05-فبراير-2022

في العراق، لا ترف في الخيارات (Getty)

في العراق، لا ترف في الخيارات. على صعيد الأحزاب والتيارات، القوى المسلحة، الشخصيات السياسية، وحتى السيادة التي باتت تستند إلى دول خارجية بحسب انتماء القاصد لها.

أعاد تفسير المحكمة شيئًا من المنافسة على رئاسة الجمهورية ثم أشعلها مقتدى الصدر بتغريدته الأخيرة التي اختلف المفسرون في تفسيرها ليعيد الأجواء إلى التي سبقت انتخاب صالح في العام 2018

هناك ميليشيات محلية (لكي لا نقول وطنية، وغير وطنية) وميليشيات عابرة للحدود ذات قرار خارجي. هناك تدخل دولي لا يخلع القرار الوطني من جذوره، مقابل تدخل يجر السيادة بعربة مكسورة العجلات. هناك أحزاب فاسدة لناحية المال والإدارة، وأخرى فاسدة في المال والإدارة والأخلاق والوطنية والإنسانية. أنت في العراق؟ - لا ترف في الخيارات.

اقرأ/ي أيضًا: سباق الجمهورية: أطراف في التحالف الثلاثي يتهمون برهم صالح بمحاولة تعطيل الجلسة

على أية حال، في سياق الحديث على منصب رئاسة الجمهورية قبل الجلسة المقرر عقدها في 7 شباط/فبراير المقبل، ومرشحيه، كان الأمر محسومًا قبل 48 ساعة أو أكثر، لصالح مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري قبل أن يناور المرشح والرئيس الحالي برهم صالح وينتزع تفسيرًا من المحكمة الاتحادية يشترط حضور ثلثي أعضاء مجلس النواب لاكتمال النصاب ثم التصويت على منصب رئيس الجمهورية.

أعاد تفسير المحكمة شيئًا من المنافسة ثم أشعلها مقتدى الصدر بتغريدته الأخيرة التي اختلف المفسرون في تفسيرها، ليعيد الأجواء إلى التي سبقت انتخاب صالح في العام 2018، وهي برأينا ليست إلا مناورة مُقابلِة لإتمام النصاب، وستعود المياه إلى مجاريها.

وبالعودة إلى السؤال الأساس: من الأفضل بينهما؟

يعتمد الجواب بطبيعة الحال على هوية المُجيب ومصالحه وانتمائاته ونظرته للشخصيتين. وفي التنافس بين زيباري وصالح ثمة مفارقة نعتقدها كدعاة دولة وطنية. تتداخل الذاكرة مع التفكير المنطقي فتنتج تناقضًا أكبر من مسألة اختيار رئيس للجمهورية بصلاحيات محدودة. تناقض بعمق أزمتنا التي تبدأ على صعيد الهوية ولا تنتهي بمستقبل الدولة.

نعتقد، وهو تصور تدعمه مواقف واقعية وتصريحات علنية بل وانطباعات مجتمعية في الوسط والجنوب نابعة من الزيارات والتمييزات المناطقية لإقليم كردستان، أن الحزب الداعم لبرهم صالح (الاتحاد الوطني الكردستاني) أقل تطرفًا اتجاه عرب العراق من غريمه الديمقراطي الكردستاني.

نقطة أخرى في صالح صالح: مواقفه أثناء احتجاجات تشرين وتحديدًا في ملف تكليف مرشح لرئاسة الحكومية خلفًا للمستقيل عادل عبد المهدي، والتي لا تخلو من رغبات شخصية؛ لكنها التقت في نتائجها بمطالب المنتفضين الرافضين للشخصيات التي رشحّها خصوم المتظاهرين ورفضها صالح.

تبدو الدوافع العاطفية والمجتمعية لعرب العراق مرة، وللمحتجين مرة أخرى، متجهةً نحو برهم صالح، مقابل وزير أسبق أُقيل من قبل مجلس النواب بغض النظر عن الأسباب والدوافع وعدالة الإقالة.

