أيام 18 و 19 و 20 آذار / مارس وصولًا إلى أوائل نيسان/أبريل ليست عادية بالنسبة للعراقيين، حيث يستذكرون فيها ذكرى الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003، والذي أطاح بنظام صدام حسين، فبعد مرور 20 عامًا لا تزال الآثار واضحة وقائمة في تفاصيل حياة العراقيين وأزماتهم المركبة في السياسة والاقتصاد.
ما الذي تغير؟
ويرى مدير مركز الرفد للإعلام والدراسات الاستراتيجية، عباس الجبوري أنّ العراق شهد بعد العام 2003 مرحلة تدمير ممنهج للبنى التحتية للمدن، فضلاً عن تدمير قطاع الصناعة والزراعة والتعليم، مبينًا أنّ "الغزو الأميركي فتح الباب أمام دخول أشخاص احتلوا الساحة السياسية من أجل سرقة ثروات البلاد على كافة الأصعدة".
وبحسب الجبوري، فإنّ "العراق باع النفط منذ اكتشافه لغاية العام 2003 بـ 283 مليار دولار، في حين باع النفط بأكثر من 1310 مليارات دولار منذ العام 2003 إلى العام 2021"، مؤكدًا أن "الحكومات الـ 5 التي شكلت خلال الـ 20 عامًا الماضية لم تستطع بناء جسر واحد جديد، حيث أصبح الدمار والخراب يسود جميع أنحاء العراق".
وعانى العراق على مدار السنوات الماضية ـ والكلام للجبوري ـ من "تصفيات طائفية وحروب ضد القاعدة وداعش وانتشار للمجاميع المسلحة الأمر الذي أسفر عن هجرة آلاف الشباب والعائلات نحو دول الغرب بحثًا عن الاستقرار الأمني والسياسي".
العراق باع النفط منذ اكتشافه لغاية العام 2003 بـ 283 مليار دولار، في حين باع النفط بأكثر من 1310 مليارات دولار منذ العام 2003 إلى العام 2021
وأنجبت الحكومات التي تشكلت بعد الغزو الأمريكي للعراق، 10 ملايين شخص تحت خط الفقر، مع 43% أميين، وفقًا للجبوري الذي أشار إلى أنّ "القوات الأمريكية جاءت وهي تنادي بتوفير الحريات للشعب، إلا أن حتى هذه الحريات لم تطبق بل على العكس تم قتل مئات الأشخاص جراء خروجهم بتظاهرات تطالب بمشاريع وخدمات وفرص عمل".
ويقول الجبوري لـ"ألترا عراق"، إنّ "العراقيين يشعرون بالأسى وخيبة الأمل لما حدث للبلاد بعد العام 2003، مضيفًا أنّ "العراق الآن منهار ويعاني من ضياع حقيقي على كافة المستويات".
"نظام سياسي ناجح"
وبعد مرور عقدين على الغزو الأمريكي، لا يزال العراقيون يتساءلون عن المتغيرات التي شهدتها البلاد، حيث يذهب بعضهم إلى أنّ الـ 20 عامًا الأخيرة كانت هي الأسوأ في تاريخ العراق، أما البعض الآخر وآخرون يرون أنها أفضل "كونهم تخلصوا من النظام الاستبدادي السابق".
وحول هذا الأمر، يقول عضو ائتلاف دولة القانون، فاضل موات لـ"ألترا عراق"، إنّ "العراقيين تخلصوا من نظام دكتاتوري مقيت بعد العام 2003 وتمكنوا من تحويل النظام إلى ديمقراطي نيابي"، مبينًا أنّ "العراقيين دخلوا بحروب عديدة استمرت لسنوات كالمعارك مع إيران وحرب الخليج وغيرها".
