منذ شهرين تقريبًا وبعد الإعلان عن سقوط حلب بالكامل تحت سيطرة القوات الروسية والميلشيات الإيرانية، وأصبح الوضع في سوريا أكثر وضوحًا وفجاجة لصالح التدخل الصريح والتواجد المليشاوي الطائفي الإيراني العلني، والذي يستفز روسيا قليلًا لتعود وتتغاضى عنه من جديد كل مرة.
أما قوات المعارضة بقيادة الجيش السوري الحر الذي يشهد أكبر مرحلة ضعف وتفكك في داخله، بسبب كثرة عدد الشهداء وقلة الجند والعتاد، وخصوصًا بعد فقدانه لآخر وأهم قلاعه وهي حلب فهي بحاجة الكثير في مواجهة كل هذا الضخ الروسي الجوي والمليشاوي الأرضي الطائفي الإيراني.
نستطيع القول إن روسيا تنزعج من الطائفية والتطرف فقط عندما تكون مقترفة من غير حلفائها
إيران وعبقرية الميليشيات
بعد كل هذا التقارب الروسي الإيراني، لا يعتقد عاقل أن روسيا ستتردد ولو للحظة في إعطاء إيران بعض الصلاحيات في الشأن الداخلي السوري كتدفق بشكل أوسع وأكبر للشيعة داخل سوريا، خاصة أن روسيا تحمل ضمن مشروع بقائها في سوريا تصورات ديمغرافية خطيرة، مستحضرة تجاربها الفادحة في حروب أفغانستان والشيشان.
اقرأ/ي أيضًا: شباب العراق المقاتلون في سوريا: كذبة حماية المراقد
إيران التي تمارس عبقرية فذة في التوغل داخل الوطن العربي، أملًا في تكوين حلم إمبراطورية ولاية الفقيه والتي نجحت حتى الآن في ضم جنوب لبنان والعراق وسوريا، وأخيرًا توغلها في اليمن بدعم عسكري كامل للحوثيين.
من الجدير بالذكر أن إيران من أنجح دول العالم في تكوين الميليشيات المسلحة، فعلى سبيل المثال حزب الله في لبنان وتوغله الصريح في سوريا، والحوثيون وانقلابهم المسلح في اليمن، وميليشيات تقود العراق، بالإضافة إلى ميليشيات متقطعة في سوريا، كامل ولائها لإيران.
سيناريو العراق
الوضع في سوريا يكاد أن يكون نسخة شبه الأصل من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فقط تبدلت أمريكا بروسيا، وجورج بوش ببوتين، والعراق بسوريا.
بعد كل هذا التقارب الروسي الإيراني، لا يعتقد عاقل أن روسيا ستتردد ولو للحظة في إعطاء إيران بعض الصلاحيات في الشأن الداخلي السوري
فقبل غزو العراق، كانت الأغلبية للسُّنة في العراق، بينما كانت الأقلية من شعب العراق ينتمي للمذهب الشيعي. ولكن تبدلت الأحوال رأسًا على عقب بعد الغزو، فبعد مغادرة القوات الأمريكية العراق في 18 كانون الأول/ديسمبر 2011 أصبحت الأغلبية للشيعة في كل المناصب، وخصوصًا في الجيش والشرطة والمخابرات، إلى أن تخطت نسبة الشيعة في الجيش العراقي 80% بجانب حصولهم على أغلب الوزارات والدوائر الحكومية، أي بمعنى آخر، فإن أمريكا سلمت جميع مقاليد الحكم في العراق للشيعة قبل مغادرة آخر جندي أمريكي، ولا يدور الحديث هنا عن فقراء الطائفة الكريمة، بل قيادات تتبع مباشرة لطهران وتتلحف بشعارات طائفية كي لا تفقد حاضنتها الشعبية المضللة.
يبدو أن روسيا ستفعل نفس الأمر في سوريا، وستسير على نفس نهج أمريكا أثناء احتلالها للعراق، فلن تترك سوريا سوى بعد تسليم كافة مقاليد الحكم لوكلاء إيران.
شام على مذهب ولاية الفقيه
بلاد الشام تتكون من سوريا، والأردن، ولبنان، وفلسطين، بالإضافة إلى بعض المناطق الحدودية مع العراق والسعودية وتركيا. فالسؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه هنا، بعد كل هذا التمدد المليشاوي الطائفي الإيراني في سوريا ولبنان، وبعد قدرة إسرائيل على تثبيت حكمها وخلق معادلة جديدة في فلسطين، هل نستطيع الآن أن نطلق على الشام وصف "شام ولاية الفقيه"؟
اقرأ/ي أيضًا: العراق في سوريا.. توسيع قاعدة المليشيات الإيرانية
والأهم هو من يعتقد أن التمدد الإيراني في المنطقة العربية سيتوقف عند دولة معينة، أو عند مدينة معينة، فإيران لديها هدف وحلم مماثل بالضبط لحلم إسرائيل في المنطقة، وستبذل كل ما في وسعها لتحقيقه، بينما نحن العرب غارقون في خلافاتنا السياسية والثقافية.
فمن السهل جدًا أن تجد في الوطن العربي شخصًا يسب ويلعن أحدهم ويلعن بلاده، لمجرد هزيمة فريقه المفضل في كرة القدم، أو ربما لأن أحدهم سخر من مطربه المفضل!
تتلاقى إيران وإسرائيل في الطابع التوسعي الإقليمي لكل من مشروعيهما، أيديولوجيًا وميدانيًا
بيان استنكاري
في الواقع نحن العرب بارعون إلى أقصى درجة في إصدار بيانات استنكارية، والتي تصدر من وزارات الخارجية للدول العربية، فعندما ترى ردة فعل دول أوروبا بعد التدخل الروسي في أوكرانيا في 27 شباط/فبراير 2014 ومجرد مقارنته بردة فعل جامعة الدول العربية أثناء سقوط حلب، لا أبالغ إذا قلت إنه قد يدفعك للانتحار!
بصفتي مواطن عربي قبل أي شيء، هل يجب أن أحزن وأبكي لأن سوريا أصبحت تحت سيطرة دول أجنبية مثل إيران وروسيا، وفي الجهة الأخرى تنظيم "داعش"، أم يجب أن أحزن لأن سوريا أصبحت تابعة لإيران حالها كحال جنوب لبنان واليمن، أو كحال العراق جميع مقاليد الحكم بها يتولاها أشخاص وحكام مرجعيتهم الحرس الثوري الإيراني. في الواقع أنا أريد أن أبتعد عن كل هذه الضوضاء لأطرح سؤالًا بريئًا إلى أقصى حد: ماذا بعد سوريا يا عرب؟
اقرأ/ي أيضًا:
السعودية وإيران.. إنه النفط
رغم الاعتراضات.."الحشد الشعبي" مقننًا في العراق