الحزب الداعم لبرهم صالح (الاتحاد الوطني الكردستاني) أقل تطرفًا اتجاه عرب العراق من غريمه الديمقراطي الكردستاني

أما لناحية التفكير السياسي المتجاوز للعاطفة، والذي يأخذ بعين الاعتبار الخيارات الصعبة الموجودة في الواقع العراقي لناحية مصلحة الدولة ووجودها، يبدو زيباري الأكثر تأثيرًا على ضبط كيان الدولة، لا بشخصهِ، بل بحزبه الذي دخل بقوة للحصول على المنصب الذي لم كان حكرًا على غريمه طيلة السنوات السابقة.

اقرأ/ي أيضًا: استقطابات وتحولات المشهد الكردي: تراجع الثلاثية

اعتبر الحزب الديمقراطي الكردستاني، بغداد، حَصّالةً منذ 2003، يجني منها الأموال المخصصة له في الموازنة لصالح الإقليم، ويستحوذ على الوزارات التي من حصته دون دخول في أية قضايا وطنية. كانت نقاشاته في بغداد تقتصر على الوزارات التي من حصصه وما لكردستان من تخصيصات مالية؛ لكنه لم يدخل في النقاشات الوطنية العامة قط.

لطالما اعتبرتْ أربيل الحكومة الاتحادية مصدر شرٍّ بفعل الخطاب السياسي الذي يتبناه البارتي ويحشّد من خلاله جماهيره. ومن المفترض أن يؤدي استحواذ الحزب على منصب رئاسة الجمهورية (لا يمتلك الديمقراطي الكردستاني موظفًا صغيرًا في مؤسسة الرئاسة) إلى تغيير السياسة المتبعة من الحزب اتجاه بغداد، وبالتالي الخطاب الذي يتبناه الحزب الذي يرأسه أكبر زعيم كردي، وقد يكون الأخير في شعبيته.

إن الفائدة الأهم المرجوة من خيار الأغلبية الحاكمة بالتحالف الطولي (وانشطار البيوتات الطائفية إلى قسمين ثم اجتماعها في تكتلين) هي تبني تكتل غير طائفي الحكومة الاتحادية وتوحيد خطابها المصلحي الذي يؤدي إلى اندماج سياسي وطني. وذلك مهم لناحية إمكانية بلورة العلاقة بين إقليم كردستان وعرب العراق وفق أُسس جديدة عبر تواجد حقيقي وفاعل في بغداد والمشاركة في القضايا العامّة للوطن.

أما على صعيد النظام الذي يعاني من شلل في أدائه نتيجة عوامل عدّة من بينها الأعراف التي سادت منذ 2003 وأهمها المحاصصة، فخيارُ الديمقراطي الكردستاني بكسر العُرف السائد (الرئاسة للاتحاد) يشترط بالضرورة كسر عُرف التوافقية السائد أيضًا، ولعلها مفارقة مهمة واجب الانتباه إليها: كسر التوافق من عرّاب التوافق. ولطالما كان الحزب الديمقراطي يدافع بشراسة على التوافقية بوصفها الشرط الأساسي لحكم العراق الواحد.

من المفترض أن يؤدي استحواذ الحزب على منصب رئاسة الجمهورية (لا يمتلك الديمقراطي الكردستاني موظفًا صغيرًا في مؤسسة الرئاسة) إلى تغيير السياسة المتبعة من الحزب اتجاه بغداد

وفي الختام، لا بد من التذكير بأن التفاؤل لا مكانَ له في النظام العراقي، بل هو نقاش في المعطيات.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

شرط الصدر على مرشح بارزاني.. انفراط للتحالف الثلاثي أم "تكتيك" لجلسة التصويت؟

الثلث المعطّل: تهديد لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية.. وبرلمان لتصفية الحسابات