها مطلقًا لحماية مصالحها في العراق وخصوصًا في الأنبار".

 يقول القيادي في تحالف الفتح محمد البياتي، إن "القوات الأمريكية الموجودة في قواعد عين الأسد وتيوان وغيرها من القواعد لها أهداف وغايات ضد الشعب العراقي".

خامنئي يدخل على الخط

وعلى الرغم من إصرار الطبقة السياسية على رفض سياسة المحاور والانفتاح على الجميع، إلا أن المرشد الأعلى في إيران علي خامنائي أحرج رئيس الوزراء العراقي خلال استقباله في إيران في السادس من نيسان/أبريل، إذ قال "يجب على الحكومة العراقية أن تفعل شيئًا لإخراج القوات الأمريكية من البلاد في أسرع وقت ممكن".

تواصل القوات الأمريكية نقل قوات ومعدات إلى قواعدها في الأنبار، بالتزامن مع تدخل من المرشد الأعلى الإيراني "أحرج" رئيس الوزراء

ورأى مراقبون أن التصريح تدخل واضح في الشأن الداخلي العراقي، فضلًا عن كونه جاء بصيغة الأمر وليس الطلب، في السياق التنافس الإقليمي على القرار العراقي.

هل يُسوّف ملف التواجد الأمريكي؟

حاول "ألترا عراق" الاتصال ببعض النواب، لكنهم رفضوا التصريح حول ملف التواجد الأمريكي، إذ تنصل بعضهم من الإجابة حين طلبنا التعليق على تصريحات رئيسي الجمهورية والبرلمان، فيما اعتذر آخرون عن الرد بدعوى حساسية الموقف.

لكن مصدرًا برلمانيًا رفض الكشف عن اسمه، قال إن "ملف التواجد الأمريكي في طريقه إلى التسويف"، مبينًا لـ "ألترا عراق" أن "تصريحات رئيس الجمهورية لم تأتِ من فراغ، وهناك مخاوف لدى بعض السياسيين من ردٍ أمريكي قاسٍ في حال مضى مجلس النواب بتشريع قانون إخراج القوات الأجنبية".

ولم تعلن الحكومة العراقية حتى الآن عن العدد النهائي للقوات الأمريكية المتواجدة في العراق وكذلك قواعدها العسكرية، وحاجة الحكومة الفعلية لها، رغم مطالبات النواب والسياسيين بالكشف عن ذلك. فيما يستمر رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي بنفيه تواجد قوات "قتالية" في العراق.

بدوره قال رئيس مركز أفق للدراسات والتحليل السياسي، جمعة العطواني، إن "الشعارات المرفوعة لن تترجم قانون يلزم رئيس الوزراء بجلاء القوات الأمريكية، فعبد المهدي المعروف بوسطيته حد الإفراط أحيانًا لا يريد أن يكون موقفه حادًا بهذا الاتجاه أو ذاك، أو خصمًا لهذه الكتلة أو تلك"، مرجحًا في تصريح لـ "ألترا عراٌق" أن يقول عبد المهدي كلمته الفصل والتي تتضمن أن "العراق بحاجة إلى قوات أمريكية بعدد محدد وسوف يذكر عددًا تقريبيًا أقل مما هو موجود وسيطالب بحركة هذه القوات تحت إشراف القوات العراقية".

أشار العطواني، إلى أن "السياسيين العراقيين منقسمين حول الوجود الأمريكي بين مرحب وداعٍ للتخفيض ورافض لهذا الوجود"، مبينًا أن "الجميع يريد أن يتخلى عن المسؤولية بعد هذا الانقسام الحاد".

حل يُرضي الجميع

ويبدو أن الحلول التوافقية في أعقد المسائل العراقية الداخلية تجري ذاتها على المسائل الإقليمية، وستخضع القضايا الكبرى للمحاصصة هي الأخرى.

يرجح مختصون التوصل إلى حل توافقي لملف التواجد العسكري الأمريكي يتمثل بإبقاء جزء من القوات الأمريكية يحدده عبد المهدي لتنال جميع القوى والكتل أنصاف ما تتمنى، فيما يرفض أغلب النواب التعليق 

يقول العطواني في حديثه عن السيناريو القادم، إن "الطريقة التي ذكرتها ستضمن لكل الأطراف أنصاف ما تتمنى، فالمطالبون ببقاء الأمريكان سيحصلون على مرادهم ولو بنصف العدد، والمطالبون برحيل الأمريكان سيحصلون على نصف ما يتمنون، وأمريكا ستحصل على موطئ قدم لها في العراق، وإيران ستحصل على ضمانات في الحكومة بتقييد عمل القوات الأمريكية وبأعداد محددة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

عبد المهدي وقاعدة ترامب العسكرية "الرائعة".. إحراج متواصل

ترامب "يفتح النار" على قواته في العراق مجددًا