ويزعم موات أنّ الوضع تحول "إلى الأحسن"، حيث يرى أنّ العراقيين الآن "يتمتعون بحريات كانوا يفتقدونها خلال النظام السابق، كما أنّ الأوضاع الاقتصادية بالنسبة للشعب تغيرت"، مشيراً إلى أن "ما يعطل تطبيق النظام الديمقراطي الجديد بشكل افضل وتقديم خدمات وسد كافة احتياجات الشعب هو الوجود الأميركي في البلاد، إذ أن العراق لا يزال دولة محتلة".
ورغم "تحول الوضع إلى الأحسن" كما يقول موات إلا أنه لا ينكر أنّ التدخلات الأمريكية "مستمرة بحجة أنهم من خلصوا الشعب العراقي من النظام الدكتاتوري السابق، مضيفًا أنّ "هناك رفضًا شعبيًا معلنًا وعدم رغبة حقيقية لبقاء القوات الأمريكية على الأراضي العراقية".
وحول نجاح النظام السياسي الحالي خلال الـ 20 عامًا يوضح عضو "الإطار التنسيقي" الحاكم، أنّ "النظام السياسي بعد العام 2003 حقق نجاحات عديدة، في حين وقع بإخفاقات بسبب التدخل الأجنبي والتنافس غير الشريف بين الأحزاب السياسية".
ويرى موات أنّ استمرار التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي ستجعل البلاد تمر بـ"أزمات سياسية واقتصادية وحتى أمنية، معللًا ذلك لـ"أهمية العراق وموقعه في المنطقة".
"حرية لم ترتق للمستوى المطلوب"
بالمقابل، يرى ياسين عزيز، وهو محلل ومراقب سياسي، أنّ العراق كان أفضل بعد العام 2003، وذلك لـ"تخلصه من حكم مركزي قوي يحكم لعشرات السنين بكل فواصل الدولة، واصفًا تغيير من الداخل بـ"ضرب من الخيال".
ويقول عزيز لـ"ألترا عراق"، أن مرحلة ما بعدت الغزو الأمريكي "شهدت نوعًا من الانفتاح السياسي والحرية السياسية وأن كانت لم تصل إلى المستوى الذي يرتقي بالعراق أن يصبح في صف الدول الديمقراطية المتقدمة".
وشهد العراق في في 20 أيار/مايو 2006، تشكل أول حكومة عراقية على أساس "طائفي ومكوناتي" للرئاسات الثلاث (غير المنتخبة من قبل الشعب)، فيما أصبح نهجًا متبعًا وقائمًا إلى اليوم، الأمر الذي أسفر عن أزمات سياسية واقتصادية متواصلة ألقت بظلالها على الشارع العراقي.
يرى باحثون أن العراق ربما يشهد احتجاجات ضد الفوضى والفساد المستشري في البلاد
وبرأي عزيز، فإنّ العملية السياسية التي خلقت سلطات الحكم خلال الـ 20 عامًا الماضية "انحرفت عن مسار النهج الديمقراطي الذي كان ينتظر أن يكون عليه البلد، وهذا ما أدى إلى عدم وجود استغلال إيجابي لثروات البلد الهائلة بسبب الفساد الكبير في العملية السياسية وبقيت الخدمات حتى الأساسية ومنها أبسط الأمور كـ (الكهرباء والماء والمتطلبات الأخرى)، غائبة عن المواطن العادي وبقيت البنى التحتية متهالكة دون وجود مشاريع حقيقية، الأمر الذي أفقد العملية السياسية والأطراف السياسية بريقها لدى الشارع العراقي".
وشهدت انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2021 أكبر مقاطعة منذ الغزو الأمريكي للعراق، وهو بالنسبة لعزيز "خير دليل على رفض الشارع العراقي للطبقة السياسية الحاكمة".
ويسعى سياسيون في الآونة الأخيرة إلى إعادة الثقة بهم، يقول عزيز ويستدرك "لكن جميع المعطيات تشير إلى أن الشارع لن يصمت للأبد وسيكون له موقف تجاه الكم الهائل من الفوضى والفساد المستشري في أنظمة السلطة".