قد يبدو العنوان غريبًا بعض الشيء، فكيف يجتمع النقيضان (مناهضة الطائفية وترسيخها) لكن لو تعمقنا قليلًا، لوجدنا هذه الحالة موجودة لدى بعض المنصات الإعلامية - التي تزعم مناهضتها للطائفية، ولدى مقدمي برامج وطنيين وليسوا طائفيين، وتتمثل هذه الحالة بعدة ممارسات، وسأركز على اثنين هما الأهم برأيي:
- الممارسة الأولى: المُعرفات المذهبية للقوى السياسية، أي يُقدم السياسي أو الحزب بتعريف مذهبي؛ فيقال: ساسة أو أحزاب الشيعة، أو السُنة. تصنيفات سهلة باللسان، لكنها رسخت الطائفية وعمقت الانقسام. علمًا أنه الحل الأفضل هو أن يُعرف السياسي باسم حزبه، والأحزاب أو التحالفات تُعرف بأسمائها حتى إن كانت مجموعة، وهذا هو المعمول به بدول العالم، فبدل أن يقال (الأحزاب أو التحالفات الشيعية)؛ يقال (حزب الدعوة، سائرون، الفتح.. الخ). وبدل أن يقال القوى السُنية؛ يُقال(الحزب الإسلامي، تقدم، عزم..إلخ)، وذات الكلام ينطبق على الجانب القومي، فبدل أن يقال القوى الكردية؛ يقال: (الاتحاد الوطني، والحزب الديمقراطي). سيما وأن الأحزاب بينها تحالفات ولم تبق منعزلة طائفيًا أو قوميًا. كذلك الأمر ينطبق على المُعرفات الطائفية للمحافظات، فبدل أن يُقال المناطق أو المحافظات الشيعية أو السنية أو الكردية، يقال: أسماء المحافظات كما هي (الناصرية، الأنبار، أربيل.. الخ)، أو المحافظات الجنوبية، أو الغربية.. الخ.
التصنيفات الطائفية والقومية جعلت جزءًا كبيرًا من المجتمع لا يعرف أسماء الأحزاب الحاكمة، لأن الإعلام جعلهم يعتادون على المُعرفات الطائفية والقومية.
- الممارسة الثانية: آلية التعاطي مع الأحداث الطائفية (ترسيخها بحجة مناهضتها، دونما شعور)، بعض المنصات الإعلامية ومقدمي البرامج يبحثون عن أي حدث جديد؛ وهذا طبيعي، لكن غير الطبيعي هو إعطاء الحدث أكبر من قيمته، لدرجة عمل حلقات حوارية مع باحثين ومحللين، وهذا ما حدث في آخر حدث (مُفتعل للإلهاء)، بخصوص تمثال أبو جعفر المنصور، عندما انطلقت دعوة تكاد تكون مجهولة، لكن الإعلام - وبحجة مناهضة الطائفية - طبل وزمر وهلهل لها وجعلها الحدث التاريخي؛ فأهمُ شيء حدث جديد، تُعدي القناة بهِ يومها. حلقات حوارية، ومناقشات ومناظرات وعواجل!
هذه الطريقة البائسة لا تعالج الطائفية؛ بل تعززها، وتُذكر من نساها. وبالرغم أن الكل يقول إن الغاية من من هذا الحدث الطائفي؛ هو إلهاء الناس، إلا أن هؤلاء ذاتهم انشغلوا بهذا الحدث وكتبوا عنه ونقدوه، وكأنها فرصة للكتابة والتكلم عن موضوع جديد! هؤلاء كالذي يقول هذا لغم؛ ثم يسحق عليه!
الأجيال الحديثة، يجب ألا ترث ثقافة التقسيم الاجتماعي - السياسي
وعليه فالحل الأفضل -برأيي- هو عدم التعاطي مع هذه الأخبار الطائفية، ومثلما يعمل الإعلام الطائفي على إشغال الناس بورقة الطائفي؛ فيجب الرد عليه بورقة معاكسة لإشغال الناس بحدث أو قضية أُخرى، تكتيك كهذا أفضل من الرد والقيل والقال. كذلك (تطويق الخبر الطائفي)، أي عدم نشره وتوسيع دائرته والكتابة والتكلم عنه، وإلا فحينما يجد الطائفيون بأن الرأي العام يسمح بالانشغال بالمواضيع الطائفية؛ فتلقائيًا سيفتعل ذلك بين الحين والآخر. كما أن المعالجات البائسة للطائفية مثل (اخوان سنة وشيعة.. الخ، أو ذهاب أحدهم للصلاة بمسجد الآخر)؛ ما هي إلا ممارسات تقليدية قد جُربت قبل مئات السنين ولم تأت ثمارها.
اقرأ/ي أيضًا: نحو مجتمع عميق يمارس السياسة بدل السلطة في العراق
الطائفية في العراق؛ جزء كبير منها ناتج من حُكم العادة، فبعض الإعلاميين اعتادوا على مُعرفات مذهبية وقومية للقوى السياسية، وعليه، فإن أي شخص يستخدم ثالوث التقسيم العراقي (شيعة، سنة، كُرد)، سواء بقصد أو بغير قصد؛ إنما يرسخ ركائز التقسم والطائفية، ويجعل من ذلك ثقافة عامة للأجيال الحديثة، ويساهم في تقسيم العراق فعليًا، وكلاميًا.
ختامًا: الأجيال الحديثة، يجب ألا ترث ثقافة التقسيم الاجتماعي - السياسي، لذلك لتكن كتاباتنا وكلامنا خالية من الأدبيات والمُعرفات الطائفية والقومية، والبديل هو استخدام المُعرفات الحزبية والوطنية.
اقرأ/ي أيضًا: