ألترا عراق ـ فريق التحرير
بعد حصار دام أكثر من 12 عامًا على العراق، انتهى باحتلاله وتدمير مؤسساته في نيسان/أبريل 2003، لكن لم يكن الغزو الأمريكي مقبولًا من كل الدول التي ساهمت بضربه في حرب الخليج الثانية 1991 وهو الوقت الذي بدأ فيه الحصار، إذ قوبل الاحتلال بمعارضة في داخل الولايات المتحدة وشتى أرجاء العالم. كما رفضت فرنسا، بعد أن كانت قد شاركت في الجهود العسكرية السابقة، المشاركة في التحالف في ذلك الوقت، وحدثت مواجهات كبيرة بين الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك والرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن.
أعرب الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك عن معارضة شديدة للتدخل العسكري الأمريكي في العراق عام 2003، الأمر الذي عكر صفو العلاقات بين باريس وواشنطن
وأعرب وقتها الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي توفي يوم الخميس 26 أيلول/سبتمبر 2019، عن معارضة شديدة للتدخل العسكري للعراق، الأمر الذي عكّر صفو العلاقات بين باريس وواشنطن، وهو ما دعا إلى توجيه أوامر إلى ثلاثة مطاعم في مجلس النواب الأمريكي من أجل تغيير اسم البطاطس المقلية "الفرنسية" على قوائم الأطعمة واستخدام اسم جديدة هو بطاطس "الحرية".
شيراك وقبل أشهر قليلة من بدء عمليات الغزو الأمريكي للعراق، قال في كانون الثاني/يناير 2003، إنه "بالنسبة لنا تعد الحرب دائمًا دليلًا على الفشل وأسوأ الحلول، لذا يجب بذل الجهود لتجنبها"، كما أعلن في آذار/مارس 2003 أن بلاده ستصوت بـ"لا" على مشروع القرار الأميركي البريطاني في مجلس الأمن والذي يهدف إلى تشريع شن الحرب ضد العراق. وقال في مقابلة مع قناتين تلفزيونيتين في فرنسا إن "باريس ستستخدم حق النقض "الفيتو" ضد أي قرار بهذا الشأن".
لكن الحرب بدأت واحتل العراق بالرغم من تحذيرات شيراك من أن "الحرب على العراق ستؤدي إلى تنامي الإرهاب وستتسبب في تفكك التحالف الدولي ضد الإرهاب والذي شكلته الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر، وأنها ستساعد أولئك الذين يريدون رؤية صدام بين الحضارات والأديان، كما يمكن أن تزيد التوترات بين اليهود والمسلمين في فرنسا.
وفي الجزء الثاني من مذكرات جاك شيراك الذي يقع في 600 صفحة، ذكر أنه "باسم الصداقة بين البلدين، أي أمريكا وفرنسا، فقد حذرته (يعني بوش) من هذه الحرب وانعكاساتها وقلت لبوش "هذا ما سيحدث في البداية سوف تحتل بغداد بسهولة ودون مشاكل تذكر، وفي أسبوع أو أسبوعين كل شيء سوف يكون على ما يرام، ولكن بعد ذلك سوف تبدأ المشاكل، ستجد نفسك في مواجهة بداية حرب أهلية بين الشيعة، الأكراد والسنة، والشيعة يشكلون الأغلبية مما يعني أنك ستكون مجبرًا عاجلًا أم آجلًا على أن تترك لهم السلطة باسم الديمقراطية".
أضاف أنه "في نفس الوقت سوف تقوي الموقف الإيراني في المنطقة، وهذه الحرب الأهلية ستجعل من العراق من دون سلطة قوية، دولة مشتتة من جميع الجهات. بعد ذلك لا يمكنك التحكم في أي شيء، لا شيء مع كل الانعكاسات على توازن الشرق الأوسط، مبينًا "لقد استمع لي بوش دون أن يقاطعني مع ابتسامة خفيفة ومتهكمة.. وتوقف تبادلنا عند هذا الحد".
حذر شيراك من أن الحرب على العراق ستؤدي إلى تنامي الإرهاب كما ستقوي الموقف الإيراني في المنطقة، وستجعل من العراق من دون سلطة قوية، دولة مشتتة من جميع الجهات
وفي كتابه "من أسرار الرؤساء" يكشف الصحافي الفرنسي، فانسون نوزيل، كيف أن بوش الابن وصل به الأمر حدّ اعتبار موقف نظيره الفرنسي، جاك شيراك، الرافض لضرب العراق ووقفته أمام أمريكا "خيانة" لا تغتفر وأراد الانتقام منه، ومن هنا لم ينتظر بوش كثيرًا حتى يردّ "الصاع صاعين" لنظيره الفرنسي.
وبعد الاحتلال تفرّغ بوش لـ"مبارزة" شيراك، وفي نهاية عام 2003، أي بعد بداية الحرب بنحو تسعة أشهر باشر الرئيس الأمريكي السابق "معركته" هذه بالعمل على توريط فرنسا في ما تسمى عملية إعادة اعمار العراق من خلال العمل على دفعها الى المساهمة في تحمّل جانب من تكاليف الحرب بداعي أنّ واشنطن لا تستطيع أن تتحمّل لوحدها نفقات هذه الحرب وعملية إعادة الإعمار التي تكبّد الميزانية الأمريكية سنويًا ما قيمته 70 مليار دولار وأيضًا "تعويضًا" لقرار باريس عدم إرسال قوات إلى العراق.
حيث يشير صاحب الكتاب في هذا الصدد كيف أنّ البيت الأبيض قاد حملة مكثفة على الاليزيه انتهت في الأخير بـ"استسلام" شيراك للابتزاز الأمريكي وتسليمه بشكل غير مباشر مبلغ 5.5 مليارات دولار إلى واشنطن كفاتورة لموقفه من حرب رفضها، ورفض المشاركة فيها، لكنه أجبر على المساهمة في تحمّل قسط من أعبائها.