لم يعد معظم أبناء جيلي "جيل التسعينيات" يستهويهم ما يشاهدونه على سبيل المصادفة من شارات الكارتون والمضامين الثقافية لها، وهذا حسبما أعتقد ليس بسبب النوستالجيا العالية لأفلام الكارتون القديمة التي تحولت مع قناة سبيستون إلى منتَج ثقافي متخصص للأطفال والمراهقين. نحن نستعيد هذه الشارات والمضامين بشكل مستمر ليس بسبب جمال أصوات رشا رزق وطارق العربي طرقان وغيرهم، بل أن المنتج الثقافي لهذه المؤسسة كان مختلفًا ربما، فاستعادتنا لصور وأصوات "سبيستون" هي محاولة لاستعادة المنتج الثقافي الذي تم ضربه ضمن إطار الردة الدينية والهويات الفرعية الطائفية.
كانت "سبيستون" تحاول صناعة منتجها الثقافي الذي كان موجهًا لتقبل القيم الإنسانية الكونية ورفع شأن القيم العقلانية وصورة المساواة الجندرية بين الأجناس
بدأت فضائية سبيستون بث عالمها عام 2000 بالتعاون مع مركز الزهرة للترجمة في دمشق الذي يعد صانع المنتج الثقافي لهذه المؤسسة.. قيم الحداثة والتقدم والكونية والالتزام المعرفي هو ما كان يحرك هذا المركز على ما يبدو في بداياته، ثمة كواكب عشرة يتكون منها عالم سبيستون، وهو افتراض عن العالم الواقعي الذي نعيشه، تعيش هذه الكواكب ضمن إطار قيم كونية تحاول سبيستون صناعة منتجها الثقافي منه الذي كان موجهًا لتقبل القيم الإنسانية الكونية ورفع شأن القيم العقلانية، وصورة المساواة الجندرية بين الأجناس.. هذه الحزمة من القيم كانت موجهة للأطفال والمراهقين، ففكرة كواكب سبيستون تمثل تماهيًا واضحًا للقيم الكونية الإنسانية.
اقرأ/ي أيضًا: سبيستون.. نوستالجيا جيل لمعت عيناه
لم يكن خيار المؤسسين لهذه القيم واعيًا كما أعتقد، بل كانت تحت ضغط المنتَج الثقافي العالمي المدعوم من السوق، لذلك سرعان ما أخذت هذه المؤسسة تراجع نشاطها وأخذ المونتاج المحافظ طريقه إليها، ولكن ليس هذا فحسب ما يعد مهمًا في تاريخ المنتج الثقافي الموجهة للأطفال والمراهقين، بل أنّ اللحظة الحاسمة في تحول المنتَج الثقافي إلى ما يشبه بـ"السعار الديني الطائفي" الموجود في باقي حقول الإنتاج الثقافي.
وفي أثناء موجات الربيع العربي أخذ الإنتاج الثقافي الموجه للأطفال والمراهقين يستعيد نفس الردة الدينية الطائفية الذي ظهر بالتزامن مع الحراك الاجتماعي في فترات الاحتجاجات العربية، وصار لفضائية طيور الجنة التي افتتحت قبيل تلك الأيام بفترة قليلة الرهان الأقوى لإعادة ترتيب المنتَج الثقافي وفق خطاب الردة هذا.. صرنا نسمع خطابًا يحث الأطفال والمراهقين بضرورة إقناع الآباء بالجهاد، وقبل ذلك؛ كنا نسمع نحن الأطفال خطابًا عن العقلانية والعمل والتسامح والسلام! لم يختلف شيئًا أعتقد، فنحن أطفال كنا أو مراهقين أو بالغين، تحتوينا دائمًا خطابات السلطة بما يناسبها، فحتى وإن كانت مشاريع مثل سبيستون أو طيور الجنة، هي مؤسسات خاصة، لكنها ليست متبوعة للمجتمع المدني وما ينتجه من ثقافة، بل أنها تابعة للسلطة وتصدر الخطاب الذي ترغب فيه سلطاتنا في ظروف معينة.
ثمة شيء علينا قوله بمناسبة الذكرى 22 لـ"سبيستون"، هي أننا أبناء لهذه الفكرة التي أُقصيت، الأفكار التي تناقش القيم الإنسانية والكونية وقيم المساواة والمواطنة والتقدم كمنتَج ثقافي للأطفال والمراهقين. شاءت السلطات عندنا كما تشاء دائمًا أن تنتج ثقافة جديدة تستل خطابها من الردة الدينية، فشاء لطيور الجنة وغيرها أن تدعم الموت والإرهاب كمنتج ثقافي بديل، بالرغم من أن التجربتين بنتان لفضاء واحد.
اقرأ/ي أيضًا:
نصوص مدهشة.. ماذا تعرف عن عمالة الأطفال في الحضارة السومرية؟
"شبح" الأعشاب يقتل الأطفال في العراق.. ماذا تعرف عن "السكوة"